نصير الحسون
وصف تجار الأسواق الرئيسة في بغداد موسم عيد الأضحى الحالي بالأسوأ لجهة حركة التبضّع والقدرة على الشراء، بسبب تراجع السيولة النقدية لدى المواطن وارتفاع معدلات التضخم، في مقابل عجز حكومي واضح في تأمين أجور موظّفي القطاع العام والمتقاعدين نتيجة انحسار موجودات الخزينة الناجم عن انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية.
وقال أحد تجار الجملة في بغداد ويدعى محمد الساعدي، في تصريح الى «الحياة»، أن «معدلات السحب على البضائع بمختلف تصنيفاتها الغذائية والرفاهية والملابس وحاجات المستهلك الأخرى، انخفضت خلال الأشهر الماضية إلى مستويات متدنية جداً مقارنة بموسم العيد العام الماضي». ونفى وجود علاقة بين انخفاض الإقبال على الشراء وارتفاع أسعار السلع، مؤكداً أن الأسعار مستقرة بعدما تراجعت الحكومة عن تطبيق التعرفة الجمركية، لكنّ أسباباً أخرى كانت أكثر تأثيراً في القطاع التجاري، منها الوضع الأمني المتردّي وتوجّه المواطن نحو التقشّف تحسباً لأي طارئ».
وأضاف الساعدي: «الأسباب الأخرى تتعلق بظاهرة هجرة الشباب العراقي إلى أوروبا، حيث زادت الرغبة في بيع السيارات التي كانوا يقتنونها وأي سلع أخرى لتأمين مبلغ يكفيهم للانتقال، إضافة إلى تأخر دفع مستحقات موظفي القطاع العام والتقاعد، ومستحقات القطاع الزراعي الذي كان الحلقة الأهم في تحريك السوق».
وأعلنت وزارة التخطيط ارتفاع مؤشر التضخم خلال آب (أغسطس) الماضي 0.7 في المئة، مقارنة بتموز (يوليو)، في حين بلغت نسبة التضخم السنوي 2.6 في المئة». وقال الناطق الرسمي باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي: «الجهاز المركزي للإحصاء التابع للوزارة أنجز تقرير التضخم لشهر آب الماضي، على أساس جمع البيانات ميدانياً عن أسعار السلع والخدمات المكوّنة لسلة المستهلك، من عينة مختارة من منافذ البيع في محافظات العراق كافة». وأوضح أن هذه المعدلات أقل كثيراً من مؤشرات التضخم عام 2006، والتي تجاوزت 53 في المئة، ثم بدأ بالانحسار تدريجاً نتيجة برامج طبّقتها جهات تمكّنت من تحسين أسعار صرف الدينار ورفع معدلات الدخل.
وعزا الهنداوي «ارتفاع معدلات التضخم إلى تفاقم أزمة السكن وغياب الحلول الجذرية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار العقارات وإيجاراتها لسنوات متتالية، إضافة إلى مشاريع منح القروض والسلف، ما عزز الطلب على السكن. ووفقاً لنظرية العرض والطلب، ارتفعت أسعار العقارات وانعكست على معدلات التضخم».
وأكد وزير الصناعة والمعادن محمد الدراجي، وجود مطالب من جهات حكومية لتطبيق قانون التعرفة الجمركية، بشرط أن يتم ذلك في شكل فيديرالي، أي أن يشمل كل المنافذ بما فيها التابعة للإقليم، إذ إن أي سلعة تُرفض في موانئ البصرة يعاد شحنها إلى الإقليم لتدخل بعد أيام الأسواق العراقية.
وشدّد على أن «الهدف من فرض رسوم على البضائع يتمثّل في حماية المنتج العراقي، إذ إن الرسم سيشمل فقط السلع التي لها مثيل مصنّع محلياً، والسلع الرفاهية وغير الضرورية بهدف حضّ المستهلك على التقشّف، فمن غير المعقول استيراد سلع وبضائع بقيمة تشكل 51 في المئة من عائدات العراق السنوية من النفط، إذ استورد منذ العام 2004 بأكثر من 322 بليون دولار».
وأوضح عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية عبد السلام المالكي، أن «الأوضاع المالية في البلد صعبة جداً، فمبيعات النفط لا تسدّ 80 في المئة من نفقات الموازنة التشغيلية، ما يعني وجود حاجة حكومية شبه شهرية الى الاقتراض لتأمين نفقات الحرب على داعش».
وأضاف: «اللجنة اقترحت على البنك المركزي إيجاد وسائل لإنعاش الأسواق، إذ إن قانون البنك يمنع إقراض الحكومة مباشرة، لذلك لجأنا إلى نظام إقراض القطاع الخاص لتأسيس مشاريع صغيرة ومتوسطة». وتابع: «حتى الآن، كل الدلائل تشير إلى أن هذا القرض الذي سيقدمه المركزي لكل من قطاع الصناعة والزراعة والإسكان وقيمته خمسة بلايين دولار، بينها بليون دولار للمصارف الأهلية، لن يذهب الى الجهات المخطّط لها، بل سيُمنح عشوائياً وستتدخل الأحزاب. وبدلاً من استحداث مشاريع صناعية أو زراعية، ستُستغل القروض لشراء سيارات حديثة وعقارات في دبي أو للهجرة إلى أوروبا». وكشف المالكي عن مساعٍ لعدم شمول إقليم كردستان بهذه القروض لأنه غير مرتبط إدارياً بالحكومة عبر المصارف القطاعية، وكذلك لأن الغاية الرئيسة من القرض تحريك عجلة الاقتصاد العراقي وإنهاء حالة الجمود التي لحقت به خلال الشهور الماضية».