Site icon IMLebanon

النهار: الحوار يتخبّط بين أولوية الرئاسة والسلّة المتكاملة والترقية

ثلاثية الحوار لم تكتمل، بل صارت ثنائية، وربما في هذا المنطق مؤشر لعدم التقدّم، او اقلّه لتقدم بطيء جدا.

ربما وحدها الحكومة “ستنجو” في هذه الفترة عبر جلسة تكون مخصصة فقط للنفايات، لم يبت بعد “التيار الوطني الحر” موقفه النهائي منها، لكنه يتجه الى عدم العرقلة، “شرط ان يكون هناك جهد مشترك لتفعيل دور المؤسسات”، وفق ما تقول اوساطه لصحيفة “النهار”.

أما على الصعيد الرئاسي، فبرز اتجاهان في اليوم الحواري امس: الاول هو التركيز على البند الرئاسي كأولوية مطلقة، والثاني التركيز على سلّة متكاملة للحل.

عرّاب الاتجاه الاول كان فريق 14 آذار، وفي مقدّمه الرئيس فؤاد السنيورة والوزير بطرس حرب ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل. اما عراب الاتجاه الثاني فكان الرئيس نبيه بري ورئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط وامين سر “تكتل التغيير والاصلاح” النائب ابرهيم كنعان. وهذا ما دفع بجنبلاط الى التصريح علنا، وهي من المرات النادرة بعد الحوار، اذ قال: “لا نستطيع ان ننتخب رئيسا من دون سلّة متكاملة، كما اقترح الرئيس بري وأصاب”.

المعلوم أن السلّة تتكوّن من انتخاب رئيس وصولا الى انتخابات نيابية عبر اقرار قانون انتخاب جديد، فضلا عن تفعيل دور المؤسسات وتحديد آلية الحكومة.

هكذا وصفت اوساط المتحاورين لـ”النهار” “اجواء الجولة الصباحية بالافضل من الجولة المسائية”، وربما هذا ما دفع ببري الى رفع الجلسة الى 26 تشرين الاول الجاري، بدل اليوم، عازيا السبب الى سفره.

وخلال هذه الفترة، طلب بري من المتحاورين اعداد ملاحظاتهم على مواصفات الرئيس خطيا لتقديمها في الجلسة المقبلة.

واذا كانت البوصلة لا تزال تترّنح بين اتجاهي اولوية الرئاسة والسلّة المتكاملة، فإن مشروع الترقيات العسكرية سقط حتى اللحظة، على الرغم ان الموعد الداهم يقترب مع حلول 15 تشرين الاول الجاري، عبر احالة العميد شامل روكز على التقاعد.

مفاجأة فرنجية

المفاجأة المسائية أتت عندما طرح رئيس “تيار المردة” النائب سليمان فرنجية موضوع الترقيات، طالبا البحث فيها. عندها رفض كنعان، وقال: “انا سأخرج اذا طرح الموضوع”.

اجابه فرنجية: “أنا أطرحه وأريد أن أساهم في الحل عبر بناء ثقة بين المكونات والتوصل الى حل”.

فعلّق كنعان: “أنت تعرف ان الجنرال طلب عدم البحث في هذا الملف على الطاولة، لانه في الاساس لا علاقة له بجدول الاعمال”.

رد فرنجية: “اعرف. معك حق، لكن انا من سيطرحه للتوصل الى حل”.

فأصر كنعان على الرفض وعاد وذكرّ بأن “التيار الوطني كان في الاساس مع إقرار التعيينات في مجلس الوزراء، لانه حان استحقاقها، وهو يرفض تجاوز قانون الدفاع او احداث خلل على مستوى قيادة الجيش، الا ان هذا الامر لم يحصل ووقعت المخالفة، وبدأ الحديث عن طبخات ومخارج، ونحن لم ندخل في هذا الموضوع. لذلك، لن نطرح الامر”.

عند هذا الحد خرج كنعان.

واللافت ان طرح الموضوع أتى من حليف “التيار”، فرنجية، ولاقاه رئيس الحزب السوري القومي اسعد حردان وجنبلاط.

إلا انه وبعد نحو ربع ساعة، عاد وطلب من كنعان دخول القاعة واستكمال الحوار حول البند الرئاسي.

في هذه الجولة، لا جديد. لا يزال كل طرف يحدد مواصفاته.

كنعان تحدث عن “قاعدتين أساسيتين: الدستور والميثاق، أي الرئيس الذي يملك صفة تمثيلية وازنة في بيئته، وقانون انتخاب يقوم على النسبية ويؤمن المناصفة الفعلية”.

أما الجميل فأصرّ على الخروج من اصطفاف 8 و14 آذار، معتبرا ان “الانقسام السياسي لا يعطي أحدا الاكثرية، ولا بد للرئيس المقبل ان يكون منسجما مع الجميع ومنفتحا”.

فعلّق كنعان: “الانقسام السياسي عند المسيحيين ليس انقساما بل هو غنى وديموقراطية”.

وتدّخل حرب: “نريد ان نعرف هل فتح الانتخابات النيابية سيكون قبل الرئاسة او بعدها”.

أجابه بري: “لا ضير في التحدث عن سلّة متكاملة، فهذا يؤمن حلا سليما”.

وهنا عاد الحديث الى نقطة الصفر حول أولويات الرئاسة. وعند هذا الحد رفعت الجلسة.

نقاط التباين هذه بدأت تظهر ملامحها في الجلسة الصباحية التي ركزت على مواصفات الرئيس، من دون تقدّم.

صباحا، لم يطرح بري مواصفات بل قرّر ان يستمزج الاراء ليحاول التوصل الى قاعدة مشتركة، وتحدث عن “اعوجاج في النظام، وهذا ما يتطلب اقرار قانون انتخاب عادل”.

واذا كانت المواصفات التي أعطيت تركزت بمجملها على “عناوين استراتيجية كبرى”، فان الولوج الى التفاصيل لم يرُق بعد المتحاورين، لا سيما ان “الشيطان يكمن في هذه التفاصيل”.

ومن بين المتحدثين، الرئيس نجيب ميقاتي الذي انطلق من معادلة ان “يعود للجمهورية رأسها، والا نكابر ونتفنن في المطالب، لأن المرحلة الصعبة التي نعيشها لا تسمح بالكثير من الرفاهية في وضع الشروط. الاساس هو رئيس يعطي إنتخابه أملا للناس بامكان التغيير الايجابي، وألا يكون انتخابه امتدادا للاصطفافات السياسية الحادة، وان يحفظ ميثاق العيش المشترك، ويكون رئيسا مارونيا بالهوية، لبنانيا في الصميم”.

اما نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري فلخّص المسألة بمواصفات ست: “ان يكون ممثلاً حقيقياً لطائفته، أما معيار الشعبية فيأتي مكمّلاً، وان يكون رئيساً مقبولاً من كل الأطراف غير مكبّل بأحقاد وقادراً على التواصل مع الجميع. وعلى الرئيس ايضا ان يكون بشخصه طاولة حوار دائمة، وان يكون عازماً على إخراج لبنان من حريق المنطقة، ومنع انزلاقه إلى مشاكلها والا يتردد في مواجهة اي انتهاك للسيادة، وان تكون لديه القدرة والرؤية لقيادة ورشة إصلاح وتحديث اجتماعية واقتصادية، وان يكون نظيف الكفّ معروفاً بالنزاهة، كي تكون له صدقية في قيادة معركة مكافحة الفساد”.

“الرئيس القوي”، لا يزال عنوان المرحلة عند “حزب الله”، اذ اكد رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد “أهمية وجود رئيس يمثل الفريق الذي ينتمي اليه او يكون مقبولا من مكونات اخرى، مؤمنا بالشراكة الحقيقية وقادرا على تطبيق الدستور، وله حيثية شعبية، وان يشكل وصوله رسالة للوجود المسيحي ورسالة ايجابية لضمان المسيحيين مع لبنان والشرق”.

بين “الشخصية والموقع والسياسة”، قسّم الجميل مداخلته محددا مواصفات الرئيس. في الشخصية، شدد على “رئيس يتمتّع بالانفتاح واحترام وقبول الآخر، وبالنزاهة والكفاية والقدرة على فهم الملفات، وخصوصا المشاكل الاقتصادية ليواكب عمل مجلس الوزراء” .

وفي موقع الرئيس، دعا الجميّل الى “رئيس يكون مقبولا من فريق اساسي على الاقل من كل طائفة ليكون مقبولا وطنيا ويحظى بدعم من كتلة مسيحية على الاقل من 8 و14 آذار”.

وفي سياسة الرئيس، طالب “برئيس يلتزم مقدمة الدستور ويفتح ورشة التطوير ويسعى الى التوافق وايجاد الحلول للمشاكل ويلتزم الحياد تجاه الصراع في المنطقة”، وأكد مجددا رفضه “لمرشح التحدي”.

هكذا تشعبت المداخلات، وباتت المعادلة: “أسمع جعجعة ولا أرى طحنا”. والى 26 تشرين الاول، الموعد الجديد، وفي عين التينة كما اقترح الجميل “لإراحة وسط بيروت”، فاستجاب بري. وحتى تلك الساعة، قد يخلق الله ما لا تعلمون، ولا سيما على صعيد ” التيار الوطني” وامكان استمراره في الحوار.