Site icon IMLebanon

الدولة تدفع الملايين في «التحكيم» نتيجة الفساد والاهمال

رنا سعرتي
ليست قضية لجوء شركة «امبريال جيت» لمقاضاة لبنان لدى التحكيم الدولي بالظاهرة الجديدة. فلدى لبنان تاريخ طويل مع التحكيم الدولي، وميل فطري نحو دفع التعويضات والغرامات الى الشركات الاجنبية، نتيجة الاهمال والفساد المستشري في مؤسسات الدولة.
ليس خفيّا على أحد انّ تعاقد الدولة اللبنانية مع أي شركة اجنبية للاستثمار في لبنان، يقوم على مبدأ توزيع السمسرات وتقاسم الحصص، كضمانة لنجاح المناقصات والفوز بها.

هذا الشواذ الذي أصبح قاعدة، تقبّله المواطنون على مرّ السنين، رغم استنزاف المال العام عند كلّ مناقصة وتلزيم لمشاريع حياتية. لكنّ الاستهتار بالمال العام بلغ حدوده القصوى، مع عدم احترام الدولة للعقود المبرمة مع الشركات الاجنبية ودفعها الى مقاضاتها امام التحكيم الدولي، مما ادى الى تغريمها أموالا طائلة سُددت من «كيس المواطن».

في السنوات الماضية، تقدمت شركة «فرانس تيلكوم» بدعوى ضد الدولة اللبنانية بعد فسخ عقودها مع الحكومة في العام 2002، وتمكنت من الحصول على تعويض بلغ 180 مليون دولار من الدولة اللبنانية.

وبعيدا من قطاع الاتصالات، كان لقطاع الكهرباء حصّة أيضا، حيث لجأت شركة «آبينير» الاسبانية التي فازت بالشراكة مع شركة «بوتك» اللبنانية بإنشاء معمل دير عمار 2، الى التحكيم الدولي لمقاضاة الدولة اللبنانية ومطالبتها بتعويضات تبلغ مليون دولار، بعد ان تراجعت الحكومة في العام 2012 عن نتائج مناقصة دير عمار 2.

في العام 2014، لجأت شركة «BWSC» الدانماركية الى «نادي باريس» Club de Paris لتحصيل الغرامات المستحقة لها على الدولة اللبنانية بعد ان توقفت وزارة المال عن تسديد فواتير هذه الشركة ضمن العقد الموقع معها لتجهيز نحو 272 ميغاواط اضافية في معملي الزوق والجية الكهربائيين، وهو ما دفع الشركة الى المطالبة بغرامات تأخير تزيد عن نصف مليون يورو.

اما في قطاع الطيران، فقد تقدمت شركة الطيران Imperial Jet التي سحب منها الترخيص في العام 2009، بدعوى ضد الدولة اللبنانية لدى التحكيم الدولي مطالبة بملياري دولار كتعويض. وتسعى الحكومة اليوم الى اختيار مكتب المحاماة الذي سيدافع عن لبنان في قضية التحكيم مع شركة Imperial Jet، علما ان كلفة مكتب المحاماة الذي سيتم اختياره تتراوح وفقا لوزير العدل أشرف ريفي بين 400 ألف ومليون دولار.

مرقص

في هذا الاطار، أوضح الخبير في الشؤون القانونية د. بول مرقص انه بموجب وجود بند تحكيمي في العقد الموقع بين الدولة اللبنانية واي طرف آخر، تنتقل الصلاحية الى التحكيم وليس القضاء، مما يُلزم الطرفين اللجوء الى التحكيم كوسيلة لحلّ النزاعات.

وقال مرقص لـ«الجمهورية» انه بصرف النظر عن اي قضية مطروحة أمام التحكيم الدولي، فان اللجوء الى التحكيم في حدّ ذاته ليس أمرا سلبيّا، لأنه يخفف من الوقت والجهود والمبالغ الطائلة التي تُدفع عادةً في الوسائل التقليدية لحلّ النزاعات، أي القضاء. لكنّه اعتبر ان ظاهرة تكاثر النزاعات التحكيمية في وجه الدولة اللبنانية قد يؤشّر الى تخلّف وتقاعس الاخيرة عن الموجبات التعاقدية التي التزمت بها ضمن العقود المبرمة مع الشركات الاجنبية، مما يسمح لتلك الشركات باللجوء الى التحكيم وفقا لما ينصّ عليه البند التحكيمي.

واكد مرقص ان القرار الصادر عن التحكيم الدولي يُلزم الطرف المعنيّ الالتزام به حرفيّاً، شرط ان يكون القرار التحكيمي مبرما وفقا للاليات والقواعد والاصول المنصوص عليها في البند التحكيمي الوارد في العقد.

واشار الى ان التحكيم الدولي هو وسيلة غير تقليدية تجذب الشركات الاجنبية وتحفزّها على التعاقد مع الدولة اللبنانية، على اعتبار ان المستثمر الاجنبي يخشى من القضاء الوطني ويستنكف عن التعاقد معه ولا يُقبل على التعاقد مع دول من العالم الثالث لسبيبين: الاول، لأن الدولة تملك الافضلية لدى القضاء الوطني، والثاني لأن القضاء غالباً ما يكون غير مستقل ومرهقا وطويل الامد.

ورأى مرقص ان الوسيلة الافضل، هي دراسة العقود جيّدا قبل إبرامها، كي تكون البنود الواردة فيها متوازنة، إن لم تكن لمصلحة الدولة اللبنانية، وذلك لتجنّب النزاعات التحكيمية او القضائية التقليدية. كما لفت الى ضرورة تغليب مصلحة الدولة حيث أمكن، والتحوّط والحذر من ان الدولة اللبنانية غالبا ما تقع في تعطيل تشريعي وفراغ حكومي ورئاسي، يؤدي الى تأخرها عن دفع المستحقات في موعدها.