Site icon IMLebanon

خسائر مرفأ بيروت بملايين الدولارات وإنتعاش التهريب على خطّ اللاذقية – القصير- الهرمل

Beirut-Port

 

 

لا يختلف الوضع في مرفأ بيروت وإدارة الجمارك عن الأوضاع في مؤسسات رسميّة كثيرة، تحَكّم فيها سوء الإدارة والتقدير وباتت تحت سيطرة قوى الأمر الواقع، وسط انتشار الفوضى والرشوة والفساد، فأصبحت أرباح هذه المؤسسات تتراجع سنويّاً وتحرم خزينة الدولة أموالاً هي في الأساس أموال الشعب، في وقتٍ زاد ربح بعض النافذين الذين وسّعوا مشاريعهم وسيَّروا خطوط نقلِ بضائع خارج الدولة وسلطتها.كثرَ الكلام أخيراً عن خسائر في مرفأ بيروت نتيجة تراجع عائدات الجمارك، في وقتٍ كان يتوقّع أن ترتفع بسبب الحرب السوريّة وتوقُّف الشحن البري، لكنّ المفاجأة غير السعيدة وقعت، وسجّلت العائدات تراجعاً هائلاً.

وعلمت «الجمهوريّة» أنّ الإحصاءات التي رُفعت الى المجلس الأعلى للجمارك تدل على خسائر في العائدات وصلت الى نحو الـ 220 مليون دولار في السنة الأخيرة، ما يشكّل رقماً مخيفاً يدعو إلى معالجات فوريّة.

أسباب التراجع

لهذا التراجع أسباب عدّة، فقد تمّ إتهام أحد المسؤولين الكبار في الجمارك باتخاذه فور تسلّمه مهامّه، قراراً فصَل بموجبه مصلحة المركز الآلي الجمركي عن المديرية العامة وألحقَها به مباشرةً، ومنَع موظفيها من التواصل مع المدير العام، ثمّ ألغى لجنة المعايير وما يسمّى «الخط الأخضر»، مستغلّاً مبادرة وزارة المال الإصلاحية في الجمارك.

من ثمّ فرض الكشف الكلّي على مختلف البضائع التي تدخل البلاد، بدلاً من الكشف العشوائي المعتمد في أوروبا والبلدان المتطوّرة، ما أعاد لبنان الى القرون الوسطى وعطّلَ عمل الأنظمة المعلوماتية التي تعمل وفق إدارة المخاطر والتي بلغَت كلفة تركيبها وتطويرها ملايين الدولارات.

علماً أنّ «الخط الأخضر» هو نظام عالمي يمنح بعض التسهيلات الى التجّار، ويُقلل الأكلاف عنهم، وبالتالي عن المستهلك اللبناني. أضِف الى ذلك أنّ هذا الامر وضعَ موظفي دوائر المعاينة في الجمارك على احتكاك مباشر مع التجّار وعملاء الجمارك.

اللاذقية – القصير- الهرمل

قد يكون قرار التفتيش ناتجاً عن سوء تقدير، لكنّ النتائج العكسيّة التي ترَكها، تشير حسب بعض الأوساط المتابعة الى أنّه ربما مدبّر ومخطّط، لأنه ضرب مرفأ بيروت، وعوّمَ مرفأ اللاذقيّة، حيث نشَطت الحركة هناك، بعدما لجأ عدد كبير من التجّار الى إفراغ بضاعتهم فيه، وباتت تنتقل تهريباً إلى لبنان عبر ما يُسمّى خط اللاذقية – القصير- الهرمل. وبعد دخول البضائع الى لبنان، ينقلها التجّار المهرّبون الى الداخل لتُوزَّع في الأسواق اللبنانية، ما حرَم الخزينة اللبنانية من مواردها بعدما ذهبَت رأساً إلى جيوب النافذين المقرّبين من أحد الأحزاب اللبنانية.

مجلس الجمارك

لم تقتصر المخالفات على إلغاء الخطّ الأخضر في المرفأ، بل إنّ المسؤول الجمركي الكبير يتهم بأنه تابَع العمل من دون أن يحترم ميثاقية المجلس الأعلى للجمارك.

فالمجلس يتألف من ثلاثة أعضاء: ماروني، وشيعي وسنّي، وقد عرقلَ تعيين عضو سنّي رديف قبل انتهاء ولاية العضو الأصيل ظنّاً منه أنّه بذلك يضمن السيطرة الكاملة على الجمارك ويستطيع التقرير بهيئة ناقصة. وحاولَ في جلسة المجلس الأعلى للجمارك بتاريخ 7 آب الماضي تحوير الوقائع واختلاقَ مناقشة لم تحصل مطلقاً، وقد تنبَّه العضو السنّي للأمر وسَجّل تحفّظه في سجلّ الجلسات.

وكان قد أرسل في 17 تموز الماضي كتاباً سرّياً إلى ديوان المحاسبة يطلب فيه رأيَ الديوان حيال جواز ممارسة المجلس الأعلى للجمارك الصلاحيات المالية في ظلّ إحالة أحد الأعضاء إلى التقاعد.

وفي تاريخ 20 آب أصدرَت غرفة ديوان المحاسبة برئاسة القاضي أحمد حمدان وعضوية المستشارين جوزف كسرواني وزينب حمود رأياً استشارياً غبّ الطلب يحمل الرقم 40/2015، أيّدت فيه جواز قيام المجلس الأعلى بهيئته غير المكتملة بتسيير الشؤون المالية. علماً أن القاضي زينب حمود كانت مستشارة في غرفة ديوان المحاسبة التي أصدرت بتاريخ 17/7/2013 الرأي الاستشاري الرقم 33/2013 المعاكس للقرار الأخير.

وكانَ سَبق لمجلس الخدمة المدنية، وهو أعلى سلطة إداريّة للبتّ في شؤون الموظفين وصلاحياتهم وفي عهد رئيسه الوزير السابق خالد قباني وفي كتابه الموجّه الى وزارة المال تحت الرقم 3354 بتاريخ 13/10/2011، أن اعتبَر هيئة المجلس الأعلى للجمارك هيئةً غائبة بفقدانها أحدَ أعضائها ومنعَها في هذه الحالة من ممارسة أيّ صلاحية على الموظفين كما منعَ هذا الأمر على وزير المال أيضاً لعدم اختصاصه.

تفريغ المناصب

إضافةً إلى غياب العضو السنّي، فقد مورست سياسة تفريغ المناصب. ففي 10 كانون الثاني 2015، أحيلَ العقيد الياس شكر إلى التقاعد لبلوغه السنّ القانونية حيث كان يشغل منصبَ رئيس ضابطة بيروت الجمركية التي تشمل صلاحياتُه محافظتي بيروت وجبل لبنان، وهو أعلى منصب للطائفة المسيحية في الضابطة الجمركية، وحلَّ محله بالإنابة العقيد موسى مزيد.

وهنا بدأت خطة بسطِ السيطرة على مرفأ بيروت بعد الانتهاء من المطار. وقد عرقلَ المسؤول الجمركي كلّ محاولات تعيين العقيد بيار الحاج بديلاً للعقيد شكر من أجل ضمان بقاء المنصب تحت سيطرته، على رغم أنّ العقيد الحاج هو الأقدم بين زملائه الأكفّأ والأجدر، وقد أجمعَت على المطالبة به معظم القيادات المسيحية، لكنّه ضربَ برأيها عرض الحائط.

إلى ذلك، نقل المسؤول رئيسةَ الدائرة غراسيا القزي (مارونية) من منصبها كرئيس لدائرة الشؤون المالية في المديرية العامة لتحلّ محلها موظفة برتبة مراقب تدعى تغريد بعلبكي مقرّبةً منه. ونَقل المراقب السنّي عبد الحميد جمال من منصبه كرئيس فريق في جمارك المسافرين في المطار لتحلّ محلّه موظفة شيعية تدعى ميرنا أحمد عاصي، مع العِلم أنّ رئيس الفريق الثاني هو أيضاً شيعي ويدعى حسن الحسيني.

تخفيضات الغرامات

من أبرز الروايات المتناقلة داخل أروقة الجمارك، اعتراض العقيد في الجمارك فادي أبي كنعان إحدى الشحنات المهرّبة عبر مطار بيروت من جماعات معروفة بنشاطها في هذا المجال، فصُبّ جام الغضب عليه وركبَت التركيبات لزجّه في السجن اعتباطياً.

وعلى رغم الإفراج عن أبي كنعان وعدم ملاحقته إلّا أنّ حقوقه التقاعدية لم تصَفَّ حتى الآن، خصوصاً أنّ أكثر من ستة أشهر مرّت على إحالته إلى التقاعد لبلوغه السنّ القانونية، في حين أنّ المسؤول الجمركي الكبير خَفّض الغرامة عن المهرّبين من 500 مليون ليرة إلى 150 مليون ليرة.

لم يعُد لبنان يتحمّل مزيداً من الفساد والهدر وسوء الإدارة في مؤسساته، ولو كانت النوايا صادقة في مكافحة التهريب المعروف خطّ سَيره، لأمكنَ للجمارك نصب حواجز على طريق الكحّالة، إذا كانوا لا يستطيعون ضبط الحدود في القصير، لكنّ كلّ هذه المعطيات تدلّ على أنّ الهدف من وراء هذه القرارات معروف، والمعروف أكثر مَن هي الجهة المستفيدة منها، لذلك يجب التحرّك سريعاً لضبط الأمور ووقفِ الهدر واتّخاذ قرارات جريئة تعيد الحيوية إلى المرفأ، وتُخرجه من المحسوبيات والفئويّة.