ذكرت صحيفة “السفير” أنه خلال الأشهر الأربعة الممتدّة بين 21 نيسان و23 آب الماضيين، غادر 24 شخصاً لبنان عبر «مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري» أو مرفأ طرابلس بجوازات سفر مزوّرة من دون أن تتمكن الأجهزة المعنية من كشفهم، في سياق إحدى أكبر عمليات التزوير، ليتبين أن عشرين من المغادرين حطّوا في تركيا، وأن الأربعة الآخرين حطّوا في الإمارات العربيّة المتحدة.
في حين لم يستطع 19 آخرين أنجزوا جوازات سفر مزوّرة السفر خارج لبنان بعد انكشاف أمر شبكة التزوير.
والأفدح، أنّ 43 مواطناً لبنانياً، بعضهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، لا يدرون أن هناك جوازات سفر وإخراجات قيد فرديّة صادرة باسمهم ولكنّ ليس بصورهم الشمسية الأصليّة: منهم مَن سافر بها ومنهم ما زال موجوداً داخل البلاد.
وقالت الصحيفة: “لا أحد حتى الآن، يعلم الهوية الحقيقيّة للذين سافروا من لبنان بأسماء وهميّة وما هي خلفياتهم الأمنيّة، خصوصاً أنّ لا شيء يمنع من أن يكون إخفاء أسمائهم الحقيقيّة سببه أنهم مطلوبون للعدالة وصادرة بحقهم مذكرات توقيف غيابيّة أو أن يكونوا غير لبنانيين ويعتبرون أن جواز السفر اللبناني قد يسهّل أمر سفرهم إلى الخارج، ولاسيّما تركيا التي تسمح للبنانيين دخول أراضيها من دون الحاجة إلى تأشيرة دخول.
وما يزيد الشكوك هو دخول السواد الأعظم منهم إلى تركيا، إما للعمل والبقاء فيها بأوراق مزوّرة أو التوجّه منها إلى دول أوروبيّة بطريقة غير شرعيّة أو ربما للدخول إلى سوريا.
وبرغم كلّ هذه الفرضيات، فإنّ المديريّة العامّة للأمن العام استطاعت عبر التقاط خيط واحد، كشف هذه «الفضيحة» التي حصلت على الأراضي اللبنانية وضبط الشبكة، بعدما تمّ توقيف الفلسطيني صالح خ. الذي كان يحمل جواز سفر مزوّر باسم اللبناني محمود ص. (مواليد 1995/ برج الشمالي) واللاجئة الفلسطينية ناريمان ع. ع. (والدها مشترك في عملية التزوير) وتحمل جواز سفر يعود للبنانية زينب م. (مواليد 1994/ برج الشمالي) وهما في طريقهما إلى تركيا عبر مرفأ طرابلس بتاريخ 22 آب الماضي.
وما أن تمّ توقيفهما، حتى اعترفا أنّ اللبناني ناجي د. (مواليد 1962)، هو الذي أمّن لهما جوازي السفر. الموقوف الذي يعمل في تخليص المعاملات وتعقيبها والناشط في مجال التزوير والنصب والاحتيال سرعان ما اعترف أنّه ليس وحيداً في «الكار»، بل إنّ زميله الفلسطيني رامي م. (مواليد 1991) ناشط أيضاً في مجال تسفير أشخاص بجوازات سفر مزوّرة مقابل مبالغ مالية وصلت إلى 1500 دولار أميركي عن كل جواز، وكان يعاون الموقوف ناجي في تأمين بيانات قيد مزوّرة.
وما لبث أن توارى رامي عن الأنظار لتقوم النيابة العامّة الاستنطاقيّة في الشمال بتسطير بلاغ بحث وتحرٍّ بحقّه، إلا أنّ ناجي كشف المستور باعترافاته. إذ أنّ التحقيق معه أدّى إلى ضبط شبكة التزوير التي أنجزت 43 جواز سفر مزّور بالتعاون مع 4 مخاتير في أحد الأقضية الجنوبيّة!
وبعد توقيف المخاتير الأربعة: محمّد ع. وعماد ع. وفاطمة س. وكامل ف. أقرّ الأوّل أنّه أنجز 37 جواز سفر وتزوير إمضاءات الشهود مقابل مبالغ مالية زهيدة، واعترف الرابع أنّه قام بإنجاز 3 إخراجات إفرادية مزوّرة بطلبٍ من ناجي مقابل منفعة ماديّة اقتصرت على تصديق إحدى الشهادات من وزارة الخارجية. فيما أكد المختاران الآخران إنجاز 5 طلبات جوازات سفر من دون علمهم بالأمر، وتمّ توقيفهما لإهمالهما عملية التدقيق في طلبات البيانات.
أما الشهود الستّة الذين وقعوا على طلبات جوازات السفر عند المخاتير، فسرعان ما تمّ إخلاء سبيلهم، بعدما تبيّن أنّه صودف وجودهم في مكتب أحد المخاتير الأربعة من دون أن يكون لهم غاية مشبوهة، أو أنّهّ تمّ تدوين تواقيعهم من دون علمهم بالأمر.
كيف جرت عمليّة التزوير؟
أمّا عن كيفيّة حصول عمليات التزوير بهذه الطريقة، فإنّ السمسارين ناجي ورامي كانا يبحثان إما وحيدين أحياناً أو بالتعاون مع مخاتير أحياناً أخرى، عن لبنانيين تتناسب أعمارهم مع أعمار الأشخاص المشبوهين الذين لا يملكون جوازات سفر سابقاً، مركزين على أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة ممن درجت العادة أنهم لا يسافرون خارج لبنان بسبب الإعاقة وأحوالهم الاجتماعية المتردية.
وبعد تدوين الأسماء، يقصد الشخصان إحدى دوائر الأحوال الشخصيّة أو مختار المحلّة لإنجاز بيانات قيد إفرادية من دون وجود صاحب العلاقة على اعتبار أنّه لا يخرج من المنزل أو بالتعاون مع المختار أو أحد المعنيين داخل الدوائر، خصوصاً أن ناجي يعمل كمخلّص معاملات.
وفي هذه الحالة، يتمّ إنجاز إخراج القيد وتكون المعلومات المدوّنة فيه (الاسم، العائلة، رقم السجل..) صحيحة، باستثناء الصورة التي تعود لشخص آخر.
وما أن يقوم رامي وناجي بإنجاز بيان القيد ووضع صورة مختلفة عن صورة الشخص الحقيقي، حتى يذهبا إلى المختار ليطلبا منه إنجاز طلب جواز سفر يوقّع عليه شاهدَين موجودَين لدى المختار أو مارَّين على الطريق أو أن بياناتهما موجودة في أدراج المخاتير ويكون هناك من ينوب في التوقيع عنهما، كما درجت العادة عند معظم المخاتير.
ثم يقوم صاحب العلاقة الذي يحمل إخراج القيد وطلب جواز سفر باسم مختلف عن اسمه الحقيقي، بالتوجّه إلى مركز الأمن العام لإصدار جواز سفر من دون أن ينتبه المعنيون أن صورة الماثل أمامهم لا تمتّ بصلة إلى صورة صاحب بيان إخراج القيد الحقيقي، لكون الأمن العام لا يملك صورة ولا بصمة لصاحب الاسم لأنّه لم ينجز جواز سفر سابقاً ولا يملك هوية (لأن الصورة الموجودة على الهوية الأصليّة ستؤكّد تزوير إخراج القيد).
هذه العمليّة البسيطة فعلها المزوّران 43 مرّة، فيما سهّل المختار محمّد ع. الأمر بإنجازه غالبيتها (37 جواز سفر) بما فيها تزوير إمضاءات الشهود. وهذا يعني أن التعاون بين 3 أشخاص فقط يمكن أن يكون قد سهّل فرار بعض أهمّ المطلوبين من البلاد.
وتطرح هذه العمليّة الكثير من الأسئلة، خصوصاً أن عمليّة التزوير هذه لن يحول دونها تحسين مواصفات جواز السفر الحالي ليصبح جوازاً بيومترياً وإدخال جهاز بصمة العين، كون الأشخاص الذين زوّرت جوازات سفرهم لا يملكون بصمة للعين تماماً كما أنهم لا يملكون بصمات إصبع. وبالتالي:
ـ لماذا لا تخضع وزارة الداخلية والبلديّات المخاتير المنتخبين إلى دورات تدريبيّة تمكّنهم من إنجاز مهامهم على أكمل وجه ولكشف أي عملية تزوير عبر التمحيص الدقيق بالبيانات وعدم تخليص المعاملات من دون التعرّف على صاحبها، لا سيّما أنّ المختار هو معاون أساسي للضابطة العدليّة في إنجاز مهامها؟
ـ لماذا لم يتمّ حتى اليوم تحسين مواصفات بطاقات الهويّة لتكون عالية الدقة ويستحصل عليها اللبنانيون كافة، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم قبول أي معاملة في ظلّ عدم استحصال صاحب العلاقة على بطاقة الهويّة؟
ـ لماذا لا تصدر «الداخلية» نموذجاً موحّداً ومرقّماً لطلبات إخراجات القيد (مشابهاً لطلبات جوازات السفر) يوقّع عليها شهود محدّدون يتعرّفون على صاحب العلاقة (تشترط الوزارة أن يكون الشهود على معرفة بصاحب العلاقة)، مع الإشارة إلى ملاحقة الشهود قضائياً في حالة التزوير وحتى لا يكون الشاهد هو أحد المارّين أو الموجودين بالصدفة خلال إنجاز المعاملات أو أحد الموجودة صورة عن هويتهم لدى المختار فيستخدمها كلما احتاج إلى شاهد؟