كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:
سؤال شغل بيروت امس بعدما تَشابكت كل “فروع” الأزمة السياسية المتأتية من الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية، منذرةً ما لم يحصل اختراق “ربع الساعة الأخير” في قضية إبقاء صهر العماد ميشال عون العميد شامل روكز في الجيش، بعد انتهاء خدمته منتصف الشهر المقبل، بسقوط لبنان في “المأزق الكامل” الذي لطالما بدا بلوغه من “المحظورات” داخلياً وخارجياً.
وفيما كان رئيس الحكومة تمام سلام يلقي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ويترأس اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان، وصل الى نيويورك “دويّ” انفجار شدّ الحبال الداخلي حول ملف الترقيات العسكرية وبلغ حدّ تلويح مختلف الأطراف المعنية به مباشرة او ضمناً باستخدام “الأسلحة المحرّمة” واعتمادهم سياسة اللعب على حافة “الخطوط الحمر” التي تحكم الستاتيكو اللبناني الحالي، بما وضع مصير الحكومة و”حوار الإنقاذ” الذي انطلق بدعوة من رئيس البرلمان نبيه بري اضافة الى صلابة المؤسسة العسكرية امام خطر فعلي.
ورغم إعراب أوساط سياسية عن اقتناعها بأن ما شهدته الساعات الأخيرة من “هبات ساخنة” هو في إطار “رفع سقوف التفاوض”، وان الايام المقبلة يمكن ان تحمل مخارج تعيد ضبط الواقع اللبناني ضمن “المنطقة الآمنة” المرسومة له دولياً، فان مصادر متابعة أبدت خشية من امكان انفلات الأمور هذه المرّة والإطاحة بـ “أحزمة الأمان” التي منعت وقوع البلاد في “الفوضى الكاملة”، مبدية خشية من ان يكون هناك “عدم ممانعة” من أطراف اقليميين بإعطاء “جرعة تأزم” إضافية للواقع اللبناني، كامتداد للكباش الدولي حول مرحلة ما بعد الانخراط الروسي المباشر في الحرب السورية ومصير الرئيس بشار الأسد.
واذا كان دخول السفيريْن الأميركي ديفيد هيل والسعودي علي عواض عسيري على خط محاولة إنقاذ التسوية التي كان يجري العمل عليها لملف العميد روكز، عكس التحسُّس الخارجي لأهمية عدم الإطاحة بالحكومة الحالية، وامكانات استعادة عملها المنتج في ملاقاة مرحلة ترتيب الملفات المشتعلة في المنطقة، فان الاشارات البالغة السخونة التي صدرت في الساعات الأخيرة أوحت بأن غالبية اللاعبين الداخليين يلعبون على طريقة “صولد”، وسط عدم إسقاط دوائر سياسية ان البعض ربما بدأ يأخذ في حساباته ان اي تنازلات قد تُقدم الآن في هذا الملف او ذاك باتت بمثابة “لزوم ما لا يلزم” بعدما اقتربت المنطقة من “مخاض الحلول”.
واللافت ان “اندفاعة التصعيد” التي تداخلت فيها العناوين لتشمل ايضاً ملف النفايات، جاءت على جبهات عدة وحجبت الجلسة 29 لانتخاب رئيس الجمهورية التي لم يكتمل نصابها امس وأرجئت الى 21 الجاري:
* فالعماد عون لوّح بنسف الحوار والحكومة، وردّ على ما يُحكى عن تسويات في شأن الترقيات بـ “أننا لسنا جماعة تسويات بالأساس، لا في الترقيات ولا في غيرها”. وكان بذلك يردّ على تسوية البنود التسعة التي سُربت (نصت في احد بنودها على ترقية روكز وعميديْن آخرين الى رتبة لواء مع تفاهم على آلية لعمل الحكومة وفتح البرلمان)، وتحديداً على النقطة التي تحدثت عن تعيين مدير عام جديد لقوى الأمن الداخلي، وهو ما ربطه بتعيين قائد جديد للجيش.
على ان الأكثر إثارة في سلوك عون هو نقطتين: الأولى رسمه معادلة ان لا حوار بعد اليوم، ولا تسوية قبل بت الترقيات العسكرية، ولا تفعيل لعمل الحكومة ولا لمجلس النواب في ظل عدم الشراكة الحقيقية، والثانية تلميحه في معرض رفضه اي تعديل في آلية عمل الحكومة الى انه مستعدّ للقفز فوق ملف روكز تفادياً لدفْع أثمان او الدخول في مقايضات يمكن ان يُتشمّ منها ان كل معركته مختزلة بترقية صهره، وسط ايحاءات الى ان الفرص مفتوحة امام روكز بعد تقاعده، اذ يمكن ان يصبح وزيراً او سفيراً، مع التذكير بأن موعد “المنازلة الحقيقية” هو في 11 اكتوبر الجاري، موعد التظاهرة الكبرى على طريق القصر الجمهوري في بعبدا والتي سيعيد من خلالها تصويب بوصلة المعركة الرئيسية في اتجاه “الرئاسة لي”.
* الرئيس بري الذي تفاجأ من هجوم عون على وزير ماليته علي حسن خليل متهماً اياه بأنه وراء “خطة لإفلاس المتعهدين اللبنانيين ومطالباً بمساءلة الوزير حول شبهات قال إنها تحوم حول أدائه في الوزارة، رفع السقف بوجه زعيم”التيار الوطني الحر”، معلناً ان”ما ذُكر الثلاثاء عن تسوية في موضوع الترقيات ليس صحيحاً”، ومؤكداً:”لم أعد أقبل بأي كلام عن حلول قبل حسم ملف النفايات”، قبل ان يلمح الى ان”حكومة تصريف الأعمال أفضل من الوضع القائم والرئيس تمام سلام له حدود على الصبر”، وهو ما استدعى استفسارات حول اذا كان المقصود ان الموانع سقطت امام استقالة الحكومة او رئيسها.
وكان الوزير خليل ردّ على العماد عون بقسوة لافتاً الى انه”تعوّد على التحديات الخاسرة”، متحدياً اياه ان يعلن ما هي الشبهات التي لم يتكلم عنها.
* أما قائد الجيش العماد جان قهوجي، فنقلت تقارير في بيروت انه ممتعض من اي مسار تسوية لملف روكز لا يستند الى معيار واضح للترقيات لأن هذا يؤثر في هرمية المؤسسة العسكرية ويمكن ان يتسبب باعتراضات عشرات العمداء، وصولاً الى تلويحه بالاستقالة، وهو ما استدعى تحركاً للسفير الاميركي في اتجاه اليرزة.
وفيما جاء هذا المناخ المشدود ليضع مصير جلسات الحوار في 6 و7 و8 الجاري على المحك وايضاً الجلسة المحتملة لمجلس الوزراء مطلع الاسبوع، تتجه الأنظار الى ما يمكن ان تفضي اليه الاتصالات المستمرة والتي دخل على خطها”حزب الله”للجم التصعيد بين حليفيْه بري وعون، الى جانب محاولات النائب وليد جنبلاط لبلوغ تسوية في ملف روكز العالق عند الاعتراضات الكبيرة على ترقية ثلاثة عمداء الى رتبة لواء مما يجعل الحاجة الى”أفكار” أخرى بات هامش الوقت ضيقاً أمامها.