Site icon IMLebanon

سقوط «فولكس فاجن» .. درس في الشفافية


طلال الجديبي

تثير فضائح الشركات الأسئلة وتجعلنا نعيد النظر في عديد من التصورات، وتجدد القوانين والممارسات بطريقة ثورية لا يمكن تجاهلها أو تجاهل آثارها الممتدة. وكما سقطت سابقا شركة بريتش بتروليوم إثر فضيحة تسرب النفط في خليج المكسيك وثبت عديد من التهم عليها ـــ مثل تهمة “الإهمال الجسيم” ـــ ما تكبدها مليارات الدولارات من الغرامات، تبدو اليوم مجموعة فولكس واجن في موقف صعب جدا تتسارع أحداثه بشكل خطير منذ عدة أيام.

تمتلك المجموعة الضخمة التي تعد البائع الأكبر للمركبات في العالم عديدا من العلامات التجارية المشهورة مثل سيارات فولكس واجن وأودي وبورشه وشاحنات مان إضافة إلى الشركات المنتجة لسيارات سكودا وسيات وبنتلي ولمبورجيني. ترتكز فضيحتها الأخيرة على عملية غش مباشر قامت به لتتجاوز الاختبارات المعملية لبعض سياراتها في الولايات المتحدة، حيث صممت الشركة كودا برمجيا يقوم على تشغيل أنظمة التحكم في عادم الوقود خلال الاختبار ليتجاوزه ولكنه لا يعمل أثناء تشغيل السيارة على الطريق في الظروف العادية.

تعتبر هذه التهمة خطيرة جدا على أعمال ومستقبل الصانع الألماني الذي اشتهر بتطبيقه أقوى معايير الجودة والأمان والتكنولوجيا. المشكلة لا تشكل مجرد تجاوز للمعايير البيئية يوقعها في الغرامات بل العمل بخبث على تجاوزها بطرق يراها الأمريكيون غير أخلاقية وإجرامية؛ ما جعل كثيرا من المحللين يتوقع سلسلة طويلة من القرارات القاسية التي تضمن استمرار هيبة وكالة حماية البيئة الأمريكية وعديدا من المنظمات الرقابية الأخرى، مثل هذه النتائج ستؤثر حتما في تواجد الشركة في السوق الأمريكي وفي مكانتها العالمية.

تخبط سهم فولكس واجن خلال الأيام الأخيرة فاقدا أكثر من ثلث قيمته مشكلا خسائر جمة للمستثمرين، واستقال يوم الأربعاء الفائت مارتن وينتركون الرئيس التنفيذي للمجموعة بعد تأسفه على الملأ. وعلى الرغم من أن السيارات التي مورست فيها خديعة الشركة التي كشفتها السلطات الأمريكية ـــ بمساعدة من مراكز الأبحاث الجامعية ــــ تشكل أقل من 1 في المائة من إجمالي المركبات في الولايات المتحدة ـــ نحو 500 ألف سيارة ــــ إلا أن الشركة اعترفت بوجود المشكلة في 11 مليون سيارة يسير معظمها في شوارع أوروبا.

تشكل الفضيحة أيضا سقوطا هندسيا مريعا للشركة العملاقة، اضطرارها لممارسة هذا النوع من الغش كان بسبب فشلها في تقديم مركبة قادرة على كسب رضا المستهلكين والمشرعين مع تحقيق الأرباح في الوقت نفسه، وهو أمر لم تضطر إلى ممارسته شركات مثل تويوتا، التي تسيطر على جزء معتبر من مبيعات السيارات في الولايات المتحدة. وهذا الأمر يجعلنا نشكك في مقدرة الأوروبيين على الاستفادة من إرثهم التكنولوجي الذي تهدد بزواله الشركات الآسيوية.

تشكل الفضيحة كذلك منعطفا خطيرا لتطور استخدام وقود الديزل النظيف، وهو خيار مثالي لا يزال يحصد العديد من التحسينات التقنية والقبول الشعبي والتشريعي في أوروبا وأمريكا. ولكن مثل هذا الحدث قد يحفز المشرعين لإجراء مزيد من الاختبارات والقوانين التي قد تطيح بفرص تطوره، فهي تهز الربحية المحتملة وتقلل من جدوى البحث والتطوير.

استخدم الكود البرمجي في ثلاث فئات من سيارات فولكس واجن وفئة من أودي وفي عدد محدود من السيارات نسبة إلى إجمالي إنتاجها من المركبات، ولكن هذا لن يخفف من أزمة الثقة التي سقطت فيها الشركة الضخمة خصوصا في سوق مؤثر شرائيا وإعلاميا على المستوى الدولي مثل السوق الأمريكي. وبالطبع تشكل فضيحة الغش والخداع أفضل مواد الإثارة الإعلامية وستكثر التقارير والمقتطفات عن تطورات القضية، حتى الأبحاث العلمية المحكمة قد تبدأ لاحقا في الخروج تحليلا للآثار المحتملة لمثل هذا الحدث؛ “إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه”!

محليا، لا نرى كثيرا من فضائح الشركات، وإذا حصلت ربما تنقصنا الشفافية الكافية للحكم. من منطلق تصحيحي تشكل مثل هذه الأحداث فرصة ذهبية لاكتشاف مواطن الضعف وتطوير الأنظمة والتشريعات والممارسات، ما يصب في الأخير في مصلحة المستهلك. وعلى الرغم من أن حدوث الأثر الإيجابي لفضائح الشركات يعتمد على عديد من العوامل المرتبطة بالمجتمع وثقافته وتطوره إلا أن دور الجهات الإشرافية والرقابية واضح وجلي، قوة هذه الجهات تصب في مصلحة المستهلك بطريقة مباشرة وهذا ما ينقصنا حاليا في معظم المجالات الاستهلاكية.