يقيم في السعودية نحو 30.7 مليون نسمة، بينهم 10 ملايين وافد، وذلك حسب إحصاءات عام 2014، ويتزايد السكان في المملكة بمعدل 2.5% سنويًا، مما يعني زيادة معدلات الاستهلاك داخل المجتمع المحلي، بصورة تساعد على نشاط اقتصادي واسع في مجال تجارة الجملة والتجزئة.
وقد أعلنت هيئة الاستثمار السعودية، الأسبوع الماضي، سماحها للشركات الأجنبية المتخصصة في تجارة الجملة والتجزئة بالعمل في المملكة، على أن تبت الهيئة في هذه الطلبات مطلع العام المقبل.
وكانت السعودية قد سمحت العام الماضي، بالسماح بالاستثمار الأجنبي غير المباشر في مجال صناديق الاستثمار العاملة في البورصة.
إلا أن سماحها بدخول الاستثمار الأجنبي المباشر في مجال تجارة الجملة والتجزئة، سوف يحقق بعض الفرص للاقتصاد السعودي، وفي نفس الوقت يفرض عليه مجموعة من التحديات، وذلك في ضوء تجربة دول عربية أخرى في هذا المجال وعلى رأسها مصر.
والجدير بالذكر، أن قطاع تجارة الجملة والتجزئة في المملكة تتزايد قيمة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي بشكل ملحوظ.
وبحسب بيانات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات السعودية، ارتفعت قيمة مساهمة قطاع تجارة الجملة والتجزئة من 133 مليار ريال عام 2010 (الدولار يعادل 3.75 ريال) إلى 225 مليار ريال، العام الماضي، وبذلك بلغت الزيادة بين عامي المقارنة، 112 مليار ريال، وبنسبة تصل إلى 91.7%.
ومن هنا تتضح أهمية هذا القطاع، ودور الاستثمارات الأجنبية فيه، وإلى جانب حجم مساهمة القطاع في الناتج المحلي السعودي، فإن أرقام مصلحة الإحصاء تبين أيضًا، أن عدد المشتغلين بالقطاع يصل إلى 1.6 مليون عامل، عام 2014، وبنسبة تصل إلى 14.5%، من إجمالي قوة العمل في السعودية، إلا أن العمالة الوافدة تمثل نسبة كبيرة من العاملين بقطاع تجارة الجملة والتجزئة.
ووفق تصريحات المسؤولين بهيئة الاستثمار السعودية، فإنها ستنظر في طلبات الشركات الأجنبية، وستُقوم نسب التصنيع المحلية، وكذلك مساهمتها في التشغيل، واستجلابها لرؤوس الأموال.
وتحدث مسؤولون سعوديون أن هذه الاستثمارات سوف تتيح للسوق المحلي مساحة من المنافسة، مع الشركات المحلية، وسيكون المستفيد من هذه المنافسة المستهلك السعودي.
الفرص
في ظل الأجواء التي عايشها القطاع الخاص السعودي خلال الفترة الماضية، استفاد من حالة الاحتكار للعديد من الأنشطة والخدمات الاقتصادية، ومن بينها سيطرته على أنشطة قطاع تجارة الجملة والتجزئة، وبلا شك أن فتح مجال المنافسة، مع الاستثمار الأجنبي في هذا القطاع، سيتيح مجموعة من الفرص، منها:
– رفع الحماية عن القطاع الخاص السعودي، وإكسابه القدرة على المنافسة في السوق المحلي، وبالتالي إمكانية الخروج للمنافسة في السوقين الإقليمي والدولي.
– وجود خبرات جديدة في مجال الإدارة لأنشطة قطاع الجملة والتجزئة، في ضوء الخبرات المتراكمة للشركات الأجنبية، وسوف يفتح المجال لدخول الشركات الأم بنفسها للسوق السعودي، ما يعني توفير العمولات التي كان يحصل عليها الوكلاء المحليون، وبلا شك سيكون للمستهلك نصيباً من توفير تكلفة الشراء، في ضوء غياب عمولات الوكلاء.
– استجلاب رؤوس أموال أجنبية، تمثل رافدًا جديدًا للنقد الأجنبي للملكة، في ظل تحديات أزمة انهيار أسعار النفط، والتي يتوقع لها أن تستمر في الأجلين القصير والمتوسط، وبالتالي إتاحة الفرصة لصانع السياسة الاقتصادية السعودية بعدم الاعتماد بشكل كبير على استنزاف احتياطيات النقد الأجنبي.
التحديات
في ضوء تجربة الدول العربية وغيرها من الدول النامية، التي دخلتها متاجر السلسلة العالمية، تبين أن هذه المتاجر تعتمد على احتكار الأسواق المحلية، من خلال مجموعة من الآليات، منها:
– الانتشار السريع في أماكن التكدس السكاني، وذلك بفضل ما لديها من استثمارات هائلة، وتقديم عروض أسعار لا تتناسب مع المنشآت المحلية المناظرة، وبذلك تكون للمتاجر الأجنبية ميزة البيع بكميات كبيرة، مما يمكنها من الحصول على نسب خصم كبيرة من المنتجين، وفي هذه الحالة تتعرض المنشآت المحلية إلى تحقيق خسائر، وتقليص نشاطها، وفي النهاية الخروج من السوق.
– لا تقتصر الدائرة الاحتكارية للشركات الأجنبية على مزاحمة المنشآت المحلية العاملة في نفس مجالها، بل تمتد إلى احتكار شركات الإنتاج المحلية لصالحها، فيتم حجز خطوط الإنتاج بالشركات المحلية لصالح الشركات الأجنبية، وبخاصة في الشركات العاملة في مجال التصنيع الغذائي، فتظهر المنتجات بالسوق وكأنها من إنتاج الشركات الأجنبية.
وتستغل الشركات الأجنبية قدراتها التمويلية، في أنها توفر للمنتج المحلي شراء إنتاجه طوال العام، ما يعني عدم تحمله لأعباء تمويلية، ويضمن في نفس الوقت تسويق منتجاته بالكامل، وتشغيل خطوط الإنتاج بكامل طاقته، فضلًا عن توفير نفقات التسويق، وخلافه، ولكن كل هذا رهن الأسعار شديدة التدني، وهامش الربح المحدود للغاية الذي تسمح به الشركات الأجنبية لمثيلاتها المحلية.
– في إطار ما تحمله تلك الشركات من شهرة، فإنها تتعامل مع الجهاز المصرفي المحلي بثقة كبيرة، وتعتبر البنوك المحلية التعامل مع هذه الشركات جزء من سيرتها الذاتية، فيتم الاعتماد على تمويل تلك الشركات من خلال الجهاز المصرفي المحلي، بنسبة تصل في بعض الأحيان إلى 85% من إجمالي الاستثمارات، مما يجعلها تزاحم القطاع الخاص المحلي في الاقتراض، ومن جهة أخرى تُفقد الدولة المضيفة واحدة من أهم المميزات المنتظرة من الاستثمارات الأجنبية، وهي تدفق النقد الأجنبي من الخارج.
يلاحظ أن العمالة السعودية في قطاع تجارة الجملة والتجزئة بالمملكة، حسب بيانات عام 2014، لا تتجاوز 278 ألف عامل، وبما يعادل نسبة 17% من إجمالي العاملين بالقطاع، وهي بلا شك نسبة متدنية، ومن الضروري، أن تنظر هيئة الاستثمار في طبيعة العمالة التي ستوظفها هذه الشركات، بحيث لا يكون اعتمادها الأكبر على العمالة الوافدة، حيث إن البطالة بين السعوديين تصل إلى 12%، وقد تفضل الشركات الأجنبية العمالة الوافدة لسهولة التعامل معها، من حيث شروط العمل وتحديد الأجر، وكذلك قبول العمالة الوافدة بالوظائف الدنيا.
ثمة مجموعة من المتطلبات لابد أن تأخذها في الاعتبار هيئة الاستثمار السعودية، وهي وجود فترة انتقالية تسمح للقطاع الخاص المحلي في مجال تجارة الجملة والتجزئة، لتهيئة نفسه للمنافسة مع الاستثمار الأجنبي، وذلك لعدم تكافؤ الفرص بينهما الآن، وكذلك وجود أجندة سعودية تحدد أولويات الأنشطة التي يوجد بها تقصير من قبل القطاع الخاص الوطني.
وبالتالي تكون مجالات ذات أولوية لصالح الاستثمارات الأجنبية، وأن تضع حدًا وشروطًا واضحة لمحاولات الشركات الأجنبية احتكار السوق المحلي والسيطرة عليه.
وأمام المملكة، تجربتان واقعيتان، وهما تجربة مصر التي سيطرت فيها الشركات الأجنبية، وأحدثت حالة متجذرة من الاحتكار، وتجربة ماليزيا التي ساهت بشكل كبير في تحقيق أكبر مصلحة من وجود الاستثمارات الأجنبية، وذلك في ضوء ما يعرف بالمصالح المشتركة، فلا الاستثمارات الأجنبية تستطيع الاستغناء عن ماليزيا، ولا ماليزيا تستطيع الاستغناء عن هذه الاستثمارات الأجنبية.