Site icon IMLebanon

القصة السياسية الموجزة لـ”الطبخة التي لم تنضج بعد”

 

 

كان العماد ميشال عون اتخذ قراره بالتغيب عن جلسة الحوار الثالثة وانتداب الوزير جبران باسيل كما فعل في الجلسة الثانية، ولكنه عدل عن رأيه بناء على طلب من حزب الله الذي نصحه بضرورة الحضور شخصيا الى طاولة الحوار لسببين: الأول هو إعطاء الرئيس بري كل الفرصة اللازمة لمواصلة جهود بدأها بشأن تسوية سياسية موضعية تشمل الترقيات العسكرية وتفعيل العمل الحكومي.

فالرئيس بري أبدى انزعاجا من الانسحاب المبكر للعماد عون من طاولة الحوار واعتبر نفسه معنيا ومستهدفا بهذه الخطوة، ملوحا بوقف الحوار إذا استمر غياب عون إذ لا يعود له من معنى وجدوى في حال فقد ركيزته المسيحية الثانية بعد غياب الدكتور سمير جعجع. والسبب الثاني لنصيحة حزب الله هو عدم إعطاء المستقبل، في حال عدم مشاركة عون، ذريعة التنصل من التسوية التي يعد لها بري وإلقاء تبعة الفشل والمسؤولية على عون وسياسته السلبية.

فاجأ عون الجميع بحضوره وفاجأهم أيضا بمرونة سياسية مستجدة شملت التراجع عن مواقف أخيرة له اعتبرت مرفوضة واستفزازية مثل انتخاب الرئيس من الشعب وتقديم الانتخابات النيابية على الرئاسية وعدم الاعتراف بشرعية المجلس الحالي. هذه المرونة لاقت ارتياحا لدى الرئيس بري وشجعته على المضي قدما في التسوية التي بدأ نسجها مع النائب وليد جنبلاط، فدعا الى اجتماع للأقطاب الستة (بري ـ سلام ـ السنيورة ـ عون ـ رعد ـ جنبلاط) على هامش طاولة الحوار.

والمفاجأة هنا كانت أن الرئيس السنيورة «لم يمش» بالتسوية المقترحة عندما ربط الموافقة على ترقية العميد روكز الى رتبة لواء مع ضمانات وتعهدات مسبقة بشأن آلية عمل الحكومة وعدم تعطيل الجلسات وعدم الانتقاص من صلاحيات رئيس الحكومة. وهذا الربط أو الشرط أثار حفيظة عون الذي وجد أن الطبخة لم تنضج بعد وبعدما كان ينتظر تسهيلات من المستقبل وجد نفسه مطالبا بتقديم تنازل لـ «المستقبل».

وعند هذا الحد انتهت خلوة الأقطاب ولكنها تفاعلت في اتجاهات أخرى: الرئيس بري ساءه هذا التراجع من جانب السنيورة وبما يعاكس الأجواء الإيجابية التي أبلغها الوزير نهاد المشنوق ونادر الحريري على طاولة حوار عين التينة مع حزب الله، فأوفد معاونه الوزير علي حسن خليل الى نادر الحريري ليسأل إذا كان ثمة من تغيير في الموقف وليتلقى جوابا بأن موقف السنيورة لا يعني رفض الترقيات العسكرية وإنما يعكس تخوفا من عودة عون الى المربع الأول، أي الى تصعيد حملاته السياسية فور انتزاعه الموافقة على الترقية.

وتبلغ بري انزعاج الرئيس سعد الحريري من موقف السنيورة الذي اجتهد من عنده، وتمسك تيار المستقبل بالتفاهم الذي يتيح الخروج من المأزق السياسي والحكومي. وهذا ما يفسر إصدار السنيورة بيانا يوضح فيه موقفه بأنه لم يكن ضد ترقية روكز وإتمام التسوية. ولكن هذا البيان التوضيحي من جانب السنيورة لم يبدد شكوك الرابية التي تعتبر مصادرها أن «المستقبل» إما أنه يمارس سياسة مراوغة وتوزيع أدوار، أو أن هناك مشكلة داخله ومراكز قوى وقرار والحريري لم تعد له قدرة السيطرة على الوضع والتحكم به.

على خط آخر، حدثت مضاعفات مسيحية. فإذا كان النائب سليمان فرنجية قادرا على كتم غيظه من استبعاده عن خلوة الأقطاب وربما اعتبر نفسه غير معني بالتسوية المقترحة وأن عدم وجوده يريحه ويوفر عليه إحراجا. فإن رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل لم يتقبل ما حصل ولم يمر عنده مرور الكرام.

لقد ساءه أن يعلم بعد خروجه من ساحة النجمة أن هناك اجتماعا لأقطاب الحوار وأنه لا يكون على الأقل في أجواء هذا الاجتماع الذي استفزه لمجرد أنه أقصى حزب الكتائب وصوره تابعا لتيار المستقبل وملحقا به وباعتبار أن موقفه لا يقدم ولا يؤخر.

وهنا سارع جنبلاط الى تلقف المشكلة وأوفد الوزير وائل أبو فاعور الى بيت الكتائب المركزي لتطييب خاطر الجميل واحتواء ردة فعله التي ذهبت الى حد رفض التسوية المقترحة حرصا على مؤسسة الجيش اللبناني وهيكليتها وعدم إخضاعها لصفقات ومحسوبيات سياسية وجانبية.

وفي الواقع جاءت هذه «الخلوة التسوية» ليطفح بها كيل الجميل الذي راودته في الآونة الأخيرة فكرة استقالة وزراء الكتائب من الحكومة بسبب عجزها وفشلها في إدارة أزمة النفايات، ولأنه بات يشعر بأنه أقرب الى الحراك في الشارع، وأن تغطيته للحكومة تأتي على حساب رصيده الشعبي ومصداقيته السياسية.

بموازاة دخول جنبلاط على خط التهدئة، دخل الرئيس ميشال سليمان على خط التشدد وأجرى اتصالات مع الرئيس أمين الجميل لينسق الموقف في إطار «اللقاء التشاوري» الذي يستعد للاجتماع اليوم أو غدا لتقرير الخطوات التالية والموقف المناسب في ملف الترقيات العسكرية وعلى قاعدة عدم المس بهيكلية الجيش والوقوف على رأي قيادته في كل ما يتعلق بشؤونه وأوضاعه قبل بت أي طرح، واعتبار أي تفاهم خارج إطار مجموع مكونات الحكومة لا يعني وزراء «اللقاء التشاوري» الثمانية ومن يمثلون.

تيار المستقبل مرتاح لتحرك سليمان ـ الجميل ويتكئ عليه لأنه يرفع عنه مسؤولية تعطيل التسوية المقترحة، والتي لم يكن على السنيورة أن يبادر الى رفضها أو تجميدها وتعليقها على شروط وإنما كان عليه أن يترك هذا الأمر على همة الحلفاء المسيحيين في الحكومة.

ولكن الرئيس بري يعتبر أن الرئيس سعد الحريري لا يمكنه أن يتلطى وراء موقف «اللقاء التشاوري» وإنما تقع عليه مسؤولية معالجة موقف سليمان والجميل اللذين لا يستطيعان بدورهما التلطي وراء موقف قائد الجيش العماد جان قهوجي والتحجج به لأن التسوية المقترحة هي تسوية سياسية وقيادة الجيش تلتزم بقرار السلطة السياسية، أي الحكومة، نهاية الأمر.

مصادر واسعة الاطلاع تشير الى أن بري وجنبلاط مصممان على إنجاز التسوية (الترقيات العسكرية وتفعيل الحكومة) وتذليل العقبات أمامها لإقرارها بعد عودة الرئيس تمام سلام من نيويورك وقبل ثلاثية الحوار والجلسات المكثفة التي ستعقد على امتداد ثلاثة أيام.

بري وجنبلاط باتا على قناعة بأنه لابد من إعطاء عون شيئا وأن إرضاء عون يتوقف الآن على ترقية العميد شامل روكز، وعدم تلبية مطلبه سيؤثر سلبا على الحوار وعلى الحكومة في ظرف دقيق يوجب الإفادة من الوقت الضيق المتاح لإنتاج هذه التسوية وتفعيل عمل الحكومة من أجل تحسين وضعية شروط الانتظار اللبناني الى أن يحين أوان الانفراجات الإقليمية والإفراج عن الاستحقاق الرئاسي في لبنان.