جون جابر
مهما كان تقليدياً مُخالفة الأنطمة الصناعية، ومهما كانت الميزة التي يحصل عليها منافسوك كبيرة، ومهما كان الضغط الذي تواجهه لتفعل ذلك كبيراً أيضاً، هناك اختبار بسيط لتحديد ما إذا كان ينبغي الخضوع للإغراء. ماذا يمكن أن يحدث إذا اكتشف العالم ما فعلت؟ كم سيكون حجم الضرر الذي سيلحق بك؟
تثبيت شركة فولكسواجن برنامجا يجعل سياراتها التي تعمل بمحركات الديزل تصدر انبعاثات ملوثة للهواء على الطريق، تفوق ما يظهر أثناء الاختبارات الرسمية هو كارثة أسفرت عن استقالة مارتن فينتركورن، الرئيس التنفيذي.
هذا بإمكانه تشويه صناعة السيارات الأوروبية بالكامل، التي تستثمر بكثافة في تكنولوجيا الديزل. لكنها بالكاد تُعتبر المرة الأولى التي تتصرّف فيها شركة تصنيع السيارات بشكل ينطوي على الخيانة.
أصبح من الشائع جداً التلاعب باختبارات كفاءة استخدام الوقود الأوروبية مع حيل مثل ربط الأبواب، والمبالغة في تضخيم الإطارات للحد من التصوّر أن معظم السيارات العاملة بالديزل، هي أقل كفاءة في استخدام الوقود، وأقل ملاءمة بيئياً مما يُدّعى.
في الولايات المتحدة، تبيّن أن شركة فورد وضعت “جهاز تلاعب في الاختبارات” غير قانوني – التهمة التي تواجه “فولكسواجن” – في الشاحنات الصغيرة في عام 1997، وتم تغريم شركتي هيونداي وكيا مبلغ 100 مليون دولار العام الماضي، لقيامها بتعديل اختباراتهما.
صناعة السيارات ليست وحدها في مثل هذا السلوك. نفس الشيء يحدث في كثير من الصناعات، من القطاع المصرفي إلى الصناعات الدوائية. عدد قليل من الشركات يُقرّر بلُطف انتهاك القواعد ومخالفة التنظيمات، وسرعان ما تحذو الشركات الأخرى حذوها، فهي تعرف أن هذا يُعتبر نوعا من المراوغة، لكنه يُصبح ممارسة طبيعية والمُنظّمون يغضّون الطرف. وفي يوم ما، تتخطى إحدى الشركات الحدود لتندلع الفضيحة.
توم هايز، المصرفي السابق في بنك يو بي إس الذي حُكم عليه بالسجن لمدة 14 عاماً الشهر الماضي بسبب التلاعب بمعدلات مؤشر ليبور، أخبر مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة في المملكة المتحدة “على الرغم من أنني كنت أعمل ضمن النظام… الذي فيه كان ذلك أمراً مألوفاً، إلا أنني كنت شخصاً تم اعتباره جانيا مُتسلسلا”.
لقد كان هايز موهوباً في ذلك وفي توظيف غيره من المتداولين للتعاون. في نهاية المطاف تبع ذلك إجراء تحقيق رسمي.
عندما جاء رد الفعل، جاء بمنتهى القسوة. فجأة، السلوك الذي كان يُعتبر ممارسة شائعة، وكان يتم تجاهله من خلال هزة رأس أو غمزة عين، أو التغاضي عنه بشكل سري لمُواكبة المنافسين، أصبح يُعتبر سلوكا غير لائق وربما غير قانوني.
عبارة “الجميع يفعل ذلك” لا تعتبر دفاعاً. بمجرد أن يتم كشفه للرأي العام، ويُفضح المُنظّمون فشلهم في وقفه، لن يكون هناك أي تسامح.
وسط البحث الغاضب عن الشخص المسؤول داخل الشركة، تم تدريب كبار المسؤولين التنفيذيين بسرعة لمواجهة التحقيقات الرسمية، وكيفية الإدلاء ببيانات موجزة للصحافة والإجابة عن الأسئلة: “لماذا فعلتم ذلك؟” ليست هناك إجابة جيدة لهذا السؤال، على الرغم من أن مايكل هورن الرئيس التنفيذي لشركة فولكسواجن في الولايات المتحدة، كان يملك جواباً دقيقاً: “لقد أخفقنا تماماً”.
مفتاح النجاة من عقاب مخالفة القواعد هو أنه يجب أن تتم بمهارة وحكمة، فالمخالفة قد تكون شائعة، لكن يُمكن أن تُصبح صارخة، وإلا فإنها ستؤدي إلى تنبيه المُنظّمين الذين يتسامحون مع بعض المناطق الرمادية.
صناعة السيارات هي مثال على ذلك: كان معروفاً أن الفجوة بين بيانات اقتصاد الوقود الرسمية والأداء الفعلي واسعة، لكن شركة فولكسواجن استطردت في الخداع وأخذته بشكل غبي إلى مستوى أعلى.
عمليات الاحتيال غالباً ما تبدأ في المختبرات، حيث النتيجة لا بُد أن تكون مفتعلة. الشهادة التي تُثبت أن المُنتج يعمل بطريقة معينة في مختبر الشركة – حتى لو لم يغش أي أحد – لا يُمكن أن يضمن نفس الأداء في العالم الحقيقي. بطبيعة الحال، تميل الشركات إلى التركيز على تحقيق أهداف المختبر التي وضعتها، تماماً كما يقوم الطلبة بالدراسة السريعة من أجل الامتحانات.
الفجوة بين الاختبار المُصمّم تصميماً جيداً والواقع، لا داعي لأن تكون ضخمة. العقول الذكية سرعان ما ستعرف كيفية موازنة الأمرين، تماماً كما تحسب المصارف كيفية تلبية المعايير التنظيمية لرأس المال، مع الحد الأدنى من رأس المال في الفترة التي سبقت أزمة عام 2008.
شركتا هيونداي وكيا اختارتا بعناية أفضل تجارب الأميال، التي تم تحقيقها باتجاه الرياح وبإطارات خاصة، لكن سرعان ما يُسيطر علم نفس الحشود. الشركة إكس تعرف ما تفعله الشركة واي للتلاعب بالنتائج دون أن تُعاقب من الجهاز التنظيمي، وتُدرك أنها لا تستطيع المنافسة ما لم تفعل نفس الشيء.
بعد كل شيء، الاختبارات مقبولة رسمياً، ومن غير المرجّح أن يُشكّك فيها الزبائن. أي مسؤول تنفيذي أو مهندس يحاول المقاومة، سيتم تجاوزه باعتباره ساذجا أو صعب الإرضاء.
التنافس يخلق محاولات طموحة أكثر بكثير لكسب ميزة، ويزيد من مخاطر السمعة. تدبّرت “فولكسواجن” وضع جهازها الذي يُخالف القواعد في 11 مليون سيارة أمام أنظار المُنظّمين، قبل أن يتم اكتشافها. حتى الباحثين في المجلس الدولي للنقل النظيف، الذي استطاع اكتشاف الخداع في أوروبا، لم يعتقد أن الأمر سيكون بهذا الشكل الصاخب.
عاجلاً أم آجلاً، إحدى الشركات ستتخطى الحدود. لا بد أن يكون هناك متلاعب ضخم مثلما حدث في قضية ليبور، شركة مثل فولكسواجن، أو شركة جلاكسو سميث كلاين في الصين، يستخف بالقانون لدرجة أنه لا يُمكن إخفاء التلاعب. كثير من الشركات دفعت الرشا للأطباء والمستشفيات في الصين، لكن كان لا بد من حكومتها أن تُقدّم شركة غربية تفعل ذلك بطريقة منهجية للغاية، لتكون عبرة للآخرين.
رئيس أحد المصارف في وول ستريت أخبرني ذات مرة أن الدرس الذي تعلّمه من الفضائح المالية كان أن الأخلاق مُطلقة، وليست نسبية. “نحن لا نتصرف بشكل سيئ بقدر منافسينا”، لقد كان موقفاً مُغرياً لكنه خطير. كثير من الشركات تُشكّل خطرا على نفسها من خلال التشبّث بهذا الشعار.
شركة فولكسواجن فازت بالشرف المشكوك فيه، بكونها الشركة الأسوأ سلوكاً في صناعتها، لكن الأمر كان بمثابة مسابقة بين شركات عديدة، للأسف.