ومن الواضح ان صدمة خفض التصنيف تزعج بشكل خاص القطاع المصرفي، ربما لأن القيمين عليه يدركون قبل غيرهم، او اكثر من غيرهم، ما هي تداعيات هذا الخفض. كذلك فان المصارف ستكون اول من يشعر بانعكاسات الخطوة، على اعتبار ان خفض التصنيف الائتماني سوف يتبعه حتما خفض تصنيف المصارف نفسها، لأنها تحمل القسم الاكبر من ديون الدولة.
وبالتالي، يعرف المصرفيون حجم المعاناة التي ستنتج عن الوضع الجديد.
وفي هذا السياق، حاولت المصارف ان تفرمل اندفاعتها نحو تكبير محفظتها من سندات الدين الحكومية، لكن الامر لم ينجح، لأن عرقلة الدولة في عملية الاقتراض، لا تساهم في تحصين المصارف في الوقت الراهن.
وكما في كل مرة سوف تنتهي عملية التجاذب الى اكتتاب المصارف بسندات اليوروبوند التي ستصدرها وزارة المالية لتسديد استحقاقات العام 2015، وربما يتم تسديد قسم من استحقاقات 2016. وفي اسوأ الاحوال، سوف تنجح المصارف في تحسين اسعار فوائد الاكتتاب كتعويض عمّا سيلحق بها من أذى نتيجة مخاطر حمل هذه السندات بعد خفض التصنيف الائتماني لديون الدولة اللبنانية.
عندما يتراجع تصنيف لبنان (حالياB- )، فهذا يعني حتما ان كلفة الاقتراض سوف ترتفع، وكذلك خدمة الدين العام. وكذلك سترتفع كلفة الاقتراض في الداخل، حيث سيصبح تمويل القطاعات الاقتصادية اكثر تعقيدا، خصوصا ان الوضع العام يميل الى الركود، وبالتالي فان القطاعات تبحث عن سبل خفض الكلفة، في حين انها ستضطر الى رفع الكلفة بسبب اسعار الفوائد. هذا الامر سوف يؤذي كل القطاعات، ويؤثر سلبا على الوضعين المالي والاقتصادي.
يبقى السؤال هل من اجراءات يمكن اتخاذها من شأنها ان تساعد على مواجهة تداعيات المرحلة المقبلة، وتحصين الوضع؟
قبل فترة كانت الآمال معلقة على ملف الثروة النفطية والغازية التي تم اكتشافها في البحر، وقد بُنيت الحسابات على أساس ان هذه الثروة يمكن استخدامها لتسديد الدين العام. اليوم، صار متتبعو هذا الملف يعرفون، ضمناً على الأقل، ان لا أمل قريب في استخراج النفط، وان الاعتماد على هذا الامل صار مجرد سراب.
لا اسعار النفط تسمح اقتصادياً، ولا مؤشرات الآبار التي تم حفرها في قبرص وتبيّن انها جافة تشجّع، ولا الاوضاع السياسية والخلافات تتيح الاتفاق على التلزيم، ولا الشركات العالمية التي بدأ بعضها يقترب من الافلاس جاهزة، ولسنوات طويلة الى الامام، لتقديم عروضها لاستخراج النفط من المياه اللبنانية.
اذا اعتبرنا ان ورقة النفط قد سقطت، لا يبقى امام الحكومة، عندما تصبح موجودة، سوى اعلان حال طوارئ اقتصادية هدفها المباشر وقف نمو الدين العام بالسرعة التي بلغها اخيرا، من خلال اتخاذ الخطوات التالية:
اولا – وضع روزنامة زمنية لانتهاء مشروع تأهيل الكهرباء وتأمين الطاقة 24 ساعة والاستغناء عن المولدات، عبر التشركة او الخصخصة اولامركزية الانتاج، ورفع تعرفة التيار، بحيث يتم وضع حد لهدر ملياري دولار سنويا على الكهرباء.
ثانيا – تغيير النظام الضرائبي، لاتاحة المجال لتكبير حجم الايرادات للخزينة، لأن النظام الضرائبي الحالي، وبالوضع السياسي القائم لا يسمح برقابة فعلية، ويتم حرمان الخزينة من كميات كبيرة من الضرائب المستحقة لها.
ثالثا – تنفيذ خطة اعادة تأهيل للقطاع العام لتحويله الى قطاع منتج يكلف اقل، وينتج اكثر.
رابعا – إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتوسيع مروحة القطاعات الحكومية المعروضة للشراكة او الخصخصة الكاملة اذا تعذرت الشراكة. هذا الامر يؤدّي الى خفض الكلفة على الخزينة والى تحسين نوعية الخدمات، والى توفير مداخيل اضافية للدولة.
خامسا – إصدار موازنة تتضمن خطة تقشفية، وخطة انمائية للسنوات الخمس المقبلة.
هذه الخطوات، وفي حال تزامنت مع عودة الرُشد السياسي، يمكن ان تساهم في امتصاص الاضرار التي ستنتج عن خفض التصنيف، ويمكن ان تساعد لاحقا في تحسين التصنيف مجددا، وبدء مرحلة استعادة الاوراق التي فقدها الاقتصاد الوطني تباعا. ومن دون اجراءات قاسية من هذا النوع، قد ينتهي الأمر بأن يدفع الناس من رصيدهم المصرفي، فاتورة الدين العام الذي وصل الى نقطة اللاعودة.