لم يكن ملف الهجرة غير الشرعية وليد اليوم، ولكن سجلت قرى مصرية أرقاماً قياسية طيلة العقود الماضية في اغتيال أبنائها سواء في عرض البحر أو في جبال الصحراء، هروباً من الفقر والبطالة وبحثاً عن الدولار واليورو والثراء السريع.
ورغم انتشار الظاهرة على نطاق واسع في بعض المحافظات، وفي قرى معينة ومحددة ببعض المحافظات المصرية، ووجود سماسرة وتجار لعمليات الهجرة غير الشرعية وخاصة إلى إيطاليا وبعض دول أوروبا، وارتفاع سعر السفر بطرق غير شرعية لتصل إلى نحو 15 ألف دولار أي ما يعادل أكثر من 120 ألف جنيه مصر، حسب البلد الذي يرغب بالهجرة إليه وخطورة الطريق التي يسلكها.
ولكن مع تضييق السلطات الأمنية الخناق بدأت ظاهرة السفر عبر البحر تنكمش تدريجياً، ولكنها لم تتلاش حتى الآن.
لكن السماسرة وتجار الأرواح البشرية دائماً ما يبحثون عن كل جديد، فبعد توتر الساحة الليبية وصعوبة السفر إليها بطرق مشروعة، اتجهت أنظار التجار إلى الجبار والصحاري، ليبدؤوا في تجميع الشباب المصري الذي يبحث ليلاً ونهاراً عن طريقة للهروب من الفقر والبطالة، وتسفيره عبر الصحاري وبطرق غير مشروعة إلى الأراضي الليبية ليواجهوا مصيراً محتوماً، إما الموت جوعاً وعطشاً في الجبال أو برصاص قوت حرس الحدود أو على مشانق الجماعات الليبية المتشددة.
أخيراً وعقب عيد الفطر المبارك، قرر شاب صعيدي لا يتجاوز عمره 21 عاماً السفر إلى ليبيا، ولم يكن معه المبلغ المطلوب من قبل السماسرة والذي لا يقل عن 12 ألف جنيه، أي ما يعادل نحو 1500 دولار، وبضمانات كثيرة وافق السمسار على تسفيره على أن يحصل على المبلغ المطلوب بعد وصول الشاب إلى ليبيا والعمل وسداد المبلغ.
غالباً ما تبدأ مثل هذه الرحلات مع غروب الشمس، ليكون الوصول إلى منفذ السلوم الحدودي بين مصر وليبيا في منتصف الليل، حيث تصعب الرؤية وتكون حراسة الحدود قد خفت من قبضتها على الحدود، ليتسلم المسافرين بعد ذلك أحد المهربين الذي غالباً ما يكون في شكل عصابات، لينطلق بالجميع في سيارات دفع رباعي في الجبال لنحو 8 أو 10 ساعات، حسب ظروف الطريق.
يقول شريف محمد، أحد الشباب الذي خاض التجربة، إن السيارة الواحدة تحمل نحو 20 مسافراً، ولا يكون الجميع مصريين، فهناك جنسيات أخرى أيضاً يتم تسفيرهم بهذه الطريقة وخاصة السودانيين والتشاديين، ويشترط السائق عدم وجود أي صوت في السيارة مهما حدث في الطريق لتنطلق السيارات في الجبال خلف بعضها بعد منتصف الليل وبسرعات جنونية تصل إلى 200 كيلومتر في الساعة الواحدة رغم وعرة الطريق كونه جبلاً ليس ممهداً لسير السيارات، وبعد وصول هؤلاء الشباب إلى ليبيا يسافر الكثير منهم إلى أوروبا عبر البحر المتوسط.
وأضاف في حديثه لـ “العربية” أن المرة الأخيرة كان معنا شاب يدعى أحمد، وهو من أبناء محافظة المنيا، وبعد انطلاق السيارة بنحو ساعتين هاجمت السيارة قوات غير معروفة للتجار المرافقين لنا، وأطلقوا علينا وابلاً من الرصاص الحي ولم تتوقف السيارات، وأصيب أحمد بطلقة في كتفه، دفعته إلى أن يسقط من السيارة.
وأبلغنا السائق بذلك فلم يهتم بل هدد الجميع بأن من يتحدث سوف يواجه نفس مصير أحمد الذي سقط في الجبال غارقاً في دمائه، وبعد فترة وجدنا أنفسنا قد عدنا إلى الأراضي المصرية ولكن بدون أحمد.
أما أحمد الذي دفع حياته ثمناً لمحاولة الحصول على فرصة عمل ومساعدة أهله، فلم تتمكن أسرته من الحصول على جثته التي تم دفنها في الأراضي الليبية، وعقب وفاته بنحو 5 أيام، بعدما عثرت عليه إحدى الدوريات الأمنية وسلمت جثته إلى السلطات الليبية التي قامت بدورها باستدعاء مصريين آخرين تسلموا الجثة وقاموا بدفنها.
واستدل أهله على جثته من خلال الأوراق الرسمية التي كانت موجودة بجوار الجثة وتحفظت عليها الجهات الليبية، وتم تسليمها لأهله ولكن بعد أسبوعين من وفاته.