IMLebanon

البعد الاقتصادي لأزمة اللاجئين الى أوروبا

refugees-germany
خليل زهر
هل كان حرص رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، على الحفاظ على الوجه المسيحي للقارة الأوروبية، فعلاً ما يدفع حكومته اليمينية المتطرفة الى تصرفات عنصرية في حق اللاجئين تتّشح بالتعصّب وتتنكّر للقانون الدولي الذي يقرّ بحق اللجوء ويفرض على الدول واجب استضافة اللاجئين وحمايتهم؟ وكيف يمكن حكومة تمثل الشعب المجري الذي عانى الأمرّين من الاحتلال النازي والهيمنة السوفياتية التي تمثلت بأبشع صورها في قمع انتفاضة عام 1956، التي أودت بحياة آلاف من أبناء المجر وتسبّبت بلجوء ربع مليون منهم، أن تعامل اللاجئين في هذا الشكل؟ وفي المقابل، الى أي مدى يفسر عامل الوعي الإنساني المواقف الحضارية لدول مثل ألمانيا والنمسا والسويد والنروج وغيرها؟ وما هي العوامل وراء المواقف الخجولة لدول ديموقراطية عريقة مثل إنكلترا وفرنسا وإيطاليا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي إزاء تحمّل مسؤولياتها نحو اللاجئين؟
تشير التباينات في مواقف الدول الأوروبية تجاه قضية اللاجئين، الى وجود عوامل أخرى أكثر أهمية وأشدّ صلة من الاعتبارات الإنسانية التي لا نعتقد أنها تتباين كثيراً بين شعوب المنطقة. كما أن شبح العنصرية أو التعصّب الديني الذي تمدّد ظلّه خلال السنوات الأخيرة، يبقى منحصراً ضمن أحزاب وحركات سياسية أقلية في المجتمعات الأوروبية، توظّف التمييز العنصري والديني في خلق ذرائع لفشل سياساتها الاقتصادية والاجتماعية.
وبالتالي، ليس من المفاجئ أن تأتي خطوط التصدّع في الموقف الأوروبي متوازية مع خطوط التباينات الاقتصادية لهذه الدول ومستوى تطورها. فاختلاف الموقف عموماً بين دول شرق أوروبا وغربها، ناجم أساساً عن أن اقتصادات الأولى لا زالت نامية، تتشابه في ما بينها بمعدلات للدخل أقل كثيراً منها في دول الاتحاد الغربية، كما أن معدلات البطالة فيها أعلى في شكل عام. فالمجر، على سبيل المثال، تعاني من بطالة يتجاوز معدلها 10 في المئة مقارنة بمعدل 5,3 في المئة في ألمانيا. بينما الناتج المحلّي الإجمالي على مستوى الفرد يبلغ نحو 13,5 ألف دولار، وهو أقل من ثلث المعدل في ألمانيا، ودون نصف المعدل المتوسط للاتحاد الأوروبي البالغ 39,6 ألف دولار. لذا فإن استيعاب اللاجئين في هذه الدول يصبح أمراً صعباً، كما أن استيعابهم في الدول الغربية سيحدّ من فرص أبناء هذه الدول الذين يهاجرون الى الدول الغربية بحثاً عن فرص عمل. أي أن الدول الشرقية في الاتحاد تريد أن تكون فرص العمل المتوافرة في الاتحاد لأبنائها وليس للآتين من خارج المنطقة.
كما أن التباين في الأوضاع الاقتصادية بين دول أوروبا الغربية، يفسّر الى حدّ كبير التباين في مواقفها إزاء قضية اللاجئين. فمعدلات البطالة في أكثرية الدول المرحِّبة باللاجئين تقترب من المستويات الطبيعية. إذ إضافة الى ألمانيا التي سبق ذكر نسبتها المئوية أعلاه، هناك النمسا (4,9) والنروج (3,5) وغيرهما. بينما الدول غير المتحمّسة لاستقبال اللاجئين، تواجه معدلات بطالة مرتفعة مثل فرنسا (9,9) وبريطانيا (7,7) وإيطاليا (10,7).
إضافة الى العوامل الاقتصادية المباشرة، فإن التمايز في مواقف دول الاتحاد يعكس الاختلاف بينهم في مقاربة تحديات التنمية المستدامة. إذ إن كل هذه الدول شرقية كانت أم غربية، تواجه تحديات ديموغرافية تتمثل بنمو منخفض أو سلبي في عدد سكانها. فخلال العقد الماضي (2004- 2014)، وعلى رغم الأعداد الكبيرة من المهاجرين الذين تم استيعابهم خلال الفترة، انخفض معدل النمو السكاني في الاتحاد من 0,6 الى 0,4 في المئة، وارتفعت نسبة من تجاوزت أعمارهم 65 سنة من 17,3 الى 19,4 في المئة من إجمالي السكان. وحدها الدول التي فتحت أبوابها للهجرة تمكّنت من وقف الانخفاض في عدد سكانها. فألمانيا مثلاً، رفعت هذا النمو من معدل سالب (1,7) في المئة في 2012 الى 0,3 عام 2014. بينما شهدت المجر انكماشاً خلال العقد الماضي تراوح معدله بين 0,2 و0,5 في المئة.
وبالتالي، فإن الدول المرحِّبة باللاجئين تنطلق، فضلاً عن اعتبارات إنسانية، من معطيات أساسية لضمان استمرار تطوّرها. لذا فإن اللاجئين من الدول العربية الذين يطرقون باب أوروبا، هم مثابة مورد ثمين ومجاني لها. فنصف هؤلاء من الأطفال ومعظمهم في فئة عمرية تتراوح بين 18 و34 سنة. بينما 13 في المئة من اللاجئين السوريين هم من حملة الشهادات الجامعية وربعهم خريجو الثانوية. والأهم من ذلك كله، أن جميعهم يمتلكون الطموح الذي جعلهم يخاطرون بحياتهم من أجل بناء مستقبل أفضل لأبنائهم.
أما تشديد الإجراءات الذي شهدناه خلال الأيام الأخيرة، حتى في الدول المرحِّبة تقليدياً بالمهاجرين، فهو نتيجة عدم القدرة عل إدارة تدفّق المهاجرين بأعدادهم الكبيرة، بخاصة بعد فشل دول الاتحاد في الاتفاق على حصص يتم على أساسها توزيعهم على الدول الأعضاء. بينما حاجة هذه الدول كلها الى مهاجرين جدد لمواجهة حتمية الديموغرافيا، هي حاجة ضرورية. فالدول التي تتشبّث بأصولية إثنية أو دينية أو ثقافية وتقفل أبوابها في وجه المهاجرين، تخاطر في تنميتها الاقتصادية والاجتماعية. فـ “النمور” الاقتصادية، سواء في أوروبا، كألمانيا، أو في أميركا الشمالية كالولايات المتحدة وكندا،على سبيل المثال، تجاوزت هذه الاعتبارات ووضعتها جانباً الى حدّ كبير لمصلحة الدولة الحاضنة للتنوع. وهذا ما يساهم في تميز أدائها ويجعل منها ومن مثيلاتها حول العالم نموذجاً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.