عندما نتحدّث عن عجز مالي شهري بقيمة ملياري ليرة لبنانية في “مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي”، يصبح الحديث عن استمرار هذا المرفق العام أمراً شبه مستحيل، إلا، في حال تنفيذ إصلاحات جذرية، وإعادة هيكلية المستشفى على كافة الأصعدة، والأهم من هذا وذاك، ولضمان عدم انهياره، على المعنيين العمل على سد مكامن الهدر والفساد فيه، وكف يد النافذين والسياسيين عنه.
فبعد سلسلة تحقيقات نشرتها “المدن” في وقت سابق، والتي تضمنت الكثير من التجاوزات والمخالفات الفاضحة في مستشفى الحريري الحكومي، عن أعوام سابقة وبعضها يعود الى العام الجاري، مدعّمة بأسماء عدد من المساهمين بتراكم العجز وإرساء الفوضى، تلتقي “المدن” المدير العام للمستشفى الدكتور فراس الأبيض، بعد مرور نحو 5 أشهر على تسلّمه مهامه، وكان الحوار التالي:
عندما أنشئ مستشفى الحريري الجامعي كان منافساً لكبرى المستشفيات الخاصة. كيف تصنّف اليوم الخدمات الطبية والاستشفائية في المستشفى؟
إن الكادر الطبي والتمريضي كان ولا يزال ذا مستوى يتراوح بين جيد وجيد جداً، لكن الظروف الصعبة التي مر بها المستشفى انعكست بطبيعة الحال على خدماته، ومع الأسف فالمستشفى دخل في دوامة مترابطة وخطيرة، فالأزمة المالية خفّضت نوعية الخدمات في السنوات الأخيرة، ومن شأن ذلك أن يُخفّض أعداد المرضى، وبانخفاض هذه الأعداد تنخفض بطبيعة الحال العائدات المالية، وبالتالي يتجه المستشفى الى تراكم العجز، لذلك لا بد من كسر هذه الحلقة المترابطة في مكان ما.
ما الأسباب التي أدت الى وقوع المستشفى في عجز مالي كبير، هدّد بانهياره في فترة من الفترات؟
الأسباب المباشرة وغير المباشرة ترتبط بتقصير الجهات الضامنة المتعاقدة مع المستشفى، بالوفاء بالتزاماتها بشكل مستمر، وتحميل المستشفى أعباءً إضافية تفوق قدرته في كثير من الأحيان، مثل اعتماده كمؤسسة تقوم بدور تعليمي وتدريبي لطلاب جامعات عدة، بينها الجامعة اللبنانية، ويضاف الى ذلك ضغط اللاجئين السوريين الذين غالباً ما تتجاوز تكاليف علاجهم السقوف المالية المخصّصة لهم، والأخطر من كل ذلك وجود ثغرات وخلل في مصالح ودوائر في المستشفى، وقد لمسنا ذلك في تقارير شركة pwc الدولية التي أجرت عملية تدقيق في حسابات المستشفى بطلب منا.
كيف تعاطت الإدارة مع المخالفين والمساهمين في عجز المستشفى على مدى سنوات؟
المحاسبة تهدف الى خدمة الاصلاح وليس العكس، والحل في معاقبة المقصرين والمخالفين في المستشفى (وهم عشرات الأشخاص) لا يكمن في صرفهم من اعمالهم بل بإشراكهم في اصلاح المستشفى وخلق دور لهم في اعادة المرفق الى سابق عهده. وبعد هذه المرحلة، من يثبت عدم كفاءته أو سوء أمانته يصبح التصرف معه مغايراً ويكون الحل حينها بالعقاب المباشر.
ولكن في القضايا التي ثبت فيها سوء الأمانة وسوء استغلال الوظيفة، فقد حوِّل أصحابها الى القضاء ومنهم مَن يخضع حالياً لتحقيقات التفتيش المركزي في المستشفى. فنهج الإدارة الحالية لا يعتمد مقولة “عفى الله عما مضى” وستقوم الإدارة بمعاقبة كل من يثبت تقصيره او مخالفته.
ما هي الخطة الإصلاحية التي برأيك ستعيد المستشفى الى سكته الصحيحة؟ وهل اتّضحت الرؤية منذ البدء بتنفيذ إجراءات الخطة؟
بدأنا خطة إصلاحية، صارمة نوعاً ما، تهدف الى إعادة التوازن على المستوى المالي والاداري والهيكلي (الأبنية والمعدات والبنى التحتية، وغيرها). وعلى المستوى الإداري، كان من الواضح غياب النظام في المستشفى، وهذا الأمر يُعد من الأولويات لما له من أهمية قصوى في إدارة المستشفى، وعلى المستوى المالي كان حجم العجز في المستشفى نحو ملياري ليرة شهرياً وهذا الرقم الضخم يشير الى أنه مهما دفعت الدولة لا يمكن أن يستمر العمل في المؤسسة، كما لا يمكن ان يُضخ فيها هكذا مبلغ شهرياً.
ما فعلناه هو سياسة ترشيد للإنفاق عبر أمور عدة، أولها خفض المخصصات المالية المرتفعة، وإعادة التفاوض على بعض العقود مع الموردين، ما أدى الى ضبط الإنفاق بنحو 10% حتى اليوم، كما جرت إعادة هيكلة في المستشفى أدت الى توفير مبالغ كبيرة. وعلى سبيل المثال، تم جمع أقسام مع بعضها والإستغناء عن خدمات لا حاجة إليها، والأهم من ذلك تم تحويل العاملين الفائضين في بعض الأقسام الى أقسام أخرى أكثر حاجة إليهم.
… والنتيجة؟
هذه الإجراءات جميعها أدت الى خفض الإنفاق وتسريع دورة العمل وتنشيطها، ما ساهم بالتالي في خفض العجز المالي الشهري من مليارين ليرة الى مليار ونصف المليار ليرة أي أننا وفّرنا على المستشفى نحو 500 مليون ليرة شهرياً ما نسبته 25% من حجم العجز الشهري.