إذا كان شي جين بينج، قائد الصين الأعلى، يفهم أي شيء، فهي طبيعة السلطة. لهذا السبب فإن دعوته الأولى خلال الزيارة الرسمية لمدة أسبوع إلى الولايات المتحدة، لم تكن للقادة السياسيين في واشنطن، بل لأجل نخبة الأعمال في سياتل.
لقد ركز شي المزيد من السلطة في شخصيته القريبة والعظيمة، أكثر من أي زعيم صيني منذ دينج تشاو بينج، ويمكن القول أكثر من ماو تسي تونج نفسه. من المفارقة أنه يترأس بلدا يبدو أكثر ضعفا، في بعض النواحي، ما كان عليه منذ أعوام.
النموذج الاقتصادي في الصين يضعف بشكل مسموع وبحاجة إلى إصلاح عاجل. لقد تباطأ النمو إلى نصف مستواه عمليا قبل بضعة أعوام. هذا الأسبوع، كشفت الأرقام أن قطاع التصنيع، الذي كان الداعم الأساسي للاقتصاد فيما مضى، يتباطأ بسرعة.
الولايات المتحدة هي العكس تماما. مقارنة بالرئيس شي، الذي لديه القليل من التدقيقات على سلطته، ويستطيع توقع سبعة أعوام أخرى في المنصب، فإن باراك أوباما يبدو أكثر كأنه قوة مستهلكة، على الرغم من خططه النشطة في الآونة الأخيرة.
أوباما مسؤول أمام كونجرس عدائي، وبالكاد بقي له أكثر من عام في المنصب. إن واشنطن تزدهر. شركاتها التكنولوجية على قمة العالم؛ وتملك موارد طاقة مكتشفة رخيصة وواسعة في الداخل؛ واقتصادها ينتعش مرة أخرى من الأزمة المالية لعام 2008 التي تضرر منها.
اختار الرئيس شي لقاء أولئك الذين يقودون انتعاش الولايات المتحدة. في سياتل، حيث سيمضى وقتا أطول مما في واشنطن، سوف يعمل عن كثب مع تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة أبل، وجيف بيزوس، رئيس شركة أمازون، ووارن بافيت، المستثمر الأسطورة المحبوب في الصين، وبيل جيتس، المؤسس المشارك لشركة مايكروسوفت. سلطتهم، على عكس سلطة أوباما، غير مقيدة بقيود.
على الرغم من أنهم يجب أن يلتزموا بقوانين الضرائب والعمل والبيئة، إلا أنهم يمارسون نفوذا هائلا حول كيفية تحديد تلك القواعد؛ ويتمتعون بنفوذ اقتصادي واجتماعي يتجاوز تماما نفوذ الحكومة.
يرافق الرئيس شي نماذج من القالب نفسه مثل جاك ما، مؤسس مجموعة علي بابا، التي تملك احتكارا فعليا على اقتصاد الإنترنت في الصين؛ وبوني ما، الذي تدير مجموعته تينسينت تطبيق وسائل الإعلام الاجتماعية، وواي تشات، المستخدم من قبل نحو نصف مليار صيني؛ وتشانج يا تشن الذي انشق عن شركة مايكروسوفت العام الماضي ليصبح رئيس شركة بايدو، وهي ما يعادل جوجل في الصين.
أولئك المسؤولون التنفيذيون هم جزء من النخبة الجديدة التي تسيطر على الأجزاء الأكثر الحيوية للاقتصاد الذي تتركز مشاكله في القطاع الحكومي غير الفعال.
مقارنة بنظرائهم في الولايات المتحدة، هم مسؤولون بشكل مباشر أكثر أمام حزب واحد في السلطة، الذي يحدد القواعد، ويراقب المحتوى ويستطيع، إذا لزم الأمر، إغلاق تلك الشركات.
على رأس سلطة اتخاذ القرار هذه يجلس الرئيس شي، الذي لا يعتبر فقط الأمين العام للحزب الشيوعي، بل أيضا رئيس الدولة وقائد الجيش. قبل ثلاثة أعوام، عندما زار الولايات المتحدة آخر مرة، من أجل حفلة راقصة بلباس غير رسمي مع أوباما في مزرعة في كاليفورنيا، حتى المراقبين الصينيين الأساسيين لم يعرفوا ماذا يتوقعون.
كان كثير منهم يعتقد أنه سيكون شخصية ذات مستوى منخفض من قيادة جماعية بطريقة سلفه، هو جين تاو. بينما اعتقد آخرون أنه، في حال مارس السلطة، قد يكون ذلك من أجل انفتاح العملية السياسية.
لقد تبين أن كلا التنبؤين كان خاطئا. الرئيس شي فاجأ الجميع بممارسته لسلطة صريحة، من خلال إطلاق العنان لهجوم متواصل على الفساد في الحزب الشيوعي، وتحويل الخناق على جيش التحرير الشعبي الذي يعتبره ضعيفا جدا، ومعرضا للضعف على نحو لا يكفي للدفاع عن مصالح الصين.
في عهده، كانت هناك حملة لفرض النظام على المعارضين والمحامين والأكاديميين.
في الخارج، أيضا، قاد سياسة أكثر حزما، من خلال بناء المدارج على الجزر الاصطناعية في بحر الصين الجنوبي، وإنشاء المؤسسات الدولية التي قد تصبح في يوم ما منافسة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
عندما بدأ الرئيس شي بإظهار ميوله الاستبدادية، كان أحد التفسيرات هو أنه كان يضيق الخناق سياسيا لتمهيد الطريق للتحرر الاقتصادي، لكنه لم ينجح.
على الرغم من أنه أخبر مضيفيه في الولايات المتحدة أنه سيمضي قدما في الإصلاحات الاقتصادية، إلا أن غرائزه للسيطرة – من الناحية العملية – قد تفوقت على تلك التي ستسمح للسوق بأن تقرر.
لم يمارس ضغطا يذكر على الشركات المملوكة للدولة لتصبح أكثر نشاطا. مقابل كل تحرير في أسعار الفائدة كان هناك فرمان من الدولة، أو تدخل الدولة أو جرعة مذعورة من الإنفاق من الدولة، عند ظهور أول بادرة على التباطؤ.
هذا يظهر باعتباره التناقض المركزي لرئاسة شي. خبرة الرجل على مستوى المقاطعات في الصين، جعلته يدرك سلطة القطاع الخاص ويشعر بالنفور الشديد من التخلي عنها.
غير أن القائد الذي تخبره غرائزه أنه يمكن العثور على الابتكار والحيوية في سياتل وليس واشنطن، شخص يجذب سلطة أكبر بكثير لمكتبه في بكين.
لقد أظهر الرئيس شي أنه يعرف كيفية ممارسة السلطة السياسية، لكن ما لم يفعله حتى الآن هو إطلاق العنان لأي شيء مثل الإمكانات الكاملة الكامنة في القطاع الخاص في بلاده. قدرته للقيام بذلك يمكن أن تحدد كيف سيكون أداء الاقتصاد في الصين، لأعوام مديدة مقبلة.