قصة المزارع اللبناني مع المعاناة ليست بجديدة. فلطالما سمعنا أن المزارع يشكو قلّة الدعم وسوء تصريف الانتاج وعدم اهتمام الدولة ودعمها لهذا القطاع. إلاّ أن معاناته هذه اذا ما أضيفت الى المشكلات التي يعانيها المواطن، فهي تلامس لقمة عيش أولاده وباب رزقهم وتكاد تتحول الى أزمة اجتماعية بامتياز.
كما أن موسم التفاح يشكّل المورد الأساسي لعدد من عائلات المنطقة، إلا أن زراعته باتت في تراجع في إهدن. وكما في كل عام، ترتفع سلسلة حواجز أمام موسم التفاح أبرزها غياب التصريف المدروس والتوجيه الزراعي الجيد، وتحكّم التجار الكبار بالأسعار، ما يجعل المزارع في أزمة، لأن ليس بمقدوره التصريف من دون الرجوع إلى التاجر. كما انه لا يملك الإمكانات المادية لإبقاء إنتاجه في البرادات حتى تصبح الأسعار مؤاتية، ما دفع العديد من المزارعين في المنطقة إلى الاتجاه إلى إهمال أرضهم.
«هذا الموسم لا يختلف عن سواه»، كما يقول المزارع اسكندر اسكندر، من حيث المشكلات والصعوبات «لأن الموسم السنة ثلث موسم عمومي أي تراجع نسبياً عن السنة الماضية. فأنا انتج حوالى خمسة الاف صندوقة فيما كان الانتاج العام الماضي حوالى 6 آلاف صندوقة».
أما بالنسبة للانتاج العام، فبلغ نحو 12 مليون صندوقة العام الماضي، فيما الانتاج هذا الموسم نحو 4 ملايين صندوقة بسبب عوامل الطقس وتقلبات المناخ. وقد كان الانتاج على المرتفعات أفضل من المناطق الوسطى».
وعن الأسعار، أوضح اسكندر أن «لا تسعيرة حتى الساعة للتفاح لأن التجار «نايمين على السعر» بسبب عدم توافقهم على تسعيرة محددة وهم ينتظرون التوقيت الأنسب لوضع الأسعار».
ومن المتوقع تحرّك السوق خلال اسبوعين وما يحكى عن سعر 10 والـ12 الف ليرة لا يرد تكلفة وتكاليف الصندوقة».
وعن كيفية تصريف إنتاج الموسم، أوضح المزارع انطون بو ديب: «نحن بانتظار الفرصة الأنسب والسعر الأحسن لنبيع. فالتصريف يتم من خلال بيع محصولنا الى التجار وهم بدورهم يبيعونه في الأسواق الخارجية كمصر. ويضيف «إن المزارع اللبناني فقير وجبان في آن. ومقولة فلاح مكفي سلطان مخفي مقولة سقطت الى غير رجعة نتيجة القلق من سوء التصريف أو التسعيرة أو غياب الدعم الرسمي لهذا القطاع. كما أن احتكار التجار للسوق هو الذي يحدد مصير الانتاج. والعبء الاقتصادي أصبح مكلفاً ومتعباً علينا فالإنتاج بالكاد يقوم بكلفته الذي يصرف عليه من مياه ورش وأسمدة وتنقية». وختم «إذا بقيت الدولة مقصرة ستكون الكارثة الكبرى على المزارعين وعائلاتهم».
عكار
كذلك، فإن موسم التفاح في عكار ليس أفضل حالاً. فهو هذا العام، وبحسب المزارعين، من أسوأ المواسم، ذلك أن التقلبات المناخية والعواصف الباردة والحارة والغبار والبرد والأمطار الغزيرة حطمت كل الآمال المعقودة على موسم جيد، ينشل المزارع من كبوته التي تعرض لها على امتداد مواسم متلاحقة في الأعوام الأخيرة، رغم الجهد الكبير الذي يبذل زراعياً وارشادياً وعناية لجعله موسماً منافساً يستطيع من خلاله التفاح اللبناني الدخول الى أسواق كانت تنتظره أو تتواصل مع جهات لبنانية عبر غرف التجارة والصناعة لشرائه سواء في روسيا أو في مصر، حيث عقدت لقاءات مع جهات ووزارات تجارة في بلدان عدة من اجل تسويق الموسم اللبناني الذي يحظى بسمعة جيدة في الأسواق العربية والدولية.
لكن الكوارث الطبيعية المتتالية واقفال الحدود البرية بسبب الأحداث السورية وما تلاها من أزمة شاحنات، وارتفاع كلفة النقل البحري واستغلال شركات النقل لهذه الأزمة تحديداً لجني أرباح اضافية، اضافة الى كلفة التبريد والتوضيب سواء في براد بزبينا أو فنيدق جراء الانقطاع الدائم والمبالغ فيه في الطاقة الكهربائية، وكلفة الانتاج جعلت من الآمال والخطط التي وضعت لهذا الغرض خططاً صماء، ذلك أن الموسم أتى من دون الأحلام والطموحات والمراهنات التي وضعها المزارعون عليه، ليصبح أن المبالغ المهدورة على الانتاج والمترافقة مع انتاج مخيب للآمال جعل من الأسعار، أسعاراً متدنية، بحيث بات سعر الصندوق الذي يزن عشرين كيلوغراماً لا يزيد على العشرة آلاف ليرة لبنانية من أرضنا، وهذا يعني خسائر كبيرة، إذا أضيف اليها سعر النقل الذي في الغالب يحسب من حساب المزارع وليس تاجر الجملة أو السمسار.
في هذا السياق، يقول الحاج خالد شاهين وهو مزارع تفاح ونقابي من بلدة عكار العتيقة: «ان الموسم هذا العام مخيب للآمال وشكل صدمة للمزارعين، بسبب التقلبات المناخية التي زادت الطين بلة، وتفشي أمراض متعددة بسبب هذه الظروف المناخية مثل النقشة السوداء التي تملأ الثمرة، والمن، والحشرات القشرية ودودة ثمار التفاح وأمراض فطرية كالعفن التاجي وجفاف الاغصان واللفحة النارية والتدرن وغيرها، ما انعكس سلباً على شراء المحصول من قبل التجار الذين يرفضون شراءه إلا باسعار متواضعة».
وأوضح شاهين ان «أسباب تفشي الأمراض هي العواصف، وهناك شكوك لدى المزارعين بأن السموم الفاسدة التي يبيعها بعض تجار الأدوية الزراعية من دون حسيب او رقيب ربما تسهم بذلك، ذلك أن حقولنا باتت حقول تجارب، وقلة دراية المزارع تدفعه لانقاذ نفسه والى الاسترشاد بأي كان، وهنا الطامة الكبرى، اضافة الى المناخ الرطب اثناء تفتح براعم زهر التفاح».
واشار الى غياب الاهتمام الرسمي بالمزارعين، فلا إرشاد زراعياً فعلياً، ولا تقديمات عينية او مادية او اي مساعدات، نحن ندق ناقوس الخطر ونناشد المسؤولين والمعنيين ونواب عكار مساعدة المزراعين والتعويض عليهم، بسبب الخسائر الكبيرة والفادحة، ولكن لا حياة لمن تنادي.
واشار الى انه «في العام الماضي كان لوزير الزراعة مبادرة مهمة تجاه المزارعين، فقد منع بيع الادوية الزراعية الا في الصيدليات الزراعية المرخص لها والتي تستوفي الشروط ولكن الامور عادت عشوائية ولم تستمر، لأن الرقابة دائماً تأتي كالفورة ثم تلوذ وتتلاشى وتذوي».
من جهته، يؤكد المختار عمر عائشة مختار بلدة فنيدق، وهو مزارع تفاح «ان الموسم مهدد وبذلك تحل مأساة أخرى في الجرد، فبعد البرد الذي أصاب جزءاً من الموسم والأدوية الفاسدة التي أضرت بجزء آخر، أثناء العاصفة الرملية، اضافة الى ما يقوم به بعض التجار والسماسرة من عملية تحكم بالأسعار وتحديد الاسعار وانتقاء الجيد من الثمر، وترك ما تبقى على أكتاف المزارع ليتصرف به، مما يؤدي الى هبوط وعدم استقرار في الأسعار وتدهور تدريجي في الموسم منذ بدء القطاف حتى نهايته مما يثقل على المزارعين وسكان الجرد وفنيدق الذين تعتاش الغالبية منهم من هذا الموسم ويعتمدون عليه لتعليم أولادهم وتسديد ديونهم وتأمين وسائل التدفئة الشتوية، وتقطيع فصل الشتاء والبرد».
وأضاف «انخفض إنتاجنا من التفاح خلال هذا العام حيث لا يتجاوز 40 في المئة من إنتاج السنوات الماضية هذا ما كان بسبب العوامل المناخية أثناء فترة الإزهار ما جعل نسبة عقد الأزهار ضعيفة جداً، وكذلك هذا المناخ أدى لانتشار الأمراض الفطرية والأدوية المستخدمة غير مجدية وكنا قد استخدمناها لسنوات فأصبحت ذات مناعة ضد هذه الأدوية والمبيدات، يضاف اليه الارتفاع الكبير التي شهدته الأدوية مؤخراً حيث تضاعف سعرها أربعة أضعاف والتي لا قدرة لنا على شرائها، وعدم توافر سماد البوتاس وارتفاع سعره بشكل كبير على الرغم من انه عنصر غذائي مهم للتفاح وبالتالي كل تلك العوامل مجتمعة أدت إلى تراجع الانتاج من التفاح خلال هذا الموسم، فأصبحت العملية عرضاً وطلباً، وأصبح سعر كيلو التفاح يباع بسعر غير منطقي ومنخفض للتجار ليصل سعر الكيلو غير المصنف أي المخلوط نوع أول وثانٍ إلى 500 ليرة، والنوع المصنف أول من نوع كولدن أبيض بـ800 و1000 ليرة، وستاركن أحمر نوع أول 1000 و1250 ليرة.
ويضيف «المزارعون يطالبون بضرورة تأمين مبيدات زراعية حشرية وفطرية حديثة غير مستعملة سابقاً لتكون فعالة على الأمراض والفطريات التي اعتادت وشكلت مناعة ضد الأدوية المستخدمة حالياً وتكون تحت إشراف جهة وصائية لتكون فيها المادة الفعالة غير منتهية الصلاحية، إضافة إلى مراعاة خصوصية كل منطقة. ففي منطقة الجومة مثلاً الجو مشبع بالرطوبة ويبقى المزارع حتى نهاية شهر أيار في معركة مع مكافحة الأمراض، من هنا لا بد أن نعطي المزارع، تحفيز أكثر..
في النتيجة الخاسر الوحيد في هذه العملية هو المستهلك الذي أصبح يشكو من أن النوعية المشتراة من التفاح تكاد لا تقوى على الصمود، وتهترئ بسرعة، كما تقول السيدة سهام جوخدار: التفاح بالنسبة لنا من الأساسيات في المنزل وخاصة في فصل الشتاء ولم نكن يوماً نشتكي من عدم قدرتنا على شراء كيلو التفاح، ولا من سوء نوعيته، اليوم تفضل أن تشتري كمية أقل، خوفاً من الاهتراء والتحلل، وهي ظاهرة ما كنا نعرفها في السنوات الماضية، والتفاح الأصفر ذو الحبة الصغيرة ويأتي معظمه مصاباً بالآفات الحشرية، هذا سؤال يطرح نفسه عن السبب، ويحتاج الى معالجة، لكن الكل يقول إن السبب هو الطقس والمناخ…