عوامل الطقس تحارب المزارع أحياناً أكثر من سوء تصريف الانتاج وعدم اهتمام الدولة بالقطاع الزراعي. هذا العام سجّل إنتاج التفاح تراجعاً في بعض المناطق بسبب تساقط البرد في فصل الربيع، وما تلاه من موجة حر شديد.
إنتاج التفاح “تراجع هذا العام بنحو 40%”، وفق ما يقوله رئيس نقابة مستوردي الخضار والفاكهة في لبنان نعيم خليل، الذي أعلن أن “عدد التجار الذين يقومون بشراء مواسم التفاح قليل جدا”. في المقابل، رأى رئيس جمعية المزارعين أنطوان حويك في حديث لـ”المدن”، أن “هذه النسبة مُضخمّة والتراجع في الإنتاج لم يتعد 30% تقريباً”. وردّ سبب هذا التراجع إلى “عوامل الطقس الاستثنائية التي شهدها لبنان”، مشيرا الى أن “باقي الزراعات تحسن إنتاجها خلال السنوات العشر الاخيرة”.
التناقض في المعطيات يردّه المزارع حبيب صدقة، إلى أن عوامل الطقس أثرت على إنتاج بعض المناطق اللبنانية دون غيرها. وشدد صدقة في حديث لـ”المدن” على أن “موسم التفاح هذا العام في منطقة ترشيش، لم يتراجع، وحجم التفاح ونوعيته جيدان جدا لأن البَرَد لم يصل إلينا، وقد تراوح الانتاج بين الـ30 الى 35 ألف صندوق”. هذا الكلام أكده رئيس تجمّع تعاونيات التفاح في لبنان غابي سمعان الذي نفى في حديث لـ”المدن” ما يشاع عن تراجع في الإنتاج، موضحا أن “المشكلة في التصدير والتسويق، فالسوق يغرق بالتفاح اللبناني”، لكنه أسف لأن قطاع التفاح “متروك”، وهو يعاني “منذ أكثر من 3 سنوات، والحالة مزرية لاسيما هذا العام في ظل إقفال المعابر البرية والكلفة المرتفعة للتصدير البحري”.
نوعية التفاح تحسنت وزادت زراعته، وكثر المستثمرون في هذا القطاع، إلاّ أن الافق مسدود. فبحسب سمعان “كنا نصدّر بين 30 و40 ألف طن، ويستهلك لبنان نحو 40 ألف طن، أي ما معدّله نحو 100 ألف طن سنوياً، لكن هذا العام يتراوح الانتاج بين 160 و170 ألف طن، ولم مؤشرات حتى اللحظة على إمكانية تصريفه، لافتا الى أن “التصدير لم يتخطَ الـ70 الف طن في العام الماضي”. سمعان ذكر أن “الانتاج تراجع العام الماضي بسبب الطقس. أما هذا العام فمن المتوقع أن يكون أفضل”. معتبرا أن التضارب في الآراء سببه أن “هناك من يلعب دور التاجر والمُصدّر ويتحايل على المزارع ليحصل على أفضل سعر ممكن”.
إلاّ أن كلام سمعان ناقضه كلام رئيس لجنة الاقتصاد في “غرفة تجارة وصناعة وزراعة زحلة والبقاع” طوني طعمة الذي لفت في حديث لـ”المدن” الى أن “هذا العام عوامل الطقس أثّرت بشكل خاص على العنب والتفاح الذي تراجع إنتاجه بنسبة تفاوتت بين الـ50% الى الـ70% حسب المناطق”. مشيرا الى أن “إنتاج التفاح في لبنان معدّله 10 مليون صندوق سنوياً، وكل صندوق يحتوي على 20 -22 كيلوغراماً، لكن هذا العام بلغ الانتاج بحده الاقصى، من 5 الى 6 مليون صندوق”. وإقفال المعابر مع سوريا أثر أيضا على تصريف الانتاج، إضافة الى تأخُّر إنطلاق التصدير البحري الذي بدأ عمليا منذ نحو أسبوع، حيث يتم دعم كل شاحنة تفاح مُبرّدة بـ2150 دولار، ما قد يساهم في تنشيط التصدير”.
وأوضح أن “سعر صندوق التفاح تراوح هذا العام بين 10 و20 ألف ليرة بحسب نوعيته، أي بمعدل 15 ألف ليرة للصندوق، مسجلا تراجعا عن العام الماضي حيث كان يبلغ سعره 30 ألف ليرة، أي أن معدل الكيلوغرام الواحد كان يبلغ 1500 ليرة (سعر الجملة)، بينما تراوح معدّله هذا العام بين الـ500 والـ1000 ليرة”.
ولفت طعمة الى أننا “نرتكز في تصريف الانتاج على الاسواق الخليجية والعربية، وبشكل خاص على مصر التي تستورد نحو 70% من إنتاج التفاح اللبناني، لكن في ظل الثورات والاحداث تراجعت هذه النسبة”، مؤكدا أن “معظم مزارعي التفاح يعانون من مشاكل مالية بسبب ارتفاع الكلفة، وللأسف لا يوجد دعم من الدولة، وصندوق الكوارث الطبيعية في أدراج مجلس النواب منذ العام 1964”.
مشكلة تصريف التفاح اللبناني تتفاقم وسط غياب الخطط المدروسة من الدولة لدعم المزارع الذي يعاني من ارتفاع كلفة الانتاج ومن مشكلة تخزين محاصيله وتصريفها. وقد جاء إقفال المعابر البرية ليشكّل ضربة جديدة للمزارعين الذين يعانون بسبب كساد مواسمهم تارة وعوامل الطبيعة تارة أخرى. لكن من ناحية أخرى، لا يمكن إغفال قضية “التلاعب” للحصول على اسعار أفضل، اذ ان ازمة المعابر باتت ثابتة، والسوق طوّرت آليات التعامل معها. واللافت أن الحديث عن أزمة التفاح اليوم يترافق مع تضارب في وجهات النظر حول وجود هذه الأزمة أصلاً، وبالتالي، فإن الحديث عن هذه المشكلة بشكل مفاجىء، يعزز فكرة “المؤامرة” للحصول على أسعار أفضل، لصالح التجار، لا المستهلكين.