ستون دولاراً أميركياً هي قيمة إنخفاض سعر برميل النفط بين أعلى نقطة له في العام 2014 وسعر اليوم. وتعود أسباب هذا الإنخفاض إلى عوامل إقتصادية وجيوسياسية. فكيف لروسيا، المُتضرّر الأول من هذا الإنخفاض، قدرة على فتح حرب في سوريا مع تآكل إحتياطها من العملات الأجنبية؟.
أشعلت الأزمة الأوكرانية حرباً باردة جديدة بين روسيا والغرب على الصعيد السياسي، العسكري والإقتصادي. وشكّل إحتلال القرم من قبل الروس ودعمهم للمتمردين في جنوب شرق أوكرانيا،إشارة الإنطلاق لعقوبات إقتصادية غربية على روسيا بهدف لجم شهيتها العسكرية. إلا أن هذه العقوبات لم يكن لها من مفعول آني على الاقتصاد الروسي نظراً لحجم السوق الإستهلاكي وغناه بالمواد الأولية وإستمرار التبادل التجاري مع بعض الدول النامية. لذا كان من الضروري بالنسبة للغرب أن تكون هناك ضربة قوية للإقتصاد الروسي تلجم مطامع بوتين في بلدان أوروبا الشرقية.
وهنا كانت فكرة الغرب بخفض أسعار النفط إلى مستويات متدنية وذلك بهدف حرمان الخزينة الروسية من قسم كبير من مداخيل النفط والتي تُشكل 80% من مجمل مداخيل الخزينة الروسية. وهذا ما يؤدي دون شك إلى إنهيار في سعر صرف الروبل الروسي مقابل العملات الأخرى. لكن تخفيض سعر النفط لم يكن مُمكناً عبر خفض الطلب، لأن العادة السارية هي أنه عند إنخفاض الطلب ولكي تحافظ دول الأوبك على أسعار عالية، كانت تعمد إلى خفض الإنتاج وبالتالي موازاة الطلب ما يعني المُحافظة على أسعار عالية. من هنا كان التعاون الأميركي مع الحليف الإقليمي – اي المملكة العربية السعودية – لتنفيذ هذه الخطة عبر المحافظة على مستويات عالية من الإنتاج وبالتالي فائض في العرض ما يدفع الأسعار إلى الإنخفاض.
وبقيت هناك مخاوف من أن تعمد بعض دول الأوبك إلى خفض إنتاجها للمحافظة على سعر عال، لكن السعودية تملك قدرة إنتاجية إضافية بقيمة مليوني برميل يومياً غير مُستخدمة. ما يعني أن أي خفض للإنتاج من بعض دول الأوبك، ستعوضه المملكة بإنتاج إضافي.
لكن هذه الخطة لضرب الاقتصاد الروسي وإضعاف تمويله كان لها فوائد أخرى تمثّلت بإضعاف أيران مالياً. فالنفوذ الإيراني كان في إزدياد مُستمرّ في منطقة الشرق الأوسط وذلك على الرغم من العقوبات الإقتصادية التي فرضها الغرب والأمم المُتحدة على الاقتصاد الإيراني ومؤسساته المصرفية. وهذا التمدّد في النفود الإيراني، لم يكن بالطبع مرحباً به من قبل الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية، بل على العكس أظهرت هذه الدول مخاوف من تمدد هذا النفوذ إلى مناطق جغرافية أخرى في العالم العربي. لذا كان لخفض سعر برميل النفط أثر كبير على مداخيل الجمهورية الإسلامية، وبالتالي لجم قدرتها على تمويل حلفائها في المنطقة.
المُفاجأة الروسية
في عالم الإقتصاد، يُعتبر الإحتياط من العملات الأجنبية عاملاً أساسياً لإمتصاص تداعيات أي أزمة إقتصادية أو سياسية أو أمنية. وبالتالي فإن أي دولة تشنّ حرباً، يقلّ إحتياطها بشكل تلقائي نتيجة عاملين: الأول الدفاع عن العملة الوطنية والثاني تمويل العمليات العسكرية. والخطة الغربية بخفض أسعار النفط تهدف قبل كل شيء إلى ضرب إحتياط روسيا من العملات الأجنبية ما يجعلها عاجزة عن تمويل حروبها إن في أوكرانيا أو في أي دولة أخرى. وبالفعل تضرر الإحتياط الروسي من العملات الأجنبية إذا إنخفض من 510 مليار دولار أميركي في أول العام 2014 إلى 368 مليار في أيلول 2015. ومن المُتوقع أن يستمر بالإنخفاض تحت تأثير العقوبات المفروضة على روسيا وتحت تأثير إستمرار أسعار النفط على المستوى الحالي.
لكن المفاجأة الروسية والتي تمثلّت بدخولها المُستنقع السوري، تطرح السؤال حول قدرة روسيا على تمويل عملياتها العسكرية مع الأخذ بعين الإعتبار خسارتها لأكثر من 100 مليار دولار من إحتياطها في ظرف عام واحد. بالطبع، إن العمليات العسكرية الروسية في سوريا مُكلفة وقد تصل إلى مئات الملايين من الدولارات في اليوم الواحد بحسب حجم العمليات. وعلى سبيل المثال، إبان عدوان تموز 2006، كانت الكلفة اليومية لعمليات الجيش الإسرائيلي على لبنان توازي 370 مليون دولار!.
كيف يُمكن لروسيا تمويل حربها في سوريا؟
هناك إحتمالات عديدة أمام الكرملين لتمويل العمليات العسكرية في سوريا . لكن قبل الغوص في هذه السيناريوهات يجب معرفة أن الكلفة الأكبر تأتي من الوقود والصواريخ.
في ما يخص الوقود، يجب عدم نسيان أن روسيا دولة مُنتجة للنفط وبالتالي يُمكن لها أن تجلب المخزون من روسيا، لكن أيضاً يُمكن لحظ إمكانية الإعتماد على نفط سوريا أو إيران في هذه العملية. من هنا نتوقع أن تتم مهاجمة آبار النفط في سوريا التي تُسيطر عليها التنظيمات المُسلّحة لكي يتمكن الروس من الإستفادة منها. أما في ما يخص الصواريخ، فإن الإنتاج الروسي منها وفير والسبب يعود إلى الأزمة الجيورجية والتي دفعت بالسلطات الروسية إلى تحديث ترسانتها الصاروخية بالتعاون مع الصين، وزادت هذه الإستعدادات أكثر مع الأزمة الأوكرانية.
لكن بالطبع كل هذه النفقات لن تكون مجانية ولا بد لسوريا أن تدفع قسما منها على الأقل. وهذا يُمكن أن يتمّ عبر عقود التنقيب عن النفط مقابل السواحل السورية وعقود إعادة بناء سوريا التي ستذهب بشكل حصري إلى روسيا.
في الختام لا بد من القول أن روسيا ستستخدم ورقة التدخل العسكري في سوريا لكي تُحاول رفع العقوبات عنها. وما يُبرر هذا الإحتمال، الخوف الغربي من أن تمتد أثار الحرب ضد التنظيمات المُسلّحة في سوريا إلى الدول النفطية المُجاورة وهذا ما لن تسمح به الولايات المُتحدّة الأميركية.