IMLebanon

الكهرباء … “المقطوعية” تحدد قيمة إستهلاك المصانع

Electricity
خضر حسان

ينتظر كُثر من أصحاب المنازل والمصانع والشركات الكبرى، ان يحالفهم الحظ في تأخّر الشركات مقدمي الخدمات، وقبل ذلك مؤسسة كهرباء لبنان، بتركيب العدادات والتمديدات المطلوبة، لإيصال الكهرباء الى مقدّم الطلب. ذلك لأن صاحب العلاقة، يستفيد بالحصول على الكهرباء مجاناً، خلال الفترة الممتدة بين تقديم الطلب وموعد تركيب المعدات المطلوبة، فبطبيعة الحال، قبل التركيب، لا يوجد أي آلية لضبط الإستهلاك وتسجيله

. هذه المعادلة ليست بالبساطة التي تبدو عليها، فهي لا تخضع دائماً لقواعد الروتين الإداري الذي يؤخر تلبية كل الطلبات. وبإستثناء منازل المواطنين “العاديين”، تخضع عملية تلبية طلبات أصحاب المصانع والشركات، لتأخير مقصود، بهدف الإستفادة من الرشاوى التي تمهّد لعلاقة منفعة متبادلة، يستفيد منها عامل الكهرباء المسؤول (مياوم أو موظف داخل المؤسسة)، إضافة إلى صاحب المنشأة. فالأول يكسب مالاً اضافياً، والثاني يدفع مبلغاً “مقطوعاً” أقل بكثير من قيمة فاتورة الكهرباء التي سيدفعها في حال وجود العداد بشكل رسمي. والمراقب لطلبات تركيب العدادات في أدراج مقدمي الخدمات، ومؤسسة الكهرباء، سيلاحظ، بحسب مصادر “المدن”، الكمية الكبيرة لهذه الطلبات، ومن خلالها، سيلاحظ حجم الهدر والفساد المستمر حتى اللحظة. ومن المعروف في هذا المجال، ان المنشآت الكبيرة، تحتاج الى تركيب خطوط للكهرباء، تُعرف بخطوط “3 فاز”، وفي هذه الحالة، يكون العامل المسؤول، امام صفقة “دسمة”، تستحق توظيف معارفه داخل المؤسسة ومقدمي الخدمات، من أجل “تنييم” المعاملة، وفق ما يُصطلح على تسميتها.

من جهة أخرى، تؤكد مصادر العمال لـ “المدن”، ان مثل هذه الصفقات، يكون أحياناً إلزامياً، أي أقرب الى فرض “خوّات” على أصحاب المنشآت، وأغلبهم من أصحاب المشاريع السكنية التي تكون قيد الإنشاء. فبعض العمال يلاحقون اصحاب المشاريع ويضغطون عليهم من أجل تسريع عملية تقديم طلبات تمديد الكهرباء، وحُكماً، فإن العامل المسؤول يبتز صاحب المشروع، إما عن طريق التلويح بتسريع انجاز المعاملة، وفي هذه الحالة، سيبدأ صاحب المنشأة بدفع رسوم الكهرباء، أو عبر “التلميح” بضرورة القيام “بالواجب” لتأجيل التنفيذ، أي القيام بدفع الرشوى. مصادر مقربة من الإدارة في كهرباء لبنان، تنفي لـ “المدن” حق صاحب المنشأة “التعليق” على كبلات الكهرباء، ما لم يحصل على موافقة فنية تفيد بجواز الحصول على الكهرباء، وبعد دفع الرسوم المفروضة، يُعطى صاحب المنشأة الحق بتركيب “ديجانتير” والتعليق على الكابلات، شرط إبراز ورقة صادرة عن المؤسسة تبيح له ذلك، بإنتظار تركيب العداد. وعن قيمة الإستهلاك خلال هذه المدة، تشير المصادر الى ان القيمة تُقدّر “مقطوعيّة”، بعد صدور أول فاتورة بعد تركيب العداد، وبناءً على هذه الفاتورة، تُقدّر قيمة ما استهلكته المنشأة منذ وقت الحصول على الموافقة، لغاية وقت تركيب العداد، وتؤخذ في الاعتبار، أعلى قيمة يمكن تقديرها. بمعنى آخر، فإن آلية المراقبة الدقيقة غير موجودة، وإمكانية عقد الصفقات بين العامل المسؤول وصاحب المنشأة مشرّعة، طالما ان العملية تسير وفق التوقيت “المطّاط” ووفق تقدير “المقطوعية”. كما ان هذه الآلية، لا تعير انتباهاً الى ان المنشأة يمكنها ان تستهلك طاقة بنسبة مرتفعة جداً قبل تركيب العداد، وبعده يمكنها ترشيد الاستهلاك، فتأتي “المقطوعية” على أساس الترشيد لا على أساس الإستهلاك الحقيقي. لا ينقضي الأمر عند هذا الحد، فنسبة كبيرة من فواتير الكهرباء التي تصدرها الشركات مقدمي الخدمات، تشوبها الأخطاء، الأمر الذي يفتح الباب أمام رشاوى أخرى، بهدف تسريع أو ابطاء تصحيح الخطأ الذي يكون في كل الأحيان لصالح مقدمي الخدمات، عبر اضافة مبالغ ليست حقيقية. وفي بعض الأحيان، يُفاجأ المواطن بدعوته الى دفع الفاتورة عينها مرتين. أما الطامة الكبرى، فهي إصدار فواتير انطلاقاً من قراءة عدادات غير موجودة أصلاً. أخطاء الفواتير تنقل النقاش الى “محور” العدادات الذكية، مع الحفاظ على بند الرشاوى. وفي هذا المحور، يصبح من الضروري التساؤل عن مصير الفواتير التي ستصدر عن عداد “ذكي”، نسبة الأخطاء فيه أكبر من أخطاء العداد الحالي، الذي يجوز تسميته بـ “الغبي” مقارنة مع نظيره الجديد. وتزايد الأخطاء أمر وارد في ظل عدم قيام مقدمي الخدمات بالإصلاحات المطلوبة على الشبكة والمعدات، قبل تركيب العدادات الجديدة. وبذلك، يمكن القول بأن على المواطن تحضير نفسه لمواجهة المزيد من المراجعات لأخطاء “الجملة”، وبأن على المال العام، الإعتياد على هدر المزيد منه، عبر تشريع “غير مقصود” للهدر، في سبيل انتظار إنجاز المعاملات.