تقدمي يا جانيت ييلين، أول محافظ بنك مركزي للعالم. الاحتياطي الفيدرالي الذي تترأسه أبقى أسعار الفائدة دون تغيير هذا الشهر حتى في الوقت الذي تفوق فيه الاقتصاد الأمريكي على توقعات الاحتياطي الفيدرالي وأمريكا وصلت تقريبا إلى هدفها من التوظيف الكامل. بدلا من التركيز على انتعاش الولايات المتحدة، أكدت ييلين على “التوقعات في الخارج”: تأثير مشاكل الأسواق الصينية والناشئة على الأسواق المالية.
لا ينبغي على الأمريكيين القلق: فهذا ليس إنشاء الاحتياطي العالمي، حيث دور الدولار بوصفه عملة رئيسية في العالم يتفوق على الاحتياجات النقدية المحلية. بدلا من ذلك، ييلين وزملاؤها يشعرون بالقلق من أن تباطؤ الصين يؤثر في الاقتصاد الأمريكي عبر عملة أقوى وأسواق متقلبة.
لكن طريقة رد فعل المستثمرين أشارت إلى أن لديهم الآن بنكا مركزيا ذا عقلية عالمية، وهو بنك يحاذر من إعادة خلق المشاكل التي أشعلت الأسواق الناشئة في الماضي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة. الأسهم والعملات والسندات في الأسواق الناشئة ارتفعت، بينما انخفضت هوامش عقود التأمين ضد إعسار السندات، لأن تصور المخاطر التي يواجهها قد تقلص.
في الوقت نفسه، انخفضت أسهم الأسواق المتقدمة في حين تراجع الدولار، وارتكب المستثمرون الخطأ المعتاد المتمثل في افتراض أن الاحتياطي الفيدرالي هو أفضل من يفهم الوضع، وبالتالي عندما يشعر البنك بالقلق، هم أيضا يقلقون.
هل يشير هذا إلى تغيير كبير في سلوك الاحتياطي الفيدرالي؟ في الماضي، كان الاحتياطي الفيدرالي يميل إلى تجاهل مشاكل الأسواق الناشئة إلى أن تصل إلى شواطيء الولايات المتحدة.
لننظر إلى التسعينيات: زيادات الاحتياطي الفيدرالي النشطة لأسعار الفائدة في عام 1994 ساهمت في أزمة التيكيلا في المكسيك، لكن الاحتياطي الفيدرالي لم يشعر بأنه ملزم بالمساعدة على تجنبها. وفي عام 1997 تم أخيرا فك الارتباط بين البات التايلاندي والدولار، لكن الاحتياطي الفيدرالي لم يخفف السياسة النقدية مع انتشار الأزمة الآسيوية حتى أدى عجز روسيا عن السداد بعد عام إلى تفجير شركة لونج تيرم كابيتال مانجمنت في وول ستريت، وتهديد النظام المالي في الولايات المتحدة.
الآن بعض الأمور تغيرت. حاليا الأسواق الناشئة تمثل نصف الاقتصاد العالمي وأكثر من نصف الصادرات الأمريكية. لذلك التأثير المباشر على الولايات المتحدة من ضعف الطلب والعملات في الأسواق الناشئة أصبح أكبر من قبل.
لكن منذ أزمة الأسواق الناشئة الأولى في العشرينيات من القرن التاسع عشر، الخطر الحقيقي على العالم المتقدم كان ماليا، حين كانت هناك خسائر كبيرة في المضاربات على مشاريع الأسواق الناشئة. وخروج أموال الاستثمار وهروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة يشير إلى أن هذا يبقى الخطر الأكبر.
مع ذلك، من بعض النواحي المهمة، الأمر مختلف هذه المرة. لا يوجد لدى أي من بلدان الأسواق الناشئة الكبيرة أسعار صرف ثابتة، لذلك تحملت عملتها بعضا من الضغوط المالية. أيضا احتياطيات العملة الأجنبية في الأسواق الناشئة هي أكبر مما كانت من قبل. البلدان والأقوى تستطيع تحمل تعويض سحوبات رؤوس الأموال حتى بمستويات عالية جدا لأعوام، إذا أرادت ذلك.
بطريقة ما هذا يمكن أن يكون بشرى سارة بالنسبة للأسواق المتقدمة. لنأخذ إعادة تدوير إيرادات الدولار من البلدان المصدرة للنفط. في الماضي كانت الأموال تتدفق من مستهلكي البلدان الغنية إلى البلدان النفطية. لتجنب ارتفاع قيمة العملة، كانت تتم إعادة الأموال على الفور، ليتم استثمارها في سندات الخزانة الأمريكية، أو مشاريع الأسهم والعقارات. ولأن النفط رخيص الآن، مستهلكو البلدان الغنية يملكون مزيدا من الأموال في جيوبهم، لكن بلدان النفط تخفض من استثماراتها للحفاظ على مستوياتها المعيشية ودعم العملات.
الآثار متشابكة. بيع السندات (وربما مقتنيات أخرى) يؤدي إلى رفع العوائد وانخفاض مضاعفات التقييم. لكن إذا أنفق المستهلكون النقود الإضافية التي لديهم الآن، فإن إيرادات وأرباح الشركات ينبغي أن ترتفع، وتتحسن الاقتصادات المتقدمة. ارتفاع الأرباح يعوض النسبة المنخفضة في مضاعف السعر إلى الأرباح، والشارع الرئيسي “مين ستريت” سيستفيد وسيكون “وول ستريت”، بصورة عامة، في وضع جيد.
شيء مماثل ينطبق على احتياطيات الأسواق الناشئة غير المصدرة للنفط، التي في معظمها على شكل سندات أمريكية. مع ذهاب التدفقات في الاتجاه المعاكس، فإنها تبيع مقتنياتها – ما يدفع مختصي الاقتصاد في دويتشه بانك إلى الحديث عن “التشديد الكمي”، حيث مبيعات البنوك المركزية في الأسواق الناشئة تمارس ضغطا معاكسا على عمليات شراء السندات بموجب برنامج التسهيل الكمي من الاحتياطي الفيدرالي.
لكن هذا فقط هو نصف القصة. كل دولار من مبيعات، مثلا، بنك الشعب الصيني تعطي دولارا إلى شخص يأخذ الأموال خارج البلاد. إذا تم استثمار تلك الأموال، سواء في سندات الخزانة الأمريكية أو الأسهم الأمريكية، فإنها تعوض تأثير البيع الرسمي. لكن إذا تم إنفاقها، فإنها تزيد من الطلب في العالم المتقدم، ربما على العقارات أو السلع الفاخرة.
هناك مجال لثغرات خطيرة. فضلا عن مشاعر اللبس حول ما إذا كان المستهلكون سينفقون أو يدخرون الأموال، فإن الانتقال من القطاع الرسمي إلى المستثمرين في القطاع الخاص يمكن أن يؤدي إلى تحولات كبيرة في نوع الأصول المحتفظ بها، وإحداث تقلبات كبيرة في الأسعار على المدى القصير. وقد ظهر التقلب بالفعل، الأمر الذي يخلق المخاطر بالنسبة للنظام المالي.
الأمل الآن هو أن الاختلالات التي تراكمت حين أفرط المستثمرون في الحماسة حول الأسواق الناشئة، يمكن أن تتفكك دون أن تستثير انهيار المصارف، أو حالات الركود، أو حالات الإعسار. لا يعطينا التاريخ تأييدا يذكر لهذه الفكرة، لكن يبدو الاحتياطي الفيدرالي راغبا في تقديم بعض المساعدة على الأقل. الاحتياطي الفيدرالي ربما لا يكون تماما هو البنك المركزي للعالم، لكنه يستجيب الآن للجيشان في الأسواق الناشئة في وقت أبكر كثيرا مما كان يفعل في العادة.