كتب رولان خاطر
“الانسان اللي بيصلي بيعيش سرّ الوجود”.. هي كلمات كان يردّدها القديس شربل مخلوف في حياته.. وهي فعل إيمان عاشته مي شدياق بعد كل 25 أيلول 2005.
هي كما يسمّونها “فراشة” الصحافة، لا بل “فراشة” كل بيت وقلب، لكنها، وبعد كل هذه المعاناة والمثابرة، بات اسمها “راهبة” الصحافة و”حبيسة” ثورة الأرز، و”ناسكة” الوطن، و”ملهمة” السياديين، وعنوان بطولة لبنان الذي يزداد مجداً وعزة وكرامة وقداسةً بشهدائه الأموات منهم والأحياء.
مي شدياق، التزمت الصحافة بكل تعاليمها والتضحية بعمق معانيها. ثابرت على بناء مجدها المهني من دون ملل، وبعد 25 أيلول، باتت شعلة المجد في زمن أصاب ميثاقه ووطنيته الشلل.
هي تعاني من وجع ومأساة ربما لن تنتهي يوماً، والأكيد أن ذكرى 25 أيلول 2005 ستبقى ألماً ووجعاً محبطاً يدمي القلب، ويحيط بـ”عروسة لبنان”، لكن هذه الذكرى – التجربة، هي نعمة والمطهر في آن، نعمة لا ينالها، إلا من امتلكوا الإيمان والثقة وحب الله، كي يسيروا نحو الله على درب الصليب، والمطهر، لنفض غبار الأخطاء والخطيئة، في زمن تحكمه الخطيئة.
مي شدياق، لا أقولها للتعزية. لكنك تشعلين على مدار السنة شعلة الثورة في قلوب الاستقلاليين، والمثابرين، والمجاهدين في سبيل الكلمة والحق، وتثبيت المبادئ التي من اجلها رحل من رحل لنبقى ونستمر.
اسمك حفر على احجار الكنائس العتيقة، وعلى روزنامة المحطات الوطنية، وعلى قائمة كبار من حملوا وتحمّلوا من أجل لبنان الجديد.
مي شدياق، لم تعد بعد 25 أيلول 2005، مجرّد إعلامية “مهدومة”، قوية، جريئة، صلبة، عنيدة، و”مؤمنة”، بل أصبحت كل الثورة، وكل الايمان، وكل الصلابة والاستقلال، وواحدة في قافلة بدأت ولم تنته بعد ليحيا لبنان.
عندما ننظر إلى مي شدياق، وسمير شحادة، ومروان حمادة والياس المرّ، وكل الشهداء الأحياء الذين عبروا الحرب، وحملوا ذكراها في أجسادهم، لا نستطيع إلاّ أن نقسم اليمين للاستمرار في المواجهة حتى النهاية مهما كانت الأثمان كبيرة.
ميّ هي جزء من قصة. وجودية قبل ان تكون سياسية. تستمر مع كل جيل، وللأسف، تعود في كل مرحلة من مراحل الحياة اللبنانية.
بالنسبة إلينا، ولأن 25 أيلول 2005 يخص ميّ. فهي القصة اليوم. هي تجسّد كما الكلّ، الطريق نحو مشروع العبور إلى الدولة. فلا تستطيع إلا أن تراها كمن يمسك بأيدي المراهقين في العمل السياسي والنضالي، ترويهم من قصص أحلامها، ويكبروا على أنغام مسيرتها البطولية والخطرة والموجعة.
هي اليوم، كمن يضع بخور الغد على جمرة الماضي، ليؤسس كيان وطن لا يحمل في بطنه أمثال جميل السيّد وعدنان عضوم وكل رموز الاحتلال السوري، ولا يلد إلا الأبطال والقديسين والقادة التاريخيين.
في 25 أيلول 2015 يا ميّ، صدقي، نحن ملتزمون بتعاليم بشير ورينه ورفيق وباسل ووليد وسمير وانطوان وجورج وجبران ومحمد شطح وكل شهداء ثورة الأرز. سنثابر على الصلاة من أجل لبنان. سنتسلّح بالايمان، لنبدّد ظلمة خونة الوطن، ولنسحق من تطاول ويتطاول على كل حرّ يضحي من أجل لبنان.
سنلبس الأسود، ولكن “أسود الرهبان”، لنكون القدوة والمثال. وكما انتِ، نزرع الأرض زيتوناً وسلاحاً وإيماناً من اجل ان يبقى لبنان.