موسم التفاح هذه السنة ليس أفضل حالاً من المواسم السابقة، لا بل هو، وبحسب المزارعين، من أسوأ المواسم، ذلك أن الكوارث الطبيعية المتتالية واقفال الحدود البرية بسبب الأحداث السورية وما تلاها من أزمة شاحنات، وارتفاع كلفة النقل البحري واستغلال شركات النقل لهذه الأزمة تحديداً لجني أرباح اضافية، اضافة الى كلفة التبريد والتوضيب جراء الانقطاع الدائم في الطاقة الكهربائية، وكلفة الانتاج جعلت من الآمال والخطط التي وضعت تذهب هباء، وأتى الموسم دون الطموحات والمراهنات التي وضعها المزارعون عليه، لتصبح المبالغ المهدورة على الانتاج والمترافقة مع انتاج مخيب للآمال جعل من الأسعار، أسعاراً متدنية، بحيث بات سعر الصندوق الذي يزن عشرين كيلوغراماً لا يزيد على العشرة آلاف ليرة لبنانية، وهذا يعني خسائر كبيرة، إذا أضيف اليها سعر النقل الذي في الغالب يحسب من حساب المزارع وليس تاجر الجملة أو السمسار.
فوائد التفاح
واذا كان هناك موسم للفاكهة المنتشرة في وقت معين من السنة مثل موسم البطيخ في فصل الصيف، فالآن بلا شك هو موسم التفاح الأخضر الطازج، والذي فيه طعم حامض رائع، والتفاح الأحمر شديد الحلاوة والمليء بالعصير، والتفاح الأصفر بلون الذهب وبطعم متوازن من الحلاوة ولب ناعم سهل الأكل، إن التنوع الهائل في طعم التفاح وألوانه ومدى قساوة أو طراوة لبه وحلاوته تجعله فاكهة مميزة ومرغوبة سواء للأكل بين الوجبات أو للاستخدام في العصائر أو لعمل الحلويات أو حتى للاستخدام في الأطباق الرئيسية.
ويشير العديد من الدراسات إلى فوائد التفاح، وكثيرا ما نسمع «أن تناول تفاحة في اليوم تبعدك عن الطبيب كل ساعة» وربما يعتقد البعض أن فوائد التفاح على الصحة أمر مبالغ به، فهل تستحق ثمرة التفاح هذه المكانة المميزة بين الخضراوات والفواكه؟ فالتفاح يعد من الفواكه المفضلة لدى اللبنانيين، وهذا بالطبع لا يعود لطعمه اللذيذ فحسب، بل أيضا لفوائده الصحية، فالتفاح يحتوي على الكثير من المواد التي تجعله مميزا عن بقية الفواكه والخضراوات.
وأثبتت الكثير من التجارب أن التفاح يحمي الخلايا المناعية في الدم من السموم الموجودة في البيئة المحيطة.
خليل
رئيس نقابة مستوردي الخضار والفاكهة في لبنان نعيم خليل، اعتبر ان «التراجع هذا العام يصل الى 40 في المئة عن العام الماضي بسبب عوامل الطبيعة في فصل الربيع حيث تساقط حبات البرد والجليد الذي تبعه، لا سيما في جبل لبنان وقسم من البقاع وقسم من الشمال، اضافة الى الطقس الحار الذي ضرب لبنان حيث وصلت الحرارة الى 40 درجة، علما ان التفاح بحاجة الى طقس لا تتجاوز درجات حرارته 25 درجة، اي طقس غربي نوعاً ما ليأخذ التفاح لونه، وحان وقت القطاف والتفاح اصبح ناضجا لكن المشكلة لا لون عليه».
ويقول متحسراً: «نتمنى على المسؤولين في الدولة ان يعوضوا على مزارعي التفاح. فنحن اعتدنا عند كل كارثة واخرها منذ سنتين عندما قامت لجنة بزيارة البساتين المتضررة جراء العواصف وسجلت عدد الاشجار وما حل بكل منطقة الا ان فلسا واحدا لم يدفع لأي مزارع، وكأن مزارع التفاح في لبنان ليس ابن هذا البلد».
وشدد خليل على ان «افتتاح العام الدراسي، وبالتالي فتح المدارس ابوابها قبل تشرين الاول، يؤثر سلبا على المزارعين، فهم كانوا يتكلون على اولادهم بالمساعدة أو على بعض طلاب الجامعات الذين يقدمون ساعاتهم للمزارع او يقبضون القليل منه كمساعدة للمزارع اللبناني، لكن مع افتتاح المدارس تعطل معظمهم لا سيما ان اليد العاملة السورية اصبحت بحاجة لمن يكفلها، وهذه مشكلة اضافية تضاف الى مشاكل المزارعين». وعن التصدير هذا العام، قال: «الاتجاه هو نحو البحر فقط بالحاويات أو بالعبارة التي تقوم برحلاتها فقط على خطين وعلى متنها الشاحنات المبردة، والاهم هو المضاربة الموجودة في كل اسواق العالم مقابل البضائع اللبنانية. فالمصدرون في الدول الأوروبية لا يدفعون ضريبة الجمارك على بضائعهم، فهل يمكن ان نتساوى مع هؤلاء يوما ما؟».
والبارز هذا العام، ان عدد التجار الذين يقومون بشراء مواسم التفاح قليل جدا والتفاح «استوى» ويجب قطفه قبل ان تتساقط الامطار ويذهب الموسم كله.
المزارعون
ويقول المزارع عادل العلي من منطقة الشوف، هذا الموسم لا يختلف عن سواه، علما بأن موسم هذه السنة هو اقل من الموسم العادي، وقد تراجع نسبياً عن السنة الماضية، فأنا انتج حوالى 2500 صندوق فيما تخطى الانتاج العام الماضي حوالى3250 صندوقا، بسبب عوامل الطقس وتقلبات المناخ. وقد كان الانتاج على علو1100 متر اقل منه على علو منخفض.
وعن الأسعار، أوضح العلي أن «لا تسعيرة حتى الساعة للتفاح لأن التجار لم يتوافقوا على تسعيرة محددة وهم ينتظرون التوقيت الأنسب لوضع الأسعار».
وعن كيفية تصريف إنتاج الموسم، أوضح المزارع جورج خليل من منطقة كسروان العالي المعروفة بتفاحها المميز: نحن بانتظار الفرصة الأنسب والسعر الأحسن لنبيع، فالتصريف يتم من خلال بيع محصولنا الى التجار وهم بدورهم يبيعونه في الأسواق الخارجية كمصر وأن احتكار التجار للسوق هو الذي يحدد مصير الانتاج، والعبء الاقتصادي أصبح مكلفاً ومتعباً علينا، فالإنتاج بالكاد يقوم بكلفته الذي يصرف عليه من مياه ورش وأسمدة وتنقية.
واوضح: إذا بقيت الدولة مقصرة بالنسبة للتعويضات من جراء الطقس الحار الذي ضرب لبنان واثر على الموسم الحالي ستكون كارثة على المزارعين وعائلاتهم.
الأمراض
في هذا السياق، يقول الشيخ عاطف العلم وهو مزارع تفاح من منطقة عكار: ان الموسم هذا العام مخيب للآمال وشكل صدمة للمزارعين، بسبب التقلبات المناخية التي زادت الطين بلة، وتفشي أمراض متعددة بسبب هذه الظروف المناخية مثل النقشة السوداء التي تملأ الثمرة، والمن، والحشرات القشرية ودودة ثمار التفاح وأمراض فطرية كالعفن التاجي وجفاف الاغصان واللفحة النارية والتدرن وغيرها، ما انعكس سلباً على شراء المحصول من قبل التجار الذين يرفضون شراءه إلا باسعار متواضعة.
واشار الى انه «في العام الماضي كان لوزير الزراعة مبادرة مهمة تجاه المزارعين، فقد منع بيع الادوية الزراعية الا في الصيدليات الزراعية المرخص لها والتي تستوفي الشروط ولكن الامور عادت عشوائية ولم تستمر، لأن الرقابة دائماً تأتي كالفورة ثم تلوذ وتتلاشى وتذوي». وقامت جمعية «فور أفير» لدعم المزارعين، وضمن فريق عمل مؤلف من 25 شخصا من الرجال والنساء، بمساعدة عدد من المزارعين في بشري في قطاف موسم التفاح، بهدف دعم المزارعين في كل لبنان.
لكل موسم تفاح مشكلة او أزمة، هكذا يختصر مزارعو التفاح جنى عمرهم كل عام.