على مدى أكثر من 10 سنوات، يسمع المواطن تحذيرات من “قنبلة موقوتة”، وهي قارورة الغاز المنزلية التي يفترض أن الحاجة باتت ملحة لاستبدالها بأخرى جديدة تحمل مواصفات آمنة. خطر القنبلة تلك يؤجل دائماً مع تأجيل قرار بدء الاستبدال. فقرار الإستبدال المتداول اليوم، بدأ العمل عليه منذ العام 2014، وكان سبقه في العام 2003 قرار في الشأن نفسه. ولغاية اللحظة لم تتضح معالمه بعد ولم يدخل حيّز التنفيذ.
وزير الطاقة والمياه أرتور نظريان، أصدر قراره بإستبدال القوارير، استناداً الى “توصية اللجنة النيابية التي وضعت حلاً متكاملاً لموضوع قوارير الغاز المنزلي، وبعد موافقة مجلس شورى الدولة واستناداً إلى الصلاحيات المناطة بوزارة الطاقة والمياه بموجب النصوص القانونية المرعية الإجراء”. الإصدار هذا لم يكن طلقة البداية. فالبداية هذه تشوبها العديد من العراقيل وتضارب المصالح وتداخل اختصاصات الوزارات. فوزارة الصناعة، يُفترض أن تكون طرفاً أساسياً في الموضوع، وانسحاب وزير الصناعة حسين الحاج حسن من مشروع استبدال القوارير واعلانه انه لن يوقع على المشروع، يفتح الباب على المجهول، خاصة وان وزارة الطاقة تعترف بالدخول بجدال الصلاحيات بينها وبين وزارة الصناعة، وما اعلان نظريان اليوم الإثنين، سوى تأكيد على ان هناك خلافاً، وتصميماً على المضي بالمشروع بشكل فردي. وإنسحاب الحاج حسن على خلفية رفضه “تحميل المواطن كلفة الاستبدال”، و”إشكالية عدد القوارير الموجودة في الأسواق والمطلوب استبدالها”، لم يستدعِ توقف “الطاقة” جدياً عند هذه الأسباب، فبغض النظر عن موافقة المعنيين على كلام الحاج حسن أو لا، من الضروري بمكان، الرد على ما يُطرَح، خاصة لجهة العدد، كونه يحمل النواة الأولى لعملية إستغلال تصل عائداتها الى مليارات الدولارات، ستستفيد منها جهات غير محددة.
إستكمالاً لحرب الصلاحيات، “أوضحت” وزارة الطاقة ان “المواطن لن يدفع ثمن القارورة الجديدة الفارغة دفعة واحدة عند إستلامها، إنما يدفع فقط ثمن القارورة المعبأة والذي يشمل بدل الاستبدال المحدد بـ 1000 ليرة لبنانية لكل قارورة سعة 10 كيلوغرامات وفقا للتسعيرة الأسبوعية التي تصدر عن الوزارة لمادة الغاز السائل، وتتلف جميع القوارير القديمة المستبدلة، ويخصص جزءا من حصيلة بيعها كخردة لتغطية كلفة ومراقبة عمليتي الإستبدال والتلف، ويخصص الفائض منها لشراء قوارير جديدة وذلك لتسريع عملية الإستبدال”. الا ان هذا التوضيح لم يزل الغموض كلياً عن عملية الاستبدال. فالتوضيح حسم الجهة التي ستتحمل كلفة الاستبدال، وهي المواطن، عبر دفع 1000 ليرة، وذلك خلافاً لما كان يُتداول به سابقاً حول تحميل الشركات جزءاً من الكلفة، وأيضاً، لم يوضح التوضيح آلية ضمان مناقصة نزيهة لتلزيم عملية التلف، خاصة وان أزمة مناقصات النفايات لم تغب بعد عن بال اللبنانيين. ناهيك عن غياب الضمانات حول “تخصيص” فائض عملية البيع والتلف، لشراء قوارير جديدة.
وسط التجاذبات بين الوزارات، تبقى آلية الاستبدال وكلفتها الحقيقية وحجم عائداتها مخفية، ما يسهّل السيطرة على المبالغ المتراكمة من دون رقابة، فكيف تتم مراقبة عملية مجهولة في الأساس؟ فعدد القوارير المفترض استبدالها، “كان” حوالي 7 ملايين قارورة، وكان الاتجاه واضحاً نحو اعتماد هذا العدد، الا ان “انقلاب” الحاج حسن واعلانه ان الرقم مضخّم، وتقديره العدد بـ 4 ملايين، دفع بوزارة الطاقة الى تبني “تقدير” لجنة الاشغال العامة، والذي يتطابق مع تقدير الحاج حسن. علماً ان كلا التقديرين غير مؤكد ولا يستند الى آلية علمية واضحة.
من جهة أخرى، تشير مصادر “المدن” الى ان هناك “قطبة مخفية”، تمتد بين وزارتي الطاقة والصناعة. لأن “رفض الحاج حسن للمشروع نابع من اتجاه لإرساء مناقصة شراء القوارير الجديدة على جهة مقرّبة من أحد الوزراء”. وهنا، تجدر الاشارة الى ان كمية القوارير التي تُصنّع محلياً، لا تكفي لإستبدال القوارير القديمة. وتضيف المصادر ان “السير بالمشروع مستمر، حتى وان طال أمده”. وفي السياق نفسه، تؤكّد مصادر “المدن” في إحدى شركات توزيع الغاز، ان “هناك صفقة من وراء المشروع، وهي صفقة كبيرة جداً، ونحن لا يمكننا الاعتراض علناً، بل في الغرف المغلقة وفي الاجتماعات مع المسؤولين، لكن في النهاية علينا الالتزام بالقانون”. ووفق ما تقوله المصادر، هناك إشكاليتان، الأولى تأكيد وجود الصفقة، ويدعم غياب الآليات هذا التأكيد، والثانية هي سكوت الشركات عن استفادة يقدمها المشروع. لأن قرار نظريان أعفى الشركات من تحمل كلفة الاستبدال، ومن وجوب اجراء صيانة للقوارير على نفقتها.
المواطن سيتحمل كلفة الاستبدال، وسيقدّم قارورته القديمة مجاناً ليتم تلفها وبيعها كخردة، اي انه سيقدم قارورته كرأسمال يستفيد منه طرف آخر، فيبيع الخردة ويقبض ثمنها، ويضاف ذلك الى ثمن القارورة الجديدة ويُسجّل على انه خسارة للمواطن لن يعوّضه عنها أحد، لأن العملية برمّتها ستغرق في وحل النسيان وتقاذف المسؤوليات، تماماً كما حصل في قرار العام 2003. والنسيان مؤكد في هذه المسألة، لأنها لا تُقلق الناس بقدر ما تقلقهم أزمة النفايات، التي لم تؤدِ بعد الى قيام اللبنانيين جميعاً ضد سلطة الصفقات.