Site icon IMLebanon

جدل اقتصادي ثقافي بإطلاق مركز ريادة أعمال الجامعة الأميركية بالقاهرة

EgyptCairo

أحمد إلهامي

“الميزانية حرام.. لأنها تنبؤ بالمستقبل الذي لا يعلمه إلا الله.”

هكذا جاء رد إحدى الشركات عندما طلب منها محمد عثمان المدير العام لشركة سوفيكو للاستثمارات المالية تقديم ميزانية لدراستها. وحكى عثمان هذا الموقف كمثال على المشاكل التي واجهته عندما بدأ العمل بشركة عائلته التي كانت إدارتها تنتقل حينئذ إلى الجيل الثالث الذي ينتمي إليه.

كان عثمان يحاول توضيح المصاعب الاقتصادية والثقافية التي تواجه مساعي التغيير في الشركات العائلية بالمنطقة العربية خلال نقاش بعنوان “ريادة الأعمال: الطريق للنمو السريع” نظمته كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بمناسبة إطلاق “مركز ريادة الأعمال” هذا الأسبوع.

سيعمل المركز الجديد على إعداد الأبحاث والدراسات في مجال ريادة الأعمال بمختلف القطاعات الاقتصادية وإتاحة الفرص أمام أصحاب المشاريع والأفكار الجديدة للوصول إلى الخبرات والموارد التي يحتاجونها لإنجاح مشاريعهم.

والمركز ليس المبادرة الأولى للجامعة الأمريكية في هذا المجال إذ سبق أن أطلقت في 2010 برنامج ريادة الأعمال والابتكار ثم أتبعته في 2013 بحاضنة الأعمال “ايه.يو.سي فينتشر لاب” ناهيك عن البرامج الدراسية المتخصصة التي تقدمها كلية إدارة الأعمال بالجامعة.

وقال كريم صغير عميد كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية في كلمة له بمناسبة إطلاق مركز ريادة الأعمال إن الحاضنة رعت 50 مشروعا مبتدئا وجمعت أكثر من خمسة ملايين دولار تمويلا وخلقت أكثر من 200 وظيفة.

وأضاف “ريادة الأعمال توفر حلا مستداما للتحديات التي تواجهها مصر مثل البطالة والفقر.

“ريادة الأعمال توسعت في المنطقة العربية في العامين الأخيرين لكنها تظل صغيرة جدا ومجزأة… أحداث الأعوام الثلاثة أو الأربعة الأخيرة تظهر بجلاء أن تمكين الشبان يمكن أن يحقق معجزات على الصعيدين السياسي والاقتصادي.”

وقال أيمن إسماعيل الأستاذ المساعد بكلية إدارة الأعمال بالجامعة إن الحاضنة التي تهدف إلى مساعدة رواد الأعمال بمصر في إنجاح شركاتهم الناشئة تقدم خدمات مثل توفير مكان للعمل داخل الجامعة والاستفادة من إمكانياتها والتدريب مع إمكانية التواصل مع شبكة الجامعة من الأكاديميين والمستثمرين إضافة إلى تمويل 20 ألف جنيه للمشروع.

وقال لرويترز “معظم الشركات عمرها سنة أو سنة ونصف أو سنتان وبدأت تحقق إيرادات… البعض فشل وهذا طبيعي جدا لكننا نواصل متابعة الشركات.”

* “المال ليس مشكلة”

وكما يظهر من قصة “الميزانية الحرام” التي رواها عثمان يعاني مجال ريادة الأعمال في المنطقة من صعوبات لكن لا تتعلق جميعها بالثقافة السائدة وفرص التدريب فهناك أيضا الحصول على التمويل الذي يعد من أكبر التحديات كما أوضح أمير شريف مؤسس ورئيس موقع “وظف” الذي نشأ عام 2011 كمنصة للباحثين عن فرص العمل في مصر.

ساعد الموقع حتى الآن أكثر من 40 ألف شخص في العثور على فرص عمل بأربعمئة شركة في مصر ويطمح للوصول إلى توظيف مليون شخص سنويا بحلول عام 2020.

يقول شريف إنه لم يحالفه التوفيق في تدبير التمويل بمصر بينما استطاع ذلك في بلدان أجنبية مثل السويد وبريطانيا والولايات المتحدة رغم أن الموقع يعمل على حل مشكلة محلية قائمة هي البطالة والاستفادة من فرصة هي انتشار الانترنت في السنوات الأخيرة.

وأضاف “هذه العوامل شجعتنا على اغتنام تلك الفرصة فلم تكن هناك قناة ملائمة في مصر للتوظيف.

“الأمور في مصر أصعب بكثير مقارنة مع أماكن أخرى مثل وادي السليكون فكل خطوة هنا تكون أشد تعقيدا خمس أو عشر مرات.”

وقال في تصريحات لرويترز إن الممولين المحليين لا يكلفون أنفسهم حتى عناء الرد بل يلزمون الصمت دون إبداء أسباب. وقال “يريدون إبقاء خياراتهم مفتوحة. المستثمرون في الخارج كانوا أكثر اهتماما من المحليين.”

لا يتفق عثمان تماما مع هذا الرأي إذ يرى أن “السيولة لست مشكلة والأموال موجودة” لكن الصعوبة تكمن في الوقت والجهد المنفق وفي التفاصيل التي قد لا يكون كثيرون من أصحاب الأفكار والمشاريع الجديدة ملمين بها. يقول “انس المال فهو أسهل شيء وفكر في كيف ستدير المبيعات وكيف ستتعامل مع الضرائب وما إلى ذلك.”

وأشار إلى مشكلة تضارب التوقعات بين المستثمر وصاحب المشروع الجديد قائلا “المستثمر المغامر يريد عوائد رائعة لأنه يضع أمواله في عشر شركات مبتدئة متوقعا أن معظمها سيفشل ويخرج من السوق بينما ستنجح واحدة أو اثنتان… وفي المقابل كثير من رواد الأعمال لا يعرفون بالضبط كيف سيساعدهم المستثمر ويخشون من فقد السيطرة على المشروع مما يجعل العلاقة صعبة.

“التوقعات بحاجة إلى إدارة أفضل والتوفيق بين الطرفين عملية معقدة.”

* الشركات العائلية

لا يقتصر مجال ريادة الأعمال على عملية إنشاء الشركات الجديدة بل يتعداها إلى تطوير الشركات القائمة مع ما يرتبط بذلك من توفير الموارد وتنظيمها وإدارة المخاطر والعوائد.

تقول دينا شريف مديرة مركز ريادة الأعمال “ريادة الأعمال لا تتعلق بالشركات المبتدئة بل أيضا بمساعدة الشركات الراسخة على البقاء وهو ما يتطلب توافر روح ريادية جادة.”

وبحسب أحمد حسنين وكيل كلية إدارة الأعمال المسؤول عن المركز فإن عمل المركز الجديد سينصب على المشاريع ذات البعد الاجتماعي وعلى الشركات العائلية التي تشكل نحو 80 بالمئة من الشركات في المنطقة العربية وتعاني عادة من مصاعب جمة عند انتقال الإدارة إلى الجيل الجديد.

وقالت شهيرة دياب المدير العام لسلسلة متاجر لابوار للحلويات وإحدى المشاركات في النقاش “تمر الشركات العائلية عند انتقالها إلى الجيل التالي بعملية تحول وتواجه ظروفا معاكسة غير عادية كي تستطيع البقاء. توافر روح ريادة الأعمال أحد ضرورات المحافظة على الشركات.”

وتقول دراسة لبنك يو.بي.اس إن الشركات العائلية تسهم بنسبة 80 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في منطقة الشرق الأوسط وتشكل نحو 75 بالمئة من النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص وتوفر أكثر من 200 ألف فرصة عمل.

ووفقا للدراسة تواجه الشركات العائلية تحديات عديدة فيما يتعلق بالحفاظ على النشاط من جيل لآخر مثل استيعاب التقنيات الجديدة أو عدم القدرة على الابتكار أو على تنشيط الأعمال.

* روح المبادرة

تعاني ريادة الأعمال في المنطقة من مصاعب ليس أقلها ضعف روح المبادرة الفردية والمناخ الاجتماعي والسياسي غير المواتي لكن ذلك لم يحل دون ظهور نقاط مضيئة لتجارب وصل طموحها إلى حد التطلع إلى التوسع الإقليمي على غرار مطاعم ذا بيكري شوب التي شارك رئيسها سامح السادات في النقاش مبديا أمله في “تصدير العلامة التجارية خارج مصر واختراق السوق الافريقية وإضافة علامات تجارية جديدة لمحفظة الشركة”.

وقال حسنين لرويترز ردا على سؤال عن دور المركز في مواجهة مشاكل ضعف روح المبادرة والمناخ غير المواتي “المركز ليس سوبرمان.. المركز داخل الجامعة والجامعة لها اتصالاتها وكلياتها… هناك مشكلات اجتماعية في معالجة حالات الفشل ومشاكل تشريعية مثل غياب قانون الحماية من الإفلاس على سبيل المثال… بمفردنا لن نفعل شيئا لكننا نقوم بما في وسعنا.

“المركز سيساعد رواد الأعمال والمستثمرين على اللقاء والتفاهم فوق أرض محايدة يشرف عليها خبراء.”

هيمن الهم الإقليمي بمشاكله وتعقيداته على النقاش لكن الثقافة السائدة ليست عقبة بالضرورة بل يمكن أن تكون مبعث إلهام لرواد الأعمال كما أوضحت شهيرة التي ضربت مثلا بقصة رائدة أعمال كانت تعيش في صحراء الجزيرة العربية قبل 1400 عام.

وقالت “كانت السيدة خديجة زوجة النبي محمد رائدة أعمال من الجيل الثاني في عائلتها حيث نجحت في تنمية تجارة والدها لتضاهي كل تجارة قبيلتها قريش فكانت تسير قافلة تجارية إلى اليمن في الشتاء وأخرى إلى الشام في الصيف… كانت أول من آمن بالنبي ودعمته ماليا ومعنويا. إذا أمكن هذا لامرأة في صحراء جزيرة العرب قبل 14 قرنا فلنا أن نتطلع إلى قصة مماثلة الآن.”