IMLebanon

برلين: مدينة ثقافية وقبلة للشركات الناشئة

Startup-berlin-germany
حتى أوائل العقد الماضي لم تكن برلين موقعا لجذب الاستثمار والتجارة بشكل قوي، غير أن الشركات الناشئة اكتشفتها لاحقا لميزات عديدة. فما هي تلك الميزات؟ وكيف تتحول المدينة الآن إلى مركز عالمي لتكنولوجيا الإنترنت والمعلومات؟

حتى قبل عشر سنوات كان الانطباع السائد عن برلين أنها “فقيرة لكنها مغرية”، على حد قول عمدتها السابق كلاوس فوفرايت، أما اليوم فليست المدينة وجهة رئيسية للسياح من مختلف أنحاء العالم فقط، بل أضحت أيضا مركزا مزدهرا للعلوم والتكنولوجيا. فهي تشهد شهريا ولادة أكثر من 35 شركة ناشئة، والقطاع الأكبر منها يرتبط بمجالات الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات على اختلافها. ولعل شركات مثل ساوند كلاود/ SoundCloudللخدمات الموسيقية و”ريسيرش جيت/ Research Gateللخدمات البحثية وزلاندو/ Zalandoللتجارة الإلكترونية أو روكيت إنترنت Rocket Internet هي من الشركات الرائدة التي تتخذ من العاصمة الألمانية مركزا لأعمالها. وحسب التصنيف العالمي للشركات الناشئة لعام 2015/ Clobal Startup Ecosystem Ranking فقد احتلت برلين المركز العاشر عالميا والثاني أوروبيا بعد لندن على صعيد حجم أنشطة الشركات الناشئة. وخلال العامين الماضيين تضاعف حجم الاستثمارات في هذه الشركات ليصل إلى ملياري دولار متجاوزا بذلك مستوى الحجم الذي استقطبته لندن. وجاء في دراسة لمؤسسة مك كينزي العالمية/ McKinseyأن برلين تتمتع بمقومات تؤهلها لأن تصبح عاصمة الشركات الناشئة في أوروبا. وتركز هذه الشركات على قطاعي الإنترنت والمعلوماتية. وهو الأمر الذي يضع برلين في مسار طريق “وادي سيليكون” Silicon Valleyجديد على مستوى أوروبا والعالم.

مقارنة في التكاليف

روبرت م. ماير المدير التنفيذي في شركة فيجيوال ميتا المساهمة/ Visual Meta GmbHللتجارة الإلكترونية يرى في مقابلة مع DWبأن ما يؤهل برلين لجذب الشركات الناشئة أكثر من أية مدينة ألمانية أخرى يعود بالدرجة الأولى إلى وجود عدد كبير من الكوادر الشابة والمتخصصة فيها جاؤوا من دول كثيرة ويتمتعون بميزة إتقان لغاتها الأم التي تساعد شركات مثل شركتنا على توسيع أعمالها لتشمل 19 دولة حتى الآن. إضافة إلى ذلك تتمتع برلين بالإطار القانوني الضامن للاستثمار، كما يوجد فيها عدد كبير من المستثمرين الباحثين عن فرص في الشركات الناشئة. بدوره عبر مدير التسويق للشرق الأوسط في شركة إنترنت كارمودي Carmudiالمتخصصة في مجال السيارات، فتحي عبد المنعم عن اعتقاده في مقابلة مع DWبأن برلين توفر بالمجمل المقومات اللازمة لنجاح الشركات الناشئة. فهي مدينة جاذبة بشكل خاص، لديها ابداع وجرأة واستعدادا لخوض غمار المغامرة. وتتمتع برلين بميزة التكاليف متوسطة الحجم على صعيد متطلبات الحياة اليومية وأجور السكن والمكاتب، وهي تكاليف أقل بكثير من مثيلاتها في ميونيخ أو لندن أو باريس وغيرها من مدن وعواصم أوروبية أخرى. وبالفعل ووفقا لمكتب الإحصاء الألماني فقد يمكن استئجار مكتب في موقع جيد بتكلفة 700 إلى 800 يورو شهريا في العاصمة برلين، في حين يكلف استئجار مكتب مشابه في ميونيخ أو باريس أو لندن ضعف أو ضعفي هذا المبلغ.

عقبات على أصعدة كثيرة

غير أن المقومات الجيدة التي توفرها برلين للشركات الناشئة تصطدم بعقبات أبرزها البيروقراطية وحاجز اللغة. “أحيانا تجد شركة ناشئة في برلين شخصا مناسبا جدا لها من خارج الاتحاد الأوروبي، غير أن الوثائق اللازمة لإحضاره إلى ألمانيا معقدة وتحتاج لوقت طويل قد يكون خلاله وجد عملا في بلد آخر وسافر إليه”، كما يلاحظ عبد المنعم. وبدوره يشتكي روبرت ماير من هذا الوضع مشيرا إلى مشكلة إضافية في هذا السياق تتعلق بموظفي الدوائر الحكومية المسؤولة عن تأشيرات الدخول وتصاريح العمل والإقامة، “غالبا لا يتقن هؤلاء الإنجليزية، مما يصعب وضع العاملين لدينا”، وفي بعض الأحيان تقوم السلطات أو صناع القرار السياسي بوضع قوانين تعرقل عمل الشركات عوض تسهيله”، كما يقول ماير. وإذا كان الكثير من القادمين للعمل في برلين يشتكون من إشكالية اللغة الألمانية في الدوائر الرسمية، فإن باسل زاهد القادم من سوريا والمتخصص في أنظمة لينوكس بشركة فيجيوال ميتا المساهمة، يرى من جانبه بأنه يمكن للمرء خارج هذه الدوائر تمشية أموره بالانجليزية أو بالأسبانية وإلى حد ما بالعربية. أما الألمانية التي من الضروري تعلمها فقد تحتاج لوقت أطول مقارنة بلغات أخرى كالإنجليزية.

برلين قبلة للشباب المبدع

رغم العراقيل التي سبق ذكرها تستمر برلين في جذب الكفاءات الشابة من ألمانيا وخارجها، ليس فقط لكونها تتيح فرصا متزايدة للتعلم والعمل، بل أيضا لأنها مدينة عالمية يلقى الغريب فيها مناخ التسامح والترحاب حسب باسل “يمكنك هنا إيجاد كل ما تشتهيه بأسعار معتدلة، وهذا ما ينطبق أيضا على إيجارات السكن”. قبل شهرين حضر باسل وهو مواطن سوري إلى برلين من لبنان بعدما وجد عملا في شركة، “كنت خائفا بسبب اللغة، غير أنني الآن لا أريد العيش في مكان آخر بعدما تعرفت على برلين وبدأت أستمتع بأنماط حياة متنوعة وغنية بفضل الثقافات التي تحتضنها المدينة من مختلف القارات. ويوافقه في هذا الرأي فتحي عبد المنعم الذي تعجبه في برلين أشياء كثيرة، في مقدمتها أيضا التعددية الثقافية إضافة إلى البنية التحتية الممتازة فيها مقارنة بالقاهرة التي قدم منها. وقد أضحت برلين حسب عبد المنعم قبلة للشباب الألماني وغير الألماني الساعي إلى اكتساب الخبرة وتطبيق أفكاره الخلاقة.