منذ نهاية القرن الثامن عشر برز الفحم كمادة إستراتيجية من الطراز الأول. ذلك كمصدر للتدفئة ثم كمصدر للطاقة بعد اختراع الآلة البخارية. وانتشر استخدام الفحم سريعاً في العالم مع بناء الأساطيل التجارية اعتباراً من مطالع القرن التاسع عشر التي كانت وسيلة نقله الأساسية آنذاك.
وتعددت بعد ذلك استخدامات الفحم بالنسبة للإنسانية، حيث مثّل في فترة من الفترات نسبة كبيرة تحددها بعض الدراسات المختصّة بحوالي 45 بالمئة من مصادر الطاقة في العالم. هذا إلى درجة أن الكثيرين يعتبرون أنه لعب دوراً حاسماً في تطوّر العالم منذ الثورة الصناعية الكبرى، وأنه من الصعب تصوّر أن تكون البشرية قد حققت ما هي عليه اليوم بدون الفحم.
لكن لهذه الصورة وجهها الآخر. فإذا كان مسار مجتمع التكنولوجيا الحديث قد ارتبط بالفحم فإن الفحم هو أيضا المصدر الرئيس للغازات الضارّة المنبعثة التي تشكلّ خطراً كبيراً على البيئة باعتبارها مصدر التلوّث الرئيس، هذا فضلاً عن آثارها فيما يتعلّق بالتغيرات المناخية «المنذرة بالخطر» بالنسبة لمستقبل البيئة وعبر ذلك مستقبل العالم.
والباحث الأميركي في مسائل تلوّث البيئة ومستقبل المناخ «ريشارد مارتن» الذي سبق له وقدّم كتاباً سابقاً وجد أصداء كبيرة تحت عنوان «الوقود الممتاز» عن الطاقة النووية، يقدّم كتاباً جديداً عن مصدر طاقة آخر في نفس إطار البيئة والتغيّر المناخي تحت عنوان «حروب الفحم». وهو يدرس فيه «مستقبل الطاقة ومصير الأرض»، كما جاء في عنوانه الفرعي.
في القسم الأوّل من الكتاب يدرس المؤلف «دوّامة الموت» حيث يقوم بنوع من التأريخ لازدهار ثم تقهقر صناعة الفحم في عدد من الولايات الأميركية مثل كانتوكي وفيرجينيا الغربية. وفي القسم الثاني «الاندفاع» يتعرّض للنجاح الذي حققته عملية استثمار المناجم في ولايات الغرب الأميركي من «ويمينغ» حتى «كولورادو».
في القسم الثالث «الهجرة الكبيرة» يتم التعرّض لمسائل التلوّث من الصين إلى الولايات المتحدة الأميركية والثمن الباهظ الذي دفعه العاملون في صناعة الفحم ويهدد العالم أجمع. الفكرة الأساسية التي ينطلق منها المؤلف تتركز حول ضرورة أن يتم الوصول إلى مصادر طاقة أخرى «نظيفة» من أجل تسيير التكنولوجيات الحديثة بحيث تكون «أقلّ تلويثاً» للبيئة.
ويؤكّد أن الوصول إلى مثل هذه الطاقة ينبغي أن يتحقق خلال العقدين القادمين، وإلا ربما أن الإنسانية تكون قد «خسرت الرهان» وأن مستقبلها قد تتقاذفه رياح عاصفة.
وبعد الإشارة إلى أن استهلاك الفحم يتراجع في بعض البلدان مثل الولايات المتحدة الأميركية على خلفية «توفّر الغاز الطبيعي بأسعار غير مرتفعة»، فإنه يتعاظم بالمقابل في عدد من البلدان الأخرى مثل اليابان.
من النتائج الأساسية التي يخلص لها مؤلف هذا الكتاب من تعرّضه لـ«حرب الفحم» هو أنه ينبغي العزوف عن استهلاك هذه المادّة، وإلا فإنها قد تكون مدمّرة. وبهذا المعنى يرى أن «حروب الفحم» هي ذات بعد «مصيري» وذات طبيعة تتعلّق بمستقبل الإنسانية. ويصل إلى القول إنها قد تكون مدمّرة مثل «الحربين الكونيتين اللتين شهدهما القرن العشرين».
ويردف: «إن رهان حروب الفحم هو بقاؤنا، وربما ليس كنوع، ولكن بالتأكيد كبشر يعيشون في مجتمعات وفي إطار أنماط من الاقتصاد تقوم على أساس استهلاك طاقة زهيدة الثمن ولكنها ملوثة».