IMLebanon

تغريدة كلينتون تكبد شركات الدواء الأمريكية 40 مليار دولار

Clinton-tweet-Drugs
أندرو وارد

الاحتجاج على ارتفاع نسبته 5 آلاف في المائة في أسعار أحد الأدوية أحدث هزة عميقة في القطاع الصيدلاني وبلور المخاوف حول ارتفاع تكاليف الأدوية في الولايات المتحدة. حتى إن شركات صناعة الأدوية تعترف بأن نماذج التسعير لديها ينبغي أن تتطور.

ربما كانت التغريدة الأكثر تكلفة في العالم. الرسالة المكونة من21 كلمة لهيلاري كلينتون يوم الإثنين قضت على أكثر من 40 مليار دولار من قيمة أسهم شركات المستحضرات الدوائية والتكنولوجيا الحيوية في الولايات المتحدة.

أبرز مرشحة للرئاسة عن الحزب الديمقراطي انتقدت “التلاعب بالأسعار” واصفة إياه بـ “الأمر الفاحش” من قبل بعض شركات صناعة الأدوية ووعدت بالعمل للقضاء على ذلك. كما أعلنت في اليوم التالي عن حزمة من التدابير بهدف كبح جماح “عمليات التربح” التي يقوم بها قطاع المستحضرات الصيدلانية.

تزامن تدخلها مع حدوث ضجة حول زيادة الأسعار بنسبة 5 آلاف في المائة المفروضة على دواء مضاد للالتهاب يستخدمه مرضى الإيدز والسرطان.

تدار إدارة الشركة – تورينج للمستحضرات الصيدلانية – من قبل مدير سابق لصندوق تحوط يبلغ من العمر 32 عاما وسريع الكلام، مارتين شكريلي، الذي أصبح على الفور الوجه غير الاعتذاري لصناعة متهمة بتفضيل الأرباح على الصحة العامة.

رد شكريلي على عاصفة الإعلام التي تلت ذلك بتغريدة ترتبط بأغنية لإيمينيم مليئة بالعبارات البذيئة، “أنا من أنا”، التي تحوي المقاطع التالية: “أنا متعب من الجميع، ولا أقصد أن أكون بخيلا. لكن كل ما باستطاعتي هو أن أكون على طبيعتي”.

دفعت قصة التغريدتين هذه أسعار العقاقير إلى مركز حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية وجعلت المستثمرين يهربون خوفا من حدوث اشتباك في واحدة من أكبر الصناعات في العالم وأكثرها ربحية.

وفي حين أن هذه الضجة هي علامة على التجاوزات الفريدة من نوعها لسوق العقاقير في الولايات المتحدة، إلا أنها تثير أيضا حوارا عالميا أوسع نطاقا حول تكلفة الأدوية.

بدءا من القيود المفروضة على علاجات مرض السرطان المكلفة في خدمات الصحة الوطنية التي تعاني من ضائقة مالية في بريطانيا، إلى الإصلاحات المتعلقة بطريقة توريد الأدوية في المستشفيات الصينية، تتعرض الصناعة للضغط في جميع أنحاء العالم في الوقت الذي تعترك فيه المجتمعات لاحتواء مسألة ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية للأشخاص المسنين والطبقات الاجتماعية الآخذة في النمو.

حتى وقت قريب، كانت الولايات المتحدة تبدو محصنة ضد مثل هذه القوى. كانت أسعار الأدوية آخذة في الارتفاع بمعدل سنوي لا يقل عن 10 في المائة منذ عام 2010 حتى وإن كانت في حالة ركود في أوروبا. يجري التشكيك في مدى استدامة هذا النمو في الوقت الذي تعمل فيه المواجهة بين كل من كلينتون وشكريلي على زيادة التدقيق حول سبب ارتفاع فاتورة الأدوية في أمريكا بشكل سريع.

يقول بيتر باخ، مدير مركز السياسة الصحية والنتائج في مركز سلون كيتيرينج التذكاري للسرطان في نيويورك، إن النهج العدواني لشكريلي هو النتيجة الطبيعية لنظام الولايات المتحدة التي تسمح لشركات صناعة الأدوية دفع ما تتحمله السوق للمنتجات الأساسية لصحة الإنسان. “لقد عَلِق هذا الشخص في عاصفة قوية، لكنها كانت تختمر منذ فترة”.

سوق خارجة عن نطاق السيطرة؟

كانت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة منعزلة عن التسعير الخاضع للتنظيم وإمكانية الوصول المنتظمة للأسواق في البلدان المتقدمة الأخرى. وهذا جعل أمريكا المكان الأكثر ربحا لبيع الأدوية، التي تمثل نحو 40 المائة من المبيعات العالمية. ارتفع الإنفاق الأمريكي السنوي لكل فرد على المستحضرات الصيدلانية إلى الضعف تقريبا ما بين عامي 2000 و2012 إلى 1010 دولارات، مقارنة بالمتوسط البالغ 498 دولارا بين أعضاء المنظمة. ولذلك، فإن أي تحرك لكبح جماح السوق الأمريكية قد يؤثر في الصناعة بشكل كبير وجذري.

تشمل مقترحات كلينتون فتح الأسواق أمام الواردات الرخيصة القادمة من كندا، وتكليف شركات الأدوية بإنفاق الحد الأدنى من نسبة المبيعات على البحوث والتطوير والسماح للحكومة بالتفاوض بشأن الأسعار، التي يدفعها برنامج ميديكير للتأمين الصحي الخاص بالرعاية الطبية العامة.

أما الإجراء الأخير فقد كان يتعرض للمقاومة منذ سنوات من قبل شركات صناعة الأدوية وحلفائها من الحزب الجمهوري، الذين يخشون منحدرا زلقا نحو تقنين الرعاية الشائع في الأنظمة الصحية الأوروبية المجتمعية.

مع ذلك، يعتبر غياب نفوذ الحكومة على عملية تسعير الأدوية واحدا من الأسباب الرئيسية لقيام الأمريكيين بدفع الكثير جدا على أدويتهم أكثر من بقية العالم. تكون الأسعار الأمريكية عـــادة أعلى بنسبة 40-20 في المائة مما هي في أوروبا وأحيانا أعلى. حيث تبلغ تكلفة علاج السرطان جليفيك من “نوفارتيس” 106322 دولارا في السنة في الولايات المتحدة لكنها تبلغ فقط 31867 دولارا في المملكة المتحدة، وفقا للباحثين في جامعة ليفربول.

هل كل هذا على وشك أن يتغير؟ بدا هجوم كلينتون مدفوعا بشكل كبير بالحملات السياسية في الوقت الذي تخوض فيه معارك من أجل تحييد التهديد المفروض من قبل بيرني ساندرز، منافسها اليساري لترشيح الحزب الديمقراطي الذي كان قد وعد بالفعل باتخاذ إجراء بشأن مسألة أسعار الأدوية.

يصف أندرو باوم، المحلل لدى سيتي جروب، خطة كلينتون على أنها “خيالية أكثر من كونها مستقبلا”، مشيرا إلى أنه حتى لو كان قد تم انتخابها للبيت الأبيض العام المقبل، فإن التدابير قد تخفق إذا احتفظ الجمهوريون بسيطرتهم على الكونجرس.

مع ذلك، في حين أن من المستبعد إجراء إصلاحات جذرية في المدى القريب، يقول باوم إن جدل هذا الأسبوع يبين أن “الضغط السياسي على تسعير الأدوية في الولايات المتحدة مرتفع وسيستمر في الارتفاع”.

نمت التوترات المتعلقة بعملية التسعير منذ أكثر من سنة عندما أطلقت “جيلياد للعلوم” دواء يمثل فتحا في عالم الأدوية يسمى سوفالدي، يعالج معظم حالات التهاب الكبد الوبائي “ج” في غضون أسابيع – بتكلفة تصل 84 ألف دولار.

وقد شكل هذا ثقلا على شركات التأمين ومزودي الخدمات الصحية بسبب أعداد المصابين بهذا المرض البالغ عددهم 3.2 مليون في الولايات المتحدة. إنفاق برنامج ميديكير على التهاب الكبد الوبائي “ج” ارتفع بمعدل 15 مرة في عام 2014 عن مستواه في العام الماضي ليصل إلى 4.5 مليار دولار.

منذ ذلك الحين، انخفضت الأسعار بعد إدخال منتج منافس من شركة آبفي. هذه القضية أثبت قوة التسعير غير المقيدة التي تتمتع بها مجموعات الأدوية في الولايات المتحدة عندما تنعدم المنافسة.

استغل شكريلي هذه الحرية لرفع الأسعار الخاصة بالعلامة التجارية دارابريم من 13.5 دولارا إلى 750 دولارا بعد شراء المنتج، الوحيد من نوعه، مقابل 55 مليون دولار من شركة صغيرة أخرى مصنعة للأدوية الشهر الماضي، لكنه تراجع بوعود لتقليل الزيادة بمقدار غير محدد.

حتى إن شركات صناعة الأدوية الزميلة انضمت للانتقادات، محذرة من الأضرار التي أثرت في سمعة الصناعة المهزوزة أصلا بسبب واحدة من الشركات المنشقة.

وتوقفت شركة البحوث الصيدلانية والشركات المصنعة في أمريكا، المجموعة الرئيسية للصناعة في الولايات المتحدة، عن إدانة مقترحات كلينتون بالتغريد بأن شركة تورينج “لا تمثل قيم” أعضائها.

الجدل المتعلق بتسعير الأدوية ليس أمرا جديدا. واجهت الصناعة ازدراء في التسعينيات عندما اتهمت بإبقاء عقاقير فيروس نقص المناعة البشرية بعيدا عن متناول أيدي الفقراء. دافع قادة الصناعة دائما عن حقهم في كسب عائد من خلال الاستثمارات الضخمة في البحوث والتطوير.

في سلسلة من المقابلات التي أجريت مع صحيفة الفاينانشيال تايمز قبل أحداث هذا الأسبوع، أقر التنفيذيون بأن نماذج الأعمال التجارية يجب أن تتكيف وتتأقلم مع حقبة من ميزانيات الصحة المقيدة.

يقول أندرو ويتي، الرئيس التنفيذي لشركة جلاكسو سميث كلاين: “نحتاج إلى التأكد من أننا نتخذ اختيارات قبول طويلة الأجل من قبل المجتمع. “إذا لم نفعل، فإن المجتمع سوف يرد من خلال التنظيم أو بعض التحول الكبير إلى الاتجاه الآخر”.

الانشغال بالأرباح

هذه المشكلة تدفع إلى إعادة تفكير جذرية. يقول جيمز ويلسون، أستاذ في كلية الطب في جامعة بنسلفانيا، إن مدفوعات نمط المعاشات على مدى عدد من السنوات قد تقدم طريقة مستدامة لمكافأة الاستثمار في العلاجات الدوائية الفريدة من نوعها التي تنتج فوائد كبيرة على المدى الطويل.

يقترح الآخرون حلا أبسط: ينبغي على الشركات تخفيض توقعاتها للأسعار. حصلت أكبر 10 شركات مصنعة للأدوية على متوسط هامش ربح صاف يبلغ 19 في المائة في عام 2013 – وهو مماثل للقطاع المصرفي وضعف مستوى قطاع الغاز والنفط. يقول أندرو هيل، الخبير في تسعير العقاقير في جامعة ليفربول، إن بإمكان القطاع الصيدلاني دفع مبلغ أقل وتحقيق ربح وافر في الوقت نفسه.

يعترض ييفجيني فيمين، الزميل في معهد مانهاتن، المركز الفكري المحافظ في الولايات المتحدة، على هذا الرأي، ويقول إن الهوامش قابلة للمقارنة بقطاعات أخرى ذات بحوث مكثفة مثل قطاع التكنولوجيا. ويقول إن تطوير العقاقير عالية الخطورة يجب أن يجني مكافآت كبيرة، وإلا فإن المستثمرين سيوجهون أموالهم نحو قطاع آخر بدلا من إيجاد علاج لمرض الزهايمر.

يقول فيمن إن التركيز على الأسعار أمر منحرف عندما تقارن المبالغ المنفقة سنويا على وصفات الأدوية البالغة قيمتها 300 مليار دولار في الولايات المتحدة، التي تتضاءل أمام المبالغ المنفقة على الرعاية الصحية في المستشفيات البالغة قيمتها تريليون دولار.

وهنالك نسب مماثلة تنطبق على أوروبا، حيث يأسف الرؤساء التنفيذيون في القطاع الدوائي، أنه من الأسهل على السياسيين ضغط ميزانياتهم الدوائية من أن يعيدوا هيكلة البنية التحتية الصحية التي تفتقر إلى الكفاءة.

هنالك دلائل تشير إلى أن الولايات المتحدة قد تبدأ بكبح جماح إنفاقها المتضخم على الرعاية الصحية. بنسبة 18 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، هذه هي أعلى نسبة بين بلدان العالم المتقدم، مع ذلك تكون النتائج أدنى مقارنة ببعض الدول التي يكون إنفاقها أقل. شملت إصلاحات الرعاية الصحية التي قام بها الرئيس باراك أباما حوافز لزيادة الكفاءة، في حين يعمل الدمج والتعاون ما بين مقدمي الخدمات والرعاية وشركات التأمين على زيادة اقتصادات الحجم.

على المدى الطويل، يمكن أن تساعد تلك الاتجاهات شركات صناعة الأدوية إذا خلقت ارتفاعا أكبر للإنفاق على الأدوية ومكافأة المنتجات التي تقلل من تكاليف الرعاية طويلة الأجل. على أي حال، كان الأثر الأكثر إلحاحا هو نهج أكثر عدوانية في مفاوضات الأسعار من قبل “دافعي” الرعاية الصحية الذين يشترون الأدوية. على سبيل المثال، كانت شركة جلاكسو مضطرة لإحداث خفض حاد لسعر الدواء أدافير، عقارها الأفضل مبيعا لعلاج مرض الربو.

يقول السير أندرو: “لسنوات في أوروبا، كانت هنالك تخفيضات في الأسعار وقيود على توافر منتجات جديدة ونحن نبدأ الآن في رؤية الشيء نفسه يحدث في أمريكا. لن يكون الوضع مماثلا تماما كما في أوروبا لكن اتجاه السفر مشابه”.

يوافق باوم على أن أكثر الحقول تنافسية مثل عقاقير علاج السكري وعقاقير الجهاز التنفسي سوف تواجه ضغطا. لكنه يتنبأ بأن الأدوية التي تمنح تحسنا ملحوظا عن غيرها من العلاجات الأخرى الموجودة سوف تحافظ على قوتها التسعيرية – مثل الفئة الجديدة من “العلاجات المناعية” لمرض السرطان.

هذا الضغط من أجل الابتكار يساعد على تفسير الموجة القياسية من عمليات الاندماج والاستحواذ التي اجتاحت القطاع على مدى العامين الماضيين، عندما تنافست شركات صناعة الأدوية لتعزيز خطوط الإنتاج الخاصة بها في مجال الأبحاث والتطوير.

أثارت كلينتون أسئلة حول ما إذا كان سيتم تبرير التقييمات العالية المدفوعة للعديد من تلك الأصول إذا تعرضت عملية التسعير لأي هجوم.

سيفرين شفان، الرئيس التنفيذي لشركة روش، يعترف أنه ستكون هناك “مفاوضات شاقة” في المرحلة المقبلة، مضيفاً: “هذا نظام مدفوع بالسوق، لكني أعتقد أن الولايات المتحدة سوف تستمر في مكافأة الابتكار. أنا واثق تمام الثقة من ذلك”.