أصاب رئيس الحكومة تمام سلام عندما حذّر من الوصول إلى الانهيار الكامل للبنان بقوله: «إن أبرز مؤشرات هكذا انهيار قد لا يكون سياسياً أو أمنياً، بقدر ما قد يكون اقتصادياً – اجتماعياً».
ففي قراءة واقعية لمؤشرات الاقتصاد الحقيقي ولمسار الوضع الاجتماعي في العام 2015 يمكن التأكيد، بل والحسم، بأن الاقتصاد خطا خطوات متقدمة على طريق الانهيار، وأن الوضع الاجتماعي تعدى الخطوط الحمراء وأمسى يُهدّد بانفجار طبقي، انطلاقاً من حجم التفاوت الفاضح في المداخيل والثروة بين اللبنانيين، حيث تتمركز الثروات بيد أقل من 10 في المئة من اللبنانيين.
المؤشرات والنتائج الاقتصادية والمالية خلال السنوات الأربع الماضية كانت سلبية بكل المقاييس، لاعتبارات محض سياسية وأمنية محلية واقتصادية، وهي، أي تلك المؤشرات، قابلة لمزيد من التراجع في قابل الأيام ما لم يُصرّ إلى حصرها ووقف تداعياتها على مجمل الوضع اللبناني.
ليس طبيعياً أن يسجل ميزان المدفوعات خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة الحالية عجزاً مقداره 1317 مليون دولار مقابل فائض فاق 130 مليوناً في الفترة ذاتها من العام 2014.
وأمر خطير أن يرتفع عجز المالية العامة، وهو الأخ التوأم للعجز الخارجي (ميزان المدفوعات) خلال النصف الأوّل من العام 2015 مقارنة مع العام 2014 بما مقداره 313 مليار ليرة وما نسبته 13.2 في المئة، وذلك نتيجة ضعف الإيرادات أكثر منه عن زيادة النفقات.
وليس من الطبيعي أن تتراجع نسبة نمو ودائع غير المقيمين لدى الجهاز المصرفي من 3.1 في المئة في الأشهر السبعة الأولى من العام 2014 إلى 2.8 في المئة في الفترة ذاتها من العام 2015. كما من الخطورة بمكان استمرار تراجع حركة الصادرات، وحركة القطاع السياحي، وشح الرساميل الأجنبية المباشرة، وضعف الاستثمارات المحلية والخارجية، لا سيما منها العربية.
ومن مظاهر الانهيار أيضاً تراجع «قاتل» في قطاع العقار، وتخفيض التصنيف السيادي للدولة اللبنانية، وتعثر مئات المؤسسات، وتجاوز الدين العام عتبة الـ70 مليار دولار (134.5٪ من الناتج المحلي) وارتفاع عجز الموازنة إلى الناتج إلى نحو 8.6 في المئة.
وإلي جانب المؤشرات الخطيرة الآنفة الذكر هناك الخلل الكبير في التركيبة الاجتماعية، إذ أن معدلات البطالة تنمو بشكل متسارع (أكثر من 15٪)، وترتفع معدلات الهجرة إلى أرقام قياسية وتنخفض نسب النمو إلى الصفر.
وليس من المقبول أن تتراجع حركة نمو الاستثمار الحقيقي من 11.4 في المئة في 2013 إلى 2.0 في المئة في العام 2014.
باختصار، إن مؤشرات الاقتصاد، كما مؤشرات المالية العامة، ليست أبداً في وضع صحي، كما أن الوضع الاجتماعي مأزوم، الأمر الذي يضع لبنان، وكما قال الرئيس سلام، أمام خطر الانهيار.
مرجع اقتصادي كبير قال لـ«اللواء»: «إن الاقتصاد اللبناني يُعاني من اختلالات بنيوية خطيرة نتيجة الوضع السياسي المأزوم محلياً، ونتيجة تداعيات الأزمة السورية، الاقتصادية والاجتماعية على الداخل اللبناني (مسألة النازحين السوريين)».
ويتابع المرجع بالقول: «إن الأوضاع صعبة وخطيرة وأن المطلوب «جرعات دعم سياسية» من الداخل أولاً (انتخاب رئيس للجمهورية وتفعيل عمل المؤسسات الدستورية) وثانياً من الخارج (دعم مالي لتغطية تكلفة وجود النازحين السوريين، ولإعطاء تطمينات سياسية حاسمة بخصوص هذا النزوح)».
ويختم المرجع الاقتصادي بالقول: «إن على الحكومة إعلان حال طوارئ اقتصادية واجتماعية والتحرك فوراً من أجل «لملمة» واحتواء مخاطر الأزمة التي يُعاني منها الاقتصاد، كما المالية العامة، ولو في الحدّ الأدنى، ذلك لأن ترك الأمور على ما هي عليه سيوصلنا حتماً إلى الانهيار الذي حذّر منه الرئيس سلام.