IMLebanon

تأثير هبوط النفط: لبنان يحصد نتائج إيجابية على مستوى زيادة النمو وتقليص عجز الموازنة

OilProduction

أعدّت جمعية مصارف لبنان تقريراً عن تأثيرات تراجع أسعار النفط على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سواء على مستوى الدولة المصدرة أو المستوردة، وهو يتناول، وبالاستناد إلى تقارير صندوق النقد الدولي، الآثار السلبية في الوقت الذي جاء هذا التراجع محفّزاً للبلدان المستوردة، حيث تم تحقيق مكاسب استثنائية وبالتالي وقاية كافية وعجز موازنة أقل، قبل أن يستعرض تأثيره على لبنان باعتباره بلداً مستورداً.

في هذا السياق، يشير التقرير إلى أن البلدان المصدرة زادت مواطن ضعفها في الموازنات العامة والحسابات الخارجية إثر التراجع الحاد لأسعار النفط باعتبار أن حصة إيراداتها النفطية من إيرادات ماليتها تُعتبر مهمة أيضاً.

وفي ظل فرضيات أسعار النفط الحالية، توقع صندوق النقد تراجع الإيرادات من صادرات النفط المتوقعة في العام 2015 بمبلغ يناهز 287 مليار دولار (21 في المئة من إجمالي الناتج المحلي) في دول مجلس التعاون الخليجي و90 ملياراً (11 في المئة من الناتج المحلي) في البلدان غير الأعضاء في المجلس، كما سيؤدي تراجع أسعار النفط إلى تحول فائص الحساب الجاري في هذه البلدان المصدرة للنفط في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا إلى عجز قدره نحو 22 مليار دولار في العام 2015.

لكن ثمة العديد من الهوامش الوقائية على شكل أصول أجنبية تخفف عن كاهل البلدان المصدرة للنفط، فعلى صعيد المالية العامة، من شأنه هذه الهوامش أن تجنّب إجراء تخفيضات حادة في الإنفاق وهي القدرة التي اعتُبرت بمثابة محرك الاقتصاد غير النفطي في السنوات الأخيرة وتخفف من العبء على النمو الذي استقر معدله في العام 2014 على 3,6 في المئة في دول مجلس التعاون الخليجي شأنه في العام الذي سبق. فمن المتوقع أن تستخدم هذه البلدان الاحتياطيات المالية المتراكمة وموارد التمويل المتاحة لتخفيف وطأة انخفاض الإيرادات على النمو بينما تعمل على إبطاء إنفاقها في المالية العامة بالتدريج.

أما البلدان ذات الاحتياطيات الوقائية المنخفضة أو غير المتاحة للاستفادة منها، فتواجه احتياجات أكثر إلحاحاً للتصحيح كتحصيل المزيد من الإيرادات غير النفطية ومواصلة إصلاح دعم الوقود أو تصحيح أوضاع المالية العامة عن طريق الإنفاق الرأسمالي والتحويلات الجارية المتدنية والإيرادات الضريبية المرتفعة، بالإضافة إلى تحديد الأولويات وتطبق إصلاحات تُعنى بتنويع الاقتصادات بعيداً عن النفط من خلال تحسين بيئة العمل والتحفيز على ريادة المشروعات الخاصة في القطاع التجاري وزيادة العمالة في القطاع الخاص.

في هذا السياق، تأمل هذه البلدان أن تتخطى أسعار النفط مستواها المتوقّع للعام 2015 والبالغ 58 دولاراً نظرا ًلتراجع الاستثمارات في هذا القطاع وانخفاض نمو الإنتاج وزيادة الطلب على النفط في ظل اكتساب التعافي العالمي قوة أكبر بغية تغطية النفقات الحكومية التي شهدت ارتفاعاً في السنوات الأخيرة تزامناً مع ازدياد الضغوط الاجتماعية والبرامج الهادفة لتطوير البنى التحتية. وفي ظل السياسات الراهنة، وحدوث تعاف جزئي في أسعار النفط فرضياً، وذلك تماشياً مع أسواق العقود الآجلة، قد تسجّل أرصدة المالية العامة في معظم البلدان تحسناً تدريجياً على المدى المتوسط على الرغم من استمرارها في تسجيل عجز.

كما يجدر بالبلدان التي تعتمد سعر صرف أكثر مرونة توخّي الحذر وتشديد السياسة النقدية بسبب انعكاس تراجع الإيرادات النفطية على سعر الصرف انخفاضاً وعلى التضخم ارتفاعاً، في حين توقّع الصندوق تراجع التضخم قليلاً في دول مجلس التعاون الخليجي بفضل تزايد قوة عملاتها المرتبطة بالدولار الذي ارتفعت قيمته.

وقد تواجه دول مجلس التعاون الخليجي تحديات في الحفاظ على حصتها في السوق مع ارتفاع العرض في سوق النفط العالمي. وكانت قد ازدادت مخاطر تقلّبات أسعار النفط نتيجة تعقيد التفاعل بين إنتاج النفط التقليدي والصخري. وتشير التوقعات حول موازنات البلدان الستّة إلى تحوّل مجموع الفوائض البالغ 76 مليار دولار في العام 2014 إلى عجز قدره 113 ملياراً في العام 2015 نتيجة الارتفاع الملحوظ للإنفاق خلال السنوات الأخيرة، ما ساهم في تعرض هذه الموازنات لمخاطر أكبر لدى انخفاض أسعار النفط. لذا، يقتضي الحد من اعتماد هذه البلدان المفرط على إيرادات النفط، والاستغناء عن نماذج النمو السابقة التي تقوم على الانفاق الحكومي الممول بالنفط، وتوفير فرص عمل تهدف جميعها إلى تنويع قعدة النشاط الاقتصادي.

كما يتوجب القيام بخطوات إصلاحية من شأنها أن تعزز مناعة هذه الدول تجاه تقلّبات أسعار النفط وتقليص تداعياتها على الاقتصاد. ومن هذه الإصلاحات، نذكر ضبط الموازنة العامة وترشيد الإنفاق الحكومية بشقيه الجاري والاستثماري، وتنويع مصادر الدخل للتخفيف من وطأة الاعتماد على عائدات تصدير النفط على نحو رئيسي، وبالتالي انعكاس تقلّبات مثيلة على قيمة الصادرات وعلى أرصدة الحساب الجاري. فعلى سبيل المثال، يمكن اعتماد أنوع من ضرائب دخل الشركة أو القيمة المضافة المطبّقة بنسب متدنية أو غير المطبقة كلياً في العديد من البلدان، أو التركيز على جانب الإنفاق وتقليصه، إذ تبرز نفقات هائلة في كثير من البلدان على البنى التحتية وغيرها من المشاريع.

البلدان المستوردة

أما في ما يتعلق بالبلدان المستوردة، فيتميّز المشهد المتمثل بالنمو والمالية العامة والحساب الجاري بتفاوته، حيث من المتوقع أن تتحسن الأوضاع في بعض البلدان مقابل تفاقمها في البعض الآخر. فالمكاسب الخارجية الصافية لا تزال مرتفعة، لذا سيتمكن القطاعان العام والخاص من الحفاظ عليها، وبالتالي من تحسين أرصدة الحساب الجاري، الأمر الذي ساهم في تحقيقه ايضاً ضبط أوضاع المالية العامة وانخفاض فواتير الطاقة في الربع الأخير من العام 2014.

على المدى المتوسط، يجدر، بحسب التقرير، تجنّب الالتزامات بالإنفاق نظراً لعدم اليقين بخصوص استمرار صدمة أسعار النفط وتوافر التمويل الخارجي. أما في البلدان حيث لا تزال أوضاع المالية العامة تشكل مصدراً للقلق، فمن المحبّذ ادّخار هذه المكاسب الاستثنائية بهدف تعزيز الاحتياطيات الوقائية لمواجهة الصدمات المعاكسة المستقبلية، أو تخصيص جزء منها للاستثمارات المعززة للنمو، أي في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية، وبغية تقليص الدين العام. كما يُسهم هذا التراجع في الأسعار في تهيئة أوضاع من شأنها أن تدعم الإصلاحات الهيكلية وأن تكثّف الجهود لتعزيز النمو وتوفير فرص العمل.

ومن حيث تأثير انخفاض أسعار النفط على التضخم المحلي في البلدان المستوردة، من المتوقع ألا يكون ملحوظاً نظراً لصغر حجم حصة مصادر الوقود في سلال مؤشر أسعار المستهلكين، وفي بعض الحالات، نتيجة لإصلاحات الدعم الموازية لهذه الآثار. أما في حال إلغاء دعم الطاقة، وتمويل عجز المالية العامة بزيادة عرض النقد وانتهاج سياسات نقدية تيسيرية، حينئذ سوف تستمر الضغوط التضخمية.

باختصار، لتراجع أسعار النفط آثار إيجابية بالتأكيد على آفاق الاقتصادات، لكن الخلل في الميزانيات العمومية يحول دون بروز هذه النتائج على نحو سريع نظراً لاستخدام المدخرات في تسديد التزامات الموازنات العامة المثقلة بالأعباء. لذا، سوف يستغرق ذلك بعض الوقت، في حين أن عملية الإصلاح تجري بوتيرة أسرع من المتوقع.

لبنان

أما في ما يخص لبنان، وهو أسوة بمعظم البلدان المستوردة للنفط إن لم يكن جميعها والتي استفادت من هبوط أسعار النفط، فمن شأن هذا التراجع أن يولّد آثاراً إيجابية كبيرة عليه. فيُسهم انخفاض أسعار النفط في زيادة النمو وتقليص عجز الموازنة العامة نظراً لارتباطه بالوفورات المحققة على صعيد التحويلات المالية إلى مؤسسة الكهرباء وبتعزيز الإيرادات العامة في حال تمت إعادة النظر، بحسب صندوق النقد، في إلغاء الإعفاءات الممنوحة سابقاً من ضرائب ورسوم على صفيحة البنزين، وخفض العجز التجاري المرتبط بالوفورات المحققة على صعيد فاتورة استيراد النفط، لا سيما أن مستوردات النفط تشكل حوالى ربع العجز الإجمالي. نذكر هنا أن هذا الانعكاس سيظهر تدريجياً كون عقود الاستيراد هي بغالبيتها طويلة الأجل.

وفي هذا السياق، تشير نشرة جمعية المصارف إلى أن الفاتورة النفطية التي كانت تراوح بين 14 و15 في المئة من الناتج المحلي القائم وسطياً، أي بقيمة ناهزت 7 مليارات دولار في السنوات الماضية، انخفضت في العام 2014 إلى ما بين 8 و9 في المئة من الناتج، في حال افترضنا استقرار الأسعار الراهنة، من جهة، وبقاء نمو الناتج المحلي بحدود 2 في المئة بحسب التقديرات.

كما تضيف أن القطاع العام يبقى المستفيد الأكبر من تراجع الفاتورة النفطية كونه الممول للجزء الأهم من مستوردات كهرباء لبنان من هذه المشتقات، ما سيساعد في خفض نسبة العجز إلى الناتج المحلي إلى ما دون 8 في المئة بعد تخطي هذه النسبة في العام الذي سبق نتيجة زيادة النفقات الاستثمارية وارتفاع عدد اللاجئين السوريين وما نتج عنه من آثار جانبية.

أما تحويلات المغتربين اللبنانيين إلى بلدهم الأم، فيبقى وضعها قيد النقاش بحيث كان تراجع هذه التحويلات إثر انخفاض أسعار النفط من أبرز المخاوف التي انطوى عليها الموضوع باعتبار أن قسماً كبيراً من هذه التحويلات يأتي من دول الخليج التي ستعاني من تراجع إيراداتها النفطية في حال استمر الهبوط، وبالتالي الحد من النمو والاستثمارات في هذه الدول.

ولكن، لا أثر لهذه المخاوف بحيث قدّر البنك الدولي أن ترتفع تحويلات المغتربين بنسبة 13 في المئة في العام 2014 بعد أن رفع تقديراته إلى 8,9 مليارات دولار من 7,7 مليارات دولار التي قدّرها في تشرين الأول الماضي، ليسجل بذلك لبنان ثاني أعلى نسبة نمو للتحويلات بين الاقتصادات النامية الـ15 الأكثر تلقياً لتحويلات المغتربين في العام 2014 نتيجة التحويلات المرسلة إلى اللاجئين السوريين في لبنان نم ذويهم في الخارج، فضلاً عن تحسن النشاط الاقتصادي في بعض البلدان الرئيسية التي تستضيف المغتربين اللبنانيين كالولايات المتحدة. هنا، تشير النشرة إلى أن الخليج ليس المصدر الوحيد للتحويلات، كون الدول العربية تضم حوالى 43 في المئة من المغتربين اللبنانيين.

وفي ظل الانعكاسات التي ستنتج عن تراجع أسعار النفط العالمية، دعم الآراء والمقترحات الواردة في المادة الرابعة الصادرة عن صندوق النقد الدولي بحيث يتعيّن على السلطات أن تفكر لما بعد وأن تقدم سياسة ذات مصداقية مع استخدام المكاسب من هذا الانخفاض في تعزيز الاحتياطيات الرسمية الوقائية وخفض الدين العام. ومن أبرز التدابير المرجو تطبيقها، نذكر زيادة الضرائب على الوقود، مقابل الابتعاد عن التحويلات لمؤسسة الكهرباء والتوجه نحو المشاريع الرأسمالية والبرامج الاجتماعية.

ومن شأن التصحيح المالي أن يقلّص العبء على مصرف لبنان، وبالتالي أن يعزّز مرونة أسعار الفائدة. وبما أن لأسعار النفط العالمية أثراً مهماً على الأسعار المحلية في لبنان، فإن هذا التراجع سيؤثر طبعاً على الدخل الفردي بشكل إيجابي. عندئذ، يمكن إلغاء الإعفاءات من الضريبة على القيمة المضافة على الوقود، التي أُقرّت في العام 2012 والتي كانت وراء التراجع الملحوظ للرسوم المحصلة على البنزين. فتعزز إذاً زيادة الرسوم استخدام منتجات الوقود بطرق اكثر كفاءة، ما يخفف بالتالي من أكلاف التلوث والازدحام.

وعلى الصعيد الإقليمي، شهد لبنان الأثر الأكبر لتراجع أسعار النفط عالمياً (انتقال الآثار إلى أسعار الوقود قوي وسريع نسبياً) بحيث تراجعت أسعار النفط بالتجزئة بنسبة 30 في المئة في العام 2014. لكن الضرائب المفروضة على هذه المنتجات لا تزال متدنية كما أسلفنا، لذلك، من شأن رفع هذه الضرائب أن يُسهم في تحسين أوضاع المالية وتقليص الأكلاف البيئية.

وتبقى مسألة تطور هذا القطاع في لبنان رهن البدء بعمليات التنقيب عن النفط والغاز التي ستعود بالفائدة عليه. كما تحد عملية التنقيب من الضغوط على المالية العامة، وتدعم بالتالي النمو الاقتصادي وتخفف من الدين العام بحيث ستحقق استقلالية لبنان في هذا المجال تراجعاً في الإنفاق وزيادة في الإيرادات.