فاروق الكمالي
ستة أشهر على بداية الحرب في اليمن، ولا تزال أزمة رواتب الموظفين الحكوميين تأخذ بعداً أخطر من الناحية الإنسانية والاجتماعية، حيث عطّل الحوثيون رواتب الموظفين وأفراد الجيش في المناطق التي يسيطرون عليها شمال اليمن، رغم استيلائهم على المقر الرئيس للبنك المركزي، فيما دخلت أزمة رواتب الموظفين في المناطق الجنوبية المحررة التي تديرها الحكومة الشرعية، شهرها الثالث. وبينما يشتكي آلاف الموظفين الحكوميين من عدم صرف رواتبهم منذ أشهر، بسبب “مواقفهم السياسية المعارضة للحوثيين”، توقفت رواتب آلاف آخرين في مؤسسات الدولة الرسمية وفي الجيش، بسبب الضائقة المالية والعجز عن الإيفاء بالمرتبات. ويبلغ عدد موظّفي الدولة في القطاعين المدني والعسكري نحو 1.2 مليون، بحسب وزارة الخدمة المدنية في اليمن. ويعيش الموظفون الحكوميون حالة من القلق، بسبب تدهور الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد، وتزايد المخاوف من عدم صرف الرواتب في عدة مؤسسات حكومية، وبالأخص المؤسسات الخدمية التي توقفت إيراداتها بفعل الحرب والحظر. ويؤكد المحلل الاقتصادي، أحمد شماخ، لـ “العربي الجديد” أن موازنة اليمن التي تقترب من 13.5 مليار دولار لم يتبق منها سوى 187 مليون دولار. ويقول: “الموازنة العامة للدولة بدأت تتآكل، وأتوقع انهياراً مالياً سريعاً في غضون شهرين، إذا لم يكن هناك دعم للموازنة، فإن اليمن يتجه إلى كارثة يمكن أن تنعكس سلباً على موظفي الدولة بشكل خاص، وعلى المواطنين بشكل عام”.
وأكدت مصادر حكومية يمنية لـ “العربي الجديد” أن أكثر من 15 مؤسسة حكومية في اليمن تواجه خطر الإغلاق، جراء نفاذ ميزانياتها وعدم قدرتها على دفع الرواتب، فيما أغلقت أكثر من 10 جهات حكومية، ولم تسلم رواتب موظفيها منذ شهرين. وقالت مصادر في مؤسسة الإسمنت اليمنية لـ “العربي الجديد” إن المؤسسة وصلت الى مرحلة العجز عن دفع رواتب موظفيها في المركز الرئيسي والفروع، بالإضافة الى رواتب الموظفين والعمال في 3 مصانع حكومية تابعة لها هي: مصنع إسمنت عمران، ومصنع إسمنت البرح ومصنع إسمنت باجل. وتشهد العاصمة اليمنية المؤقتة ومقر الحكومة محافظة عدن، جنوب اليمن، منذ أسبوعين، موجة احتجاجات واسعة تقودها تشكيلات من المقاومة الشعبية المؤيدة للشرعية، للمطالبة بصرف مستحقاتهم المالية، والاستمارات الخاصة بعملية دمجهم في الجيش والأمن، بموجب قرار الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، في تموز/يوليو الماضي. وأغلق المحتجون في عدن، شوارع رئيسة في أنحاء مختلفة من المدينة، احتجاجاً على الوعود المتكررة من قبل قيادة المنطقة العسكرية الرابعة الموالية لهادي، بالاستجابة لمطالبهم، وفقا لسكان محليين، فيما نظم موظفون حكوميون احتجاجات أمام مقر إقامة نائبي الرئيس اليمني ورئيس الوزراء خالد بحاح، للمطالبة بصرف الرواتب. وجاب الموظفون في مسيرة احتجاجية شوارع كريتر بعدن، للمطالبة بسرعة صرف رواتبهم، حيث اتجهت المسيرة، إلى البنك المركزي بحي القطيع، مطالبين بسرعة صرف رواتبهم، وأيضا الرواتب المتأخرة، بفعل الحرب.
وأكدت مصادر في البنك المركزي بعدن وفي مكاتب البريد لـ “العربي الجديد”، أن السيولة النقدية لا تسمح لمكتب البريد بالصرف، كون البنك المركزي اليمني بصنعاء والخاضع لسيطرة الحوثيين، لم يغذ فروعه في المدن المحررة بالسيولة المطلوبة. ويعتمد غالبية سكان عدن على رواتب الحكومة كأحد أهم مصادر الدخل الشهري لإعالة أسرهم، غير أن مؤسسات الدولة أغلقت أبوابها خلال الحرب التي شهدتها المدينة، تزامنا مع إغلاق البنك المركزي أبوابه؛ مما شكل معاناة لموظفي الدولة تمثلت بعدم الحصول على مرتباتهم لعدة أشهر. وأكد نائب الرئيس اليمني ورئيس الوزراء خالد بحاح، في مؤتمر صحافي عقب عودته إلى عدن، الأسبوع الماضي، أن الحكومة ناقشت كافة الملفات العالقة والمهمة في مدينة عدن، وبينها الملف الأمني وصرف مرتبات الموظفين الحكوميين وإعادة تشغيل كافة المؤسسات الحكومية، بما فيها أقسام الشرطة، مشيرا إلى أن كافة الأطراف ستتسلم مرتباتها، بما فيها القطاع الأمني ورجال المقاومة وكافة المؤسسات الأخرى. وفي محافظة شبوة (جنوب شرق اليمن) والمحررة من الحوثيين، قال متقاعدون مدنيون وعسكريون إنهم لم يستلموا مرتباتهم منذ ثلاثة أشهر ماضية. وأشاروا إلى أن المؤسسات المالية بالمحافظة مغلقة، بما فيها فرع البنك المركزي والبريد الحكومي، وأن العيد حل عليهم وهم بدون رواتب.
وفي محافظات شمال اليمن، الخاضعة لسيطرة الحوثيين، يحاصر منتسبو لواء عسكري مرابط في محافظة حجة (شمال البلاد)، فرع البنك المركزي اليمني في المحافظة، منذ 10 أيام، مطالبين بصرف رواتبهم. وأوضحت مصادر محلية لـ “العربي الجديد” أن جنود اللواء المرابط في مدينة حجة، يحاصرون فرع البنك المركزي، منذ 10 أيام مطالبين بإطلاق رواتب اللواء التي أوقفها مسلحو الحوثي. وقالت مصادر عسكرية في القوات البحرية اليمنية إن السلطات الحكومية ممثلة باللجنة الثورية التابعة للحوثي لم تصرف رواتب منتسبيها منذ شهرين. وقال موظفون في وزارة ومؤسسة الكهرباء اليمنية، إنهم بدون رواتب منذ 3 أشهر، رغم الحرب والظروف المعيشية الصعبة التي يمرون بها. وأشار الموظفون إلى أن الحوثيين طلبوا منهم تحصيل فواتير الكهرباء والمستحقات المتراكمة لدى المواطنين، وهو ما رفضه الموظفون باعتبار أن خدمة الكهرباء منقطعة تماما منذ أكثر من ستة أشهر. في السياق، أصدرت اللجنة الثورية التابعة لجماعة الحوثيين قرارا بوقف رواتب موظفي سفارة الجمهورية اليمنية في بريطانيا، وسبع سفارات أخرى باعتبار أنها “سفارات معادية”. وقال سفير اليمن في بريطانيا ياسين سعيد نعمان في تصريحات صحافية: “الحوثيون لم يكتفوا بقطع رواتب السفراء، لكنهم قطعوا رواتب موظفي السفارة إلى جانب سبع سفارات أخرى بتهمة أنها “سفارات معادية” وموالية للشرعية.