تقف “ثلاثية الحوار” التي يترأسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري والتي تستمر بدءاً من يوم غد الثلثاء حتى الخميس في 8 الجاري أمام معادلة من شقين لا مجال للتلاعب فيها أو إيجاد البديل منها.
الأول ـ كما تقول مصادر وزارية ونيابية لصحيفة “الحياة” “يكمن في عدم قدرة أي طرف الذهاب بعيداً في مغامرته السياسية الى حدود نسف الحوار وتعطيل جلساته، مع أنه ليس بالضرورة أن يؤدي هذا الحوار الى إيجاد الحد الأدنى من الحلول للمشكلات التي ما زالت عالقة وأولها إنهاء الشغور في سدة رئاسة الجمهورية بانتخاب رئيس جمهورية جديد للبنان، بينما الثاني يقوم على عدم وجود نية لدى هذا الطرف أو ذاك في تقديم تنازلات أو تسهيلات تدفع في اتجاه الوصول الى نتائج ملموسة”.
واكدت بأن “الحاجة لطاولة الحوار باتت في الوقت الحاضر أكثر من ضرورية في ضوء الحصيلة التي عاد بها رئيس الحكومة تمام سلام من نيويورك والتي من شأنها أن تبقي البلد على لائحة الانتظار، لأن الأزمة اللبنانية ليست حتى إشعار آخر ضمن “أجندة” الاهتمام الدولي والإقليمي المشغول حالياً في مواكبة التدخل العسكري الروسي في سورية الى جانب النظام فيها ضد قوى المعارضة”.
ولفتت هذه المصادر الى أن “الاهتمام الدولي والإقليمي بلبنان يبقى محصوراً في الحفاظ على الاستقرار فيه ومنع الإخلال بأمنه وإقحامه في حالة من الفوضى، وتؤكد بأن هذا يعني منع انهياره وإبقاءه بعيداً من دورات العنف والحرائق المشتعلة من حوله في أكثر من دولة، ليكون في وسعه الوقوف على قدميه حين إطلاق الصفارة الدولية في اتجاه الإفراج عن ملف الانتخابات الرئاسية في ضوء عجز اللبنانيين عن لبننة الاستحقاق الرئاسي”.
واوضحت أن “المجتمع الدولي المعني بلبنان يريد أن يبقى الوضع الراهن فيه تحت السيطرة ومنعه من الانفلات وصولاً الى دفعه للإنهيار الشامل وهذا ما يحتم على قواه التعاون لقطع الطريق على ارتفاع منسوب التوتر”.
اضافت: “ان على لبنان أن يتعايش مع مرحلة الانتظار لمصلحة تحقيق “المساكنة” ولو بحدودها الدنيا بين الأضداد فيه، وبالتالي يمكن أن يكون للحوار دور يؤمن له شبكة أمان رغم أنه لن يأتي بالمعجزات ولن يخرج عما هو مألوف في الحوار المفتوح بين تيار “المستقبل” و “حزب الله” برعاية الرئيس نبيه بري”.
وحذرت المصادر الوزارية والنيابية من “لجوء هذا الطرف أو ذاك الى الاستقواء بالتدخل العسكري الروسي في سورية بغية العمل من أجل قلب الطاولة في وجه خصومه المحليين، وترى أنه من السابق لأوانه الارتكاز الى هذا التدخل نظراً لأنه لا يزال في بدايته ومن الأفضل للبنانيين التريث في اتخاذ أي موقف غير محسوب، خصوصاً أن تداعياته ما زالت تتفاعل ولم تستقر حتى الساعة على أسس واضحة”.
وأعربت عن اعتقادها بأن “هذا التدخل يجب أن يكون حافزاً للجميع لضبط أعصابه وعدم الإنجرار وراء مواقفه العاطفية طالما أن مفاعيله ما زالت في طورها الأول، وتنصح المتحمسين له بعدم الإقدام منذ الآن وبشكل متسرع على دعسة ناقصة من شأنها أن تقحمه في حسابات غير واقعية تتعلق بملف الانتخابات الرئاسية”.
ورأت أن “هناك ضرورة تستدعي من المشاركين التواضع وعدم النفخ في الحوار وصولاً الى تحميله أثقالاً تفوق قدرته، وتقول إن الأولويات يجب أن تبقى محصورة في توفير الحلول للمشكلات اليومية من أزمة النفايات الى الكهرباء، لا سيما أن الرئيس سلام عاد من نيويورك حاملاً معه “جائزة ترضية” عنوانها الأول والأخير “يتمحور حول دعمنا للإستقرار في بلدكم طالما أن أزمتكم ليست مدرجة على جدول أعمال المجتمع الدولي، إضافة الى دعمكم في خفض كلفة فاتورة الانتظار الى حين الالتفات الى مشكلاتكم”.
واستبعدت المصادر “غياب رئيس “تكتل التغيير والإصلاح” النائب ميشال عون عن ثلاثية الحوار رغم أنه هدّد بالمقاطعة، وتقول إنه سيشارك حكماً في الحوار ولن ينتدب على الأقل في المدى المنظور من ينوب عنه، مع أن ترقية الضباط ومن بينهم قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز أصبحت مستعصية وهي في حاجة الى تذليل الاعتراضات وما أكثرها”.
وأكدت بأن “عون الذي يقدم نفسه على أنه المرشح الأقوى لرئاسة الجمهورية لا يستطيع أن يغيب عن الحوار أو أن يقاطعه، وإلا فإن غيابه سيرتد سلباً عليه لجهة أن من يرفض الجلوس مع خصومه على طاولة الحوار ليس مؤهلاً لخوض معركة الرئاسة الأولى وإلا لماذا يضيق ذرعاً من محاورة من يناصبه الاختلاف في المواقف”.
وتردد بأن الرئيس بري بات على يقين بأن عون سيحضر شخصياً الى ساحة النجمة للمشاركة في الحوار، وهذا ما تم تأكيده من خلال التواصل مع حليفه «حزب الله» أو عبر موفد عون الدائم الى عين التينة ـ مقر الرئاسة الثانية ـ وزير التربية إلياس بو صعب. وعليه فإن سلام يتريث حالياً في دعوة مجلس الوزراء للإنعقاد الى حين انتهاء ثلاثية الحوار وهذا ما اتفق عليه في اتصاله بالرئيس بري فور عودته من نيويورك. ويأتي تريث سلام، الذي لا مفر منه، ليس استجابة لرغبة بري فحسب وإنما للوقوف على رأي المشاركين في الحوار في دعوته مجلس الوزراء للاإعقاد، رغم أنه كان لمّح الى أنه سيدعوه الى جلسة طارئة تسبق استئناف الحوار في ثلاثية “ماراثونية”، بحسب “الحياة”.
وفي هذا السياق، استبعدت المصادر أن “تكون لدى سلام رغبة في قلب الطاولة في محاولة منه لتحميل مسؤولية استمرار تعطيل جلسات مجلس الوزراء للذين يغيبون عنها، وتعزو السبب الى أن كلام رئيس الحكومة قبل أن يتوجه الى نيويورك هو غيره فور عودته منها بعد أن لمس عن كثب بأن الاهتمام الدولي بلبنان لا يزال في الثلاجة ومن المبكر وضع أزمته على نار حامية”.
واكدت أن “لا خيار أمام سلام سوى التفاهم مع بري على تدوير الزوايا، خصوصاً أن استحضار ملف الترقيات العسكرية الى طاولة الحوار ليس مطروحاً وهو متروك للمشاورات الجانبية، إلا إذا طرأ ما يستدعي النظر فيه، لا سيما أن إعادة طرح الموضوع من دون تأمين التوافق سيفتح الباب أمام مزيد من التوتر في داخل قاعة الحوار”.
وفي معرض الحديث عن الترقيات، سألت المصادر عن “صحة ما أشيع من أن مسؤولين في “التيار الوطني الحر” لا يرون ضرورة لتحويل مسألة ترقية روكز الى “قضية أساسية تتطلب منا تقديم تنازلات سياسية في مكان آخر ـ أي في صيغة العمل الحكومي ـ طالما أن ترقيته لن تفتح الباب أمام ترشحه لمنصب قائد الجيش؟”.
وسألت المصادر عن “موقف “التيار الوطني” من كل ما بدأ يتردد من أن ترقيته، مع أنه يحتل المرتبة 14 بين العمداء الموارنة المرشحين لرتبة لواء، تثير تأففاً لدى الشارع الماروني بذريعة أنه يقفز فوق جميع من يتقدمونه في الرتبة نفسها وأن العماد عون ليس مضطراً لأن يخوض معركة شخصية لمصلحته، مع أن الكلمة الفصل في هذا المجال متروكة لروكز شخصياً الذي لديه الكثير ليقوله إذا ما تعثرت تسوية ترقية الضباط على قاعدة أنه لا يركض وراء ترقيته ولم يطلب من هذا أو ذاك أن يقاتل لأجله”.
في ضوء كل ذلك لا بد من رصد تعاطي بري مع ثلاثية الحوار الذي يراد منه تمديد فترة الانتظار في أقل ضرر، الى أن يصبح لبنان موضع اهتمام المجتمع الدولي، “فهل سيحسن رئيس المجلس كما عودنا ـ بحسب المصادر ـ سياسة تدوير الزوايا وكيف سيستوعب قوى 14 آذار التي تعطي الأولوية لانتخاب الرئيس؟”.