اوضحت المفوّض العام لشؤون اللاجئين في لبنان ميراي جيرار في حديث لصحيفة “السفير” أن عدد السوريين في لبنان تراجع بسبب عمليات إعادة التوطين والتدابير الحكومية اللبنانية بشأنهم، بالإضافة إلى لجوء عدد منهم إلى الهجرة غير الشرعية عبر البحر. تقول إن بعضهم “يخاف مما قد يحمله الشتاء معه من برد وجوع، لذلك يخاطرون بحياتهم وحياة ذويهم للانتقال إلى بلدان أكثر أماناً”. وتؤكد أن المفوضية تكثف جهودها لمضاعفة عملية إعادة التوطين “كي لا يضطر السوريون إلى الهجرة غير الشرعية التي تعرّضهم للخطر”. ومن أسباب انخفاض عدد المسجلين لديها، عمليات الشطب التي أتت على نحو 58 ألفاً خلال شهر آب الماضي، و32 ألفاً خلال أيلول ليصبح مجموع الذين شطبوا عن لوائح المفوضية نحو 139 ألفاً خلال العام 2015. فعلياً لم يعد ثمة أثر لهؤلاء على الأراضي اللبنانية، وهو السبب وراء شطبهم، كما تقول جيرار “فالمفوضية لا تقوم بشطب أي لاجئ عن لوائحها الّا بعد التقصّي عنه لمدّة أشهر وأشهر، والتأكّد من أنه ما عاد موجوداً في لبنان، سواء من خلال الاتصال به أو زيارة المواقع التي كان يتواجد فيها والاستفسار عن مكانه من جيرانه وأقاربه”. وهي تُعلم وزارة الشؤون الاجتماعية دورياً بأسماء وأعداد الذين تمّ شطبهم، تماماً كما تعلم الوزارات المختصّة بالحالات الإنسانية الملحّة التي تعتبر إدخالها إلى لبنان أمرا مصيريا. وهو إجراء بدأت تأخذه المفوضية منذ أن تمّ تطبيق منع إدخال النازحين السوريين إلى لبنان في الخامس من كانون الثاني الماضي.
وإذ تثني جيرار على العلاقة القائمة بين المفوضية والدولة اللبنانية والجهود التي تقوم بها الحكومة لتحمّل أعباء أعداد الوافدين، تلفت إلى المشاكل التي تواجه العاملين لدى المفوضيّة جراء الروتين الإداري الذي يعيق الاستجابة الفورية في عدد من الحالات. مع هذا لا يبدو أن عين “المفوضيّة العليا لشؤون اللاجئين” مفتوحة على الممارسات اللبنانية، ذاك لأن الوضع المأساوي للنازحين وصل إلى حدّ تصعب معالجته من الداخل، وتتطلّب كرماً دولياً غير مسبوق سواء بزيادة الأموال المرصودة للإغاثة أو بإتاحة عدد أكبر من الأماكن أمامهم في رحاب الدول الكبرى وغيرها مما يضمن لهم عيشاً كريماً.
في ما يعرف بدول المنطقة، أي الدول المحيطة بسوريا والتي تستضيف سوريين، على المفوضيّة أن تتوجّه إلى الأشدّ عوزاً من بين النازحين. تأسف جيرار من تصرفات مسؤولي المفوضية الذين يجب أن يختاروا من بين الفقراء وأنه “علينا أن نقول لا لأشخاص ندرك أنهم ليسوا بحاجة إلى تقديماتنا”. وهي تستعين بالأرقام لتشرح واقع الحال الذي يؤدي بالمفوضية إلى تصنيف النازحين بين الفقير والأشد فقراً. تقول إنه من خلال النداء الإنساني الأخير للأزمة السورية، طالبت المفوضية بـ 2.1 مليار دولار لإغاثة السوريين والدول المضيفة لهم، لكنّها عادت وخفّضته إلى 1.8 مليار دولار في تموز الماضي. ومع ذلك لم تحصل منه الا على نحو 40 في المئة “ما يعني أنه لن تتم الاستجابة إلى ندائنا بالكامل هذا العام”، تعلّق. كما تلفت إلى أن التقديمات الغذائية انخفضت من 27 دولاراً للفرد في الشهر إلى 13.5 دولاراً للفرد في الشهر، ولا يمكن أن تتجاوز مجموع الخمسة أفراد إذا كانت العائلة أكبر من ذلك. وهي تصل إلى 55 في المئة من العائلات. أما تقديمات الشتاء فهي ضئيلة جدّاً إلى حدّ قد يتأثر به حتى من يقطن في أماكن عالية وشديدة البرد، ما يجعل أرباب العائلات أمام واحد من خيارين: إما الطعام وإما التدفئة.
وأمام هذا الواقع، تجد جيرار نفسها مضّطرة إلى التوجّه إلى من هم أكثر فقراً وأشدّ عوزاً.
وإذا كان الطعام والتدفئة ترفاً فكيف إذاً بالعلم؟ هناك فقط 106 الآف تلميذ سوري ملتحق بالمدارس من أصل نحو 400 ألف، وذلك بعد أن أرغمت الأوضاع البائسة نحو 6 آلاف عائلة إلى إبقاء أولادها في البيت أو دفعهم نحو العمل، إن توفر لهم ذلك.
وتجهد المفوضية اليوم، كما تروي جيرار، لحثّ الأهل على تسجيل أولادهم، لا سيّما أن وزارة التربية وضعت أكثر من مئة مدرسة جديدة بتصرّف النازحين لتلقي دروسهم في فترة بعد الظهر، ما يخفف من أعباء التنقل بالنسبة لعدد منهم. وهي تهدف بذلك إلى إعادة نحو 200 ألف إلى مقاعد الدراسة هذا العام.
على صعيد آخر، يبدو أنه تمّ التخلّي عن فكرة إنشاء مخيمات للنازحين السوريين إلى لبنان، وكما تقول جيرار “توزّعهم على كل الأراضي اللبنانية أفضل لهم ويخفف العبء عن مناطق محدّدة كما سيكون الحال في حال إقامة مخيمات”، مضيفة أنه “حتى الحكومة اللبنانية ما زالت تعارض مبدأ إقامتها”.
في المقابل، ما زالت مسألة تسجيل حديثي الولادة بين السوريين مدار سجال حكومي. ووفق إحصاءات المفوضية نحو 72 في المئة من تلك الحالات ما زال من دون تسجيل. ومع ذلك تقوم المفوضية بتسجيل المولود حديثاً في سجلّاتها، وتحثّ الأهل على اتباع الاجراءات القانونية التي تقضي بتسجيل أطفالهم لدى مختار البلدة التي يقطنون فيها، كما في دوائر النفوس وسجلات الداخلية المخصصة للأجانب.
باختصار، يدعو الواقع إلى مطالبة المفوضية الدول الكبرى باستقبال أعداد أكبر من اللاجئين السوريين. وتلفت جيرار بهذا الخصوص الى أن الدول الأوروبية استقبلت إلى الآن نحو 120 ألف لاجئ سوري، وأن المفوضية تحثها على استقبال المزيد وعلى تنظيم مراكز استقبال لهم حيث يمكن إرشادهم ومساعدتهم على التأقلم في البلد الجديد. وتؤكد أن المفوّض العام أنطونيو غوتيريس يصرّ على مبدأ مشاركة الأعباء واستضافة أعداد إضافية، مهما كانت الصيغة التي يتم اعتمادها لاستقبال اللاجئ (طالب، أم لمّ الشمل، أم إقامة موقتة…).
يذكر أنه منذ العام 2013 تمت إعادة توطين نحو 107 آلاف نازح سوري من لبنان، من بينهم 8800 نازح هذا العام، “وهو رقم ضئيل بالمقارنة مع أعداد النازحين التي يستقبلها لبنان ودول الجوار” وفق جيرار التي تختم بأن “الوضع يزداد سوءاً ونحن فعلاً بحاجة إلى شتّى أنواع المساعدة”.