من يرى أن الإنسانية بصدد التحول في المستقبل القريب إلى نظام طاقة خال من الكربون، إنما يحدق في سراب.
فيليب لامبيرت
هل صناعة الوقود الأحفوري في سبيلها إلى سقوط كبير؟ مارك كارني يعتقد أنها قد تكون. هذا الأسبوع حذر محافظ بنك إنجلترا الشركات التي تحرق الوقود الأحفوري، أو تنقب لاستخراجه من الأرض، من أن الغالبية العظمى من احتياطيات الوقود الأحفوري في العالم يمكن أن تكون “عالقة”، وأنها أصبحت “غير قابلة للاحتراق حرفيا من دون تكنولوجيا التقاط الكربون المكلفة”.
يجب عليك أن تكون قادرا على أن تأخذ وجهة نظر مسؤول البنك المركزي على محمل الثقة. علينا ألا ننسى أن كارني ليس رجلا يشكل آراءه باستهانة. في الشهر الماضي أصدر بنك إنجلترا أحدث تقرير للتضخم، وثيقة مكونة من 46 صفحة تزخر بالرسوم البيانية والأرقام حول كل شيء ابتداء من ثقة مديري المشتريات إلى عدد الساعات الإضافية التي يقول العمال إنهم سيقضونها في العمل لو أنهم فقط تمكنوا من العثور على وظيفة. هذا التقرير إنجاز كبير لأبحاث لا يمكن أن يضطلع بها أناس يعملون في مجالات أخرى، إلا إذا كانوا على وشك إجراء تغيير عجيب في مسار عملهم. لكن عندما انتهى كارني وزملاؤه من دراسة البيانات، قرروا الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير عند 0.5 في المائة للشهر الـ 77 على التوالي.
هذه العادة للتحليل الدقيق هي أيضا واجب، لأن مسؤولي البنوك المركزية يمارسون تأثيرا هائلا. في العادة هم يستخدمون هذا النفوذ لجعل الاقتصاد أكثر استقرارا. (لماذا البريطانيون على وجه العموم يتوقعون من العصر الحالي للتضخم المنخفض للغاية أن يكون قصيرا؟ السبب في ذلك إلى حد كبير هو لأن البنك يعتقد ذلك أيضا). وفي العادة يتجنبون التصريحات التي يمكن أن تعرض صدقيتهم للخطر. هذه ليست مؤسسة تشعر بالارتياح لفهم الأمور على نحو خاطئ.
لذلك ربما تكون قد افترضْتَ، عندما سمعت كارني يتحدث عن احتمال تدمير الصناعات التي تمثل نحو ثلث قيمة أسواق الأسهم والسندات في العالم، أن كلماته مدعومة بأدلة قوية. ما الذي يمكن أن يكون عليه هذا الدليل؟
ليس الأمر أن استهلاك الطاقة آخذ في الانخفاض. بل على العكس تماما؛ مليارات من الناس في آسيا وإفريقيا وأماكن أخرى يتمتعون الآن بحياة أفضل إلى حد كبير لأن العالم ينتج سنويا ضعف الطاقة التي كان ينتجها في 1980- 85 في المائة منها مستمدة من الوقود الأحفوري. وتعتقد وكالة الطاقة الدولية أن الطلب على الطاقة سيزداد بنسبة أخرى تبلغ 30 في المائة بحلول عام 2040. إذا كانت هذه التوقعات صحيحة في جزء منها، فسيتم استخراج احتياطيات الوقود الأحفوري بسرعة أكبر في السنوات المقبلة – ولن تكون عالقة في باطن الأرض.
هل يمكن للطلب المتزايد على الطاقة أن يكتفي بمصادر أخرى غير الوقود الأحفوري؟ لا يوجد أي دليل على أنه يمكن أن يكون كذلك. أي شخص يرى أن الإنسانية بصدد التحول في المستقبل القريب إلى نظام طاقة خال من الكربون، واسع ومعقول الأسعار، إنما هو شخص يحدق في سراب.
تصريحات كارني لم تستند إلى أي توقعات لما سيحدث فعلا في أسواق الطاقة، إنما استندت إلى “ميزانية الكربون” الصادرة عن الفريق الحكومي الدولي المعني بتغيُّر المناخ. إنها تقديرات جمعها باحثون في مجال المناخ تتعلق بمقدار ثاني أكسيد الكربون الذي تستطيع الإنسانية أن تنفثه إذا كانت تريد فرصة معقولة للحد من ارتفاع درجات الحرارة درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. الحد من الانبعاثات هو بالطبع الهدف الصحيح، لكن الحقيقة المزعجة هي أن تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الذي تحقق في العالم الصناعي إما كان مكلفا بشكل لا يطاق، وإما أصبح ممكنا بسبب مزيج وقود أحفوري مختلف.
في الفئة الأولى توجد طاقة الرياح والطاقة الشمسية – التكنولوجيا التي اختارتها ألمانيا، والتي تحققت مؤهلاتها البيئية بتكلفة ضخمة على المستهلكين والشركات. في جميع أنحاء العالم، هذه الصناعات استهلكت كميات هائلة من رأس المال في السنوات العشر الماضية، ومع ذلك لم تقدم سوى نسبة ضئيلة من احتياجات الطاقة العالمية. بالطبع هناك مكان لتوليد كهرباء خالية من الكربون، لكن من الحماقة أن نعتقد أن هذه التكنولوجيا التي لا تزال في مراحلها الأولى هي في أي مكان قريبة من جعل الوقود الأحفوري غير اقتصادي.
حققت الولايات المتحدة تخفيضات كبيرة في انبعاثات الكربون في الوقت الذي عززت فيه القدرة التنافسية الاقتصادية من خلال الاستثمار المكثف في مزيج مختلف من الوقود الأحفوري. في العقد الماضي تمكنت صناعة الغاز الصخري من فطم مولدات الكهرباء عن العمل بالفحم الحجري، الذي هو أقذر بكثير من النفط. إنها ثورة ما كان لها أن تحدث قط لو كان المنقبون عن الغاز يئسوا من رفع احتياطياتهم فوق سطح الأرض.
هذا اليأس الذي يعتبر في غير محله ويأتي بنتائج عكسية، هو بالضبط ما يمكن أن يتولد عن التصريحات التي من قبيل تصريحات كارني. المستثمرون منذ الآن قلقون من احتمال أن تعمل الأخطاء غير المقصودة من قبل الحكومات والهيئات التنظيمية على تجريد الأصول المفيدة من قيمتها. هذا سيردعهم عن ضخ مئات المليارات من الدولارات في استثمارات حيوية جديدة في طاقة إنتاج النفط والغاز.
هذا من شأنه تجريد مليارات الناس في البلدان النامية من أفضل فرصة لهم للإفلات من الفقر. ومن شأنه أن يمنع الصناعة العالمية من التحول من الفحم الحجري إلى أنواع الوقود الأحفوري الأنظف. ستكون تلك مأساة – وهي مأساة لا داعي لأن تتحملها الإنسانية.