انتقل معظم ما تبقى من نشاط الاقتصاد اليمني إلى السوق السوداء، التي يصادرها اليمنيون لاقتناء ما يسد رمقهم، بعدما تسببت الحرب الدائرة منذ مارس الماضي في اختفاء الكثير من السلع من الأسواق.
وراجت تجارة السوق السوداء للسلع الغذائية والمشتقات النفطية الشحيحة بسبب استمرار الحرب التي تشنها قوات تحالف عربي بقيادة السعودية ضد ميليشيا الحوثيين، المرتبطة بإيران، إلى جانب حليفها الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح.
وكانت الموانئ البحرية هي المنفذ الرئيسي لإدخال السلع الضرورية والمساعدات الإنسانية إلى اليمن، لكن قرب عدد كبير منها من مناطق القتال وتعرض عدد آخر للقصف وضع اليمنيين أمام خيارات صعبة.
وتعرضت موانئ عدن والحديدة لأضرار كبيرة بعد أن كانت الأكثر استقبالا للشحنات التجارية والإغاثية، حيث كان ميناء عدن يستقبل نحو 50 بالمئة من واردات اليمن، والحديدة نحو 30 بالمئة. وتتوزع النسبة المتبقية البالغة 10 بالمئة على موانئ أصغر هي الصليف في الحديدة والمخاء في تعز والمكلا في حضرموت، حسب تقرير حديث للأمم المتحدة.
كما تعطلت استفادة منظمات الإغاثة في حضرموت من الميناء، بسبب السيطرة الكاملة لتنظيم القاعدة على مدينة وميناء المكلا، رغم خلو معظمها من القتال المتركز أساسا في ما كان يعرف باليمن الشمالي. وتراود وكالات الإغاثة مخاوف كبيرة من احتمال احتمالات تعطل ميناءي الصليف والمخاء، بسبب قربهما من مناطق الحرب. ويستخدم اليمن تلك المرافئ البحرية حاليا لاستقبال 90 بالمئة من الغذاء وجميع الوقود، إلى جانب نسب مختلفة من السلع التجارية الأخرى، ومنها معظم المواد الإغاثية.
وإذا ما تراجع عدد الموانئ التي تواصل العمل حاليا، فسيكون على اليمنيين، الذين يعانون من البطالة وتراجع مستوى المعيشة بشكل عام، الاعتماد يوميا على السلع المهربة التي ترتفع أسعارها بشكل غير مسبوق.
ويصف الخبير الاقتصادي بمركز الدراسات والبحوث اليمني طاهر الصالحي تلك الظاهرة بأنها “نمط اقتصاد الحرب والفساد. أبرز تجلياته غياب دور مؤسسات الدولة وظهور السوق السوداء للمتاجرة بالمواد الغذائية والأدوية ومشتقات النفط وغاز الطبخ وحتى السلاح”.
وقال إن “أصحاب النفوذ القبلي والسياسي والعسكري والديني هم المستفيدون من عوائد تلك التجارة”، مرجحا استخدامها في “شراء الولاءات الشخصية والجماعية وتمويل العمليات العسكرية من قبل جميع أطراف الصراع″.
وتوقع الصالحي في تصريحات للتلفزيون الألماني، ذهاب جزء من عوائد السوق السوداء “لتمويل العمليات الإرهابية ودعم أنشطة الجماعات الدينية المتطرفة”. ومن بين المواد الرئيسية التي تدر عوائد مرتفعة في السوق السوداء، المشتقات النفطية، حيث وصل سعر ليتر البنزين إلى نحو دولارين.
وأدى تزايد الطلب على العملات الأجنبية، خصوصا الدولار، إلى هبوط سعر صرف الريال اليمني بنسبة تجاوزت 10 بالمئة، ما تسبب في خلق سوق سوداء للعملات الأجنبية أيضا.
وكانت جماعة الحوثي، التي تسيطر منذ سبتمبر الماضي على العاصمة صنعاء، أصدرت قرارا بتعويم أسعار المشتقات النفطية وإتاحة المجال للقطاع الخاص للاستيراد من السوق العالمية.
وضاعف ذلك من الصعوبات التي يواجهها اليمنيون، وأدى إلى تجفيف مصادر العملة الصعبة بعدما توقفت عملية تصدير النفط والغاز والمعادن والبضائع والاستثمارات الخارجية وقطاع السياحة، إضافة إلى توقف المساعدات الخارجية باستثناء عمليات الإغاثة والمساعدات الإنسانية.
وكانت الحكومة تقدم نحو 3 مليارات دولار سنويا لدعم المشتقات النفطية، لكن تراجع الأسعار عالميا جعل استيراد المشتقات النفطية، الذي تشرف عليه الدولة، موردا مهما للخزينة العامة. ويقول مراقبون إن الحوثيين سيطروا على جزء من السوق السوداء لتمويل عملياتهم العسكرية بعدما أسهم الحصار الصارم الذي تفرضه قوات التحالف العربي في انقطاع التمويل ووصول الأسلحة عبر الموانئ والمطارات اليمنية. وامتدت السوق السوداء إلى المواد الغذائية وبات اليمنيون يعيشون على ما يتم تهريبه عبر البحر أو الحدود مع سلطنة عمان.
وخلال حصار الحوثيين لمدن جنوب اليمن لفترة 4 أشهر، منعوا دخول المواد الغذائية الضرورية، لكن الغريب أن القات بقي متوفرا بشكل نسبي يزيد على السلع الغذائية الأخرى.
وأصبح القات المهرب الوحيد أمام معظم اليمنيين، وأصبح مدمنوه يسابقون إلى شرائه لنسيان ويلات الحرب. وإلى جانب المشتقات البترولية والمواد الغذائية والقات، انضم السلاح أيضا إلى طابور طويل من السلع التي يسعى اليمنيون وراءها في أسواق الحرب.
وقال سكان محليون في محافظة لحج الجنوبية إن سوقا للسلاح فتحت في منطقة “الوهط” القريبة من الحوطة عاصمة المحافظة، وتباع فيها الأسلحة الثقيلة بما فيها الدبابات، التي تم الاستيلاء عليها من قاعدة العند العسكرية والمعسكرات الموالية للرئيس السابق والميليشيات الحوثية. ويقول سكان محليون في المنطقة إن جماعات دينية متطرفة تشتري الدبابة بما يعادل نحو 24 ألف دولار.
وأكد شيخ قبيلة من محافظة تعز الشمالية للتلفزيون الألماني مفضلا عدم ذكر اسمه أنه عرض عليه رشاش مضاد للطيران عيار 14.5 ميليمترا بما يعادل نحو 14 ألف دولار.
وأضاف أن سعر صفيحة ذخيرة بندقية كلاشنيكوف تراجع بشكل كبير، في وقت تعرض فيه سوق أخرى للأسلحة الثقيلة في مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين الجنوبية راجمات صواريخ كاتيوشا.