عندما تصل إلى مركز بلدية سن الفيل في ضاحية بيروت الشرقية انعطف يميناً، ثم أكمل طريقك حتى تصل إلى كنيسة “السيدة”. هناك، في مقابل الكنيسة مطعمٌ متوسط الحجم. لا ألوان مبهرة فيه، لا لافتات مرحبة تلفت النظر، لا شيء. فقط بضع شجيراتٍ صغيرة وعددٌ صغير من الطالات والكراسي “الشعبية”. لكن، وعلى الرغم من تواضعه اللافت، هو صاحب “أطيب ساندويش شاورما في العالم”.
لا تتوقع عند دخولك المطعم، الذي تفوق بسندويش الشاورما لديه على كل المنافسين بحسب موقع “فودي هاب” في لندن، أن يتم استقبالك استقبال الملوك. فعلى الرغم من أن صاحب المصلحة عادةً ما يحتاج رضا الزبون إلا أن المعادلة مع “العم جوزف” معاكسة تماماً. بالنسبة إليه أنت لستَ سوى الزبون رقم 200 أو 300 أو ألف في هذا النهار. واستناداً إلى هذا فأنت مرحّبٌ بكَ كأي شخصٍ قادمٍ من البعيد لمعرفة سر هذا السندويش الذي احتلّت “سمعته” نشرات الأخبار.
سيخا الشاورما، الدّجاج واللحمة، ينتصبان أمام أعين الزبائن. لسيخ الدجاج “هيبة” خاصة. وصفته السرية، التي كانت سبب فوزه بالجائزة، تندهك لاكتشافها من خلال التذوق. يتحلّق حوله عددٌ من العاملين “المتخصصين بالشاورما”. لا يأبهون كثيراً لزيٍّ مميّز، أو لهيئةٍ “تليق” بالجائزة المحصودة. مجرّد لباسٍ أبيض اللون، يشبه ملابس العاملين في مجال إعداد الطعام في باقي المطاعم في أي مكان. أما “سيخ شاورما الدجاج”، فمذ حصد ذاك “الصيت”، وهو يُعامل كأنه “ملك وصاحب المطعم”. مشاهدة اعداد السندويش لا تفوت، رغيف صغير تتناثر فيه قطع الدجاج من حد السكين الطويل وتأتي في وسطه رغم ارتفاع السيخ. قليل من الخس المقطع وكمية غنية من الثوم.ويلف الرغيف برشاقة. عند مضغ اللقمة الاولى تتفاعل المكونات مع بعضها فتستمتع بقرمشة الخس والكبيس والدجاج من دون أن تطغى طعمة الثوم.
على كرسي متوسّط العلو يجلس إدغار. يضع أمامه صندوق المحاسبة، فيستقبل أموال الزبائن المرافقة لطلباتهم. “وحدة شاورما لحمة”، “بدي تنين دجاج ووحدة لحمة، بس بلا توم إذا بتريد”، “لو سمحت وحدة همبرغر مع بطاطا إكسترا”، “إذا بتريد بدي سندويش من اللي ربحت الجائزة، بس بسرعة لو سمحت”. لا تعجبه العبارة الأخيرة، فابن العم جوزف، الذي يعمل مع والده في إدارة المطعم، لا يحب أن “يُعجَّل” في طلبيته، لأن السندويش الأطيب هو الذي يُعمل بإتقان. كما أن الزبون الواحد ليس سوى شخصاً واحداً في زحمة الزبائن الهائلة في المكان، وعليه الصبر والانتظار للحصول على “أطيب سندويش في العالم”. وعلى الرغم من ازدحام المكان إلا انه لا يتوانى عن الإجابة عن الاستفسارات المتتالية حول كيفية “التعامل” مع الشاورما. يُجيب امرأةً بالإيجاب حول سؤالها إذا ما كان بالإمكان إعادة تسخين الشاورما في المنزل، لكن مع تعليماتٍ خاصة “بالفرن مدام مش بالمايكرووايف”.
لا ديكورات مبهرة في المكان، مجرد بورسلان أبيض يغلّف الجدران. لا إضاءة تسرق الأنظار كذلك، مجرد أنوار بيضاء عادية تنير المكان. طاولاته وكراسيه لا استثناءَ فيها هي الأخرى. لكنه “بعاديّته المفرطة” تلك استطاع الوصول إلى العالمية. واستطاع إثبات قاعدة أن “البساطة تصنع التميز”. أكثر من 140 خبيراً من مختلف دول العالم، في الاجتماع السنوي لـ”فودي هاب”، أعلنوا تفوق شاورما “العم جوزف” على نظيراتها. المنافسة كانت صعبة، لكن “جوزف” لم يجزع “لعالميتها” وقرر خوضها والفوز بها. لتُحدث شاورما هذه المنطقة الهادئة في ضاحية من ضواحي بيروت الصاخبة جلبةً في العالم وتصبح “الأطيب” في العالم.
وموقع “فودي هاب” هو موقع عالمي متخصص بالطعام، يقدّم جائزته السنوية وفق تصويتٍ يستند إلى المطاعم الشعبية التي تقدم المأكولات بأسعارٍ مدروسة. وقد قدّم الجائزة لهذا العام (2015) إلى مطعم جوزف وذلك في منافسةٍ جرت قبل أسابيع في العاصمة البريطانية لندن بمشاركة أكثر من 140 خبيراً من مختلف دول العالم. وقد قام أنتوني رحايل، ممثل الموقع في لبنان، بترشيحه عن فئة ألذ ساندويش في العالم.