فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العالم بقراره التدخل العسكري المباشر والعلني لمحاولة منع النظام السوري من السقوط وحماية الرئيس بشار الأسد. وقد حصل بوتين على تغطية مباشرة وعلنية من الكنيسة الروسية التي أعلنت أن “الحرب على الإرهاب مقدّسة”، ورشّ كهنة روس الطائرات الحربية بالماء المقدّس.
في السياسة تبدو المصالح الروسية واضحة. فموسكو لن تتخلى عن مرفئها الوحيد على حوض البحر الأبيض المتوسط، والذي بات يطلّ على ثروات نفطية وغازية كبيرة. كما أن بوتين دعم الرئيس السوري بشار الأسد بخبرائه العسكريين، كما بغطاء دبلوماسي توّجه بسلسلة من الفيتوات في مجلس الأمن منعت صدور أي قرار بتدخل عسكري يؤدي الى إسقاط “طاغية دمشق” رغم كل مجازره وجرائم حربه وارتكاباته.
وبالتالي يدرك القيصر الروسي أنه هو من يجب أن يحصّل كل المكتسبات في سوريا في المرحلة المقبلة، أيا تكن معالمها.
وبهذا المعنى، فإن “الاستعراض” العسكري الروسي يبدو وكأنه رسالة موجّهة الى طهران أكثر منها الى واشنطن والعواصم الغربية التي تنظر بارتياح ضمني الى غرق موسكو في الوحول السورية، في استعادة يأملها البيت الأبيض لمشاهد أفغانستان قبل عقود.
وإذا كان بعض المتفائلين في محور الممانعة يتمنون أن تشكل خاتمة الأزمة السورية صورة معاكسة لخاتمة أزمة الصواريخ الكوبية في تشرين الأول 1962، لناحية وضوح ضعف إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مقابل عنجهية بوتين وإقدامه على إطلاق الغارات الجوية على كل القوى المعارضة للأسد، فإن ما يفوتهم هو أن التنسيق الروسي مع تل أبيب هو في أعلى مستوياته، وبالتالي فإن واشنطن لا تستشعر أي خطر على أمنها وأمن حلفائها في المنطقة. كما أن الدول العربية، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية تفضّل من دون أدنى شك رؤية العلم الروسي يرفرف على الأراضي السورية على رؤية العلم الإيراني.
أما في الميدانيات، فيبقى السؤال الأبرز: هل تكفي الضربات الجوية الروسية لردع قوات المعارضة السورية ومنع تهديد دمشق؟ وهل ينتقل بوتين الى استعمال قوات مشاة في الداخل السوري للدفاع عن عاصمة الأمويين وربما للهجوم واستعادة المبادرة على أكثر من محور كان خسره النظام السوري؟ وأي كلفة سيرتبها هذا التدخل العسكري سواء على علاقة موسكو بكل من طهران و”حزب الله” أو لناحية من سيسدّد التكاليف المادية للضربات الجوية في محور يعاني الأمرّين مادياً بفعل انهيار أسعار البترول عالمياً وانهيار سعر صرف الروبل الروسي وتلاشي أي إمكانات مادية لنظام الأسد المتهاوي منذ سنوات؟ وهل سيقبض الروس التعويض المادي من الغاز السوري في أعماق المتوسط؟
أما الأسئلة الانسانية المشروعة فتتركز حول توقيت التدخل الروسي اليوم وليس حين قامت “داعش” بضرب المسيحيين في سوريا والعراق وتهجيرهم وتدمير كنائسهم وأديارهم وقتل كهنتهم وخطف مطارنتهم؟ وكيف يمكن وصف الحرب بالمقدسة حين يكون هدفها الدفاع عن بشار الأسد رغم كل جرائمه في حين تقاعست موسكو عن تحريك جندي واحد دفاعاً عن “المقامات” المسيحية في سوريا؟