أوضح المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أنّ “مسؤولية التعقيدات في ملف العسكريين المخطوفين لا تقع على الدولة اللبنانية، بل على الأطراف الخاطفة التي لها ظروفها الخاصة والتي تستثمر هذا الملف وفقاً لأجندة خاصة بها”، لافتاً الى أنّ “عمليات مشابهة استغرقت أكثر من هذا الوقت حتى وصلت الى خواتيمها”.
إبراهيم، وفي حديث أجرته معه صحيفة “الراي” الكويتية، يُنشر غداً السبت، عشية زيارته الى الكويت، وإذ ذكر بأنّ “الدولة اللبنانية أعلنت قبولها بمبدأ المقايضة في عملية التفاوض، وهذا يثبت أنها لم تقصر ولم تترك مجالا او بابا لاستعادة العسكريين إلا طرقته وأقدمت عليه من دون تردد، وأقول ذلك من موقع العالم بخفايا الأمور في هذا الملف”، قال: “اّن الدول التي تساعد وساعدت في ملف العسكريين مشكورة في ما قامت وتقوم به، وهنا أشدد على أنها تستمر بما تستطيع لمساعدتنا على إنهاء الملف، لكن عدم جهوزية الخاطفين كما سبق أن قلت هو ما يحول دون إتمام هذه القضية، وهنا يكمن حجر العثرة الفعلي، لكن الأمور لم تنته بعد”، كاشفاً “انّنا في زيارتنا الأخيرة للدوحة قدمنا عروضا وطرحنا مخارج إضافية نأمل ان تدفع الأمور الى الأمام، انما ما زلنا ننتظر أجوبة الخاطفين من “جبهة النصرة” عبر القطريين”.
وتطرق الى زيارته الأخيرة الى الفاتيكان، فأوضح أنّه “خلال اللقاء تحدث قداسة البابا فرنسيس عن لبنان الذي هو في ضميره، ونحن تمنينا عليه المساعدة لما للفاتيكان من دور كبير ومؤثر في المحافل الدولية”.
ورداً على سؤال، قال ابراهيم انّ “المديرية العامة للأمن العام حققت الكثير من الإنجازات على مدى الأعوام الأربعة المنصرمة، وهذه الإنجازات أتاحت للبنان واللبنانيين ان يشعروا بأنهم أكثر أمانا واستقرارا”، لافتاً الى “انّ الأمن العام اللبناني أوجد نظرية “الأمن الاستباقي الوقائي” وهو القدرة على منع العمل الارهابي قبل وقوعه. وما إلقاء القبض على بعض الشبكات التي كانت تخطط للقيام بأعمال إرهابية قبل تنفيذها إلا خير دليل على ذلك”. وفي حين أشار الى “انّ لبنان كجميع دول المنطقة عرضة للمؤامرات والمكائد التي تريد النيل من أمنه واستقراره وصولا الى إغراقه بالفوضى من خلال الأعمال الإرهابية التي كانت تنوي هذه الشبكات القيام بها”، اعلن انّه “تم وضع حد للكثير من هذه المكائد”، موضحاً “انّنا لا نحارب دولا بل أفرادا وجماعات تنتشر بين أربعة ملايين لبناني، ونصف هذا التعداد من النازحين واللاجئين السوريين والفلسطينيين”.
وعن عملية توقيف الشيخ أحمد الأسير، شدّد على أنّها “كانت لبنانية مئة بالمئة، ولم تكن نتاجا لتبادل معلومات مع أي أجهزة أخرى، بل نتيجة جهد لجهاز الأمن العام اللبناني الذي تابع من خلال خلية خاصة، وعلى مدى سنتين تفاصيل حياة وحركة أحمد الاسير وصولا الى إلقاء القبض عليه”، لافتاً الى انّ “ملف الأسير “أصبح الآن في عهدة القضاء اللبناني بصندوقه الأسود كله”، ومضيفاً: “لم تزل الى اليوم الأجهزة الأمنية اللبنانية تقطف ثمار توقيف هذا الارهابي، وتقوم بالمداهمات والتوقيفات والمصادرات استنادا الى اعترافاته”.
وفي حين أكد أنّ الأسير “لم يسقط جراء خطأ أو هفوة بل نتيجة عمل مضن على المستويات الاستخبارية والأمنية وفي مناطق كثيرة ومتباعدة داخل لبنان”، كشف ابراهيم أنّ “الاسير، قبل شهر من القبض عليه، لجأ الى مناورة وخديعة ظن انهما انطلتا على الأمن العام وتوهم اننا بلعنا الطعم، لكن في الواقع استدرجناه بهدوء وروية حتى صار غير قادر على الإتيان بأي حركة كي لا يهدد سلامة أحد، ولم نعلن عن اصطياده الا بعدما صار حيث يجب ان يكون وأدلى باعترافات أولية مكنتنا ايضا من إحباط والقاء القبض على إرهابيين مطلوبين وفارين”.
وأضاف: “مهما نسجت بعض المخيلات المصابة بهوس “التآمر” فإنني حريص جداً على الاكتفاء بما أعلنته وعلى عدم الافصاح عن الآليات والمهارات التي أسقطته بين أيدينا، وهو الآن في عهدة القضاء”.
وتناول مسألة النازحين، فقال ابراهيم: “لا شك انّ مسألة النزوح السوري الى لبنان فاقت بحجمها قدرة لبنان على التحمل، وحملت السلطات اللبنانية وعلى رأسها السلطات الأمنية أعباء إضافية على أعبائها، وخصوصا انّ بين هؤلاء النازحين من كان يقاتل على الأراضي السورية وينتمي الى تنظيمات إرهابية واستمر بمزاولة نشاطه الإرهابي انطلاقا من الأراضي اللبنانية او داخل هذه الأراضي”، موضحا “ان كل هؤلاء هم موضع متابعة من قبلنا، ولكم ان تتخيلوا مع هذا الحجم من النازحين – والذي تجاوز أحيانا حدود المليون ونصف مليون نازح – حجم هذه الفاتورة والتحديات في ظل هذا الاختراق الأمني لموضوع إنساني وأخوي بهذا الشكل”.
وأضاف: “للأسف لم يسجل في تاريخ ايّ دولة وعلى مر القرون ان تحملت نازحين إليها بالقدر الذي فعله لبنان قياسا الى جغرافيته وديموغرافيته. والى الآن لا نسمع من العالم إلا الإشادة بما فعله لبنان مع اللاجئين، من دون ان يكون هناك اي دعم فعلي يذكر، ما أنهك البلد على كل المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية”.
وتابع ابراهيم: “اللاجئون استهلكوا البنى التحتية، كما انهم نافسوا الأيدي العاملة اللبنانية في شتى المجالات. كما ان مخيماتهم بمثابة قرى ومدن نشأت فجأة وفي لحظة انسانية من دون ان يكون بداخلها اي نقاط او مراكز أمنية، ناهيك عن تسلل الإرهابيين اليها وإنشاء خلايا إرهابية، لكننا نجحنا والجيش في مداهمتها وتفكيك الشبكات واعتقال أفرادها”.
وعن كشف عملية التزوير “الجماعية” للحصول على جوازات سفر لبنانية سمحت لـ 24 شخصا بالمغادرة الى تركيا والإمارات عبر مطار بيروت ومرفأ طرابلس، وهل تم كشف هوية الذين استخدموا تلك الجوازات وسبب خروجهم بهذه الطريقة؟ أجاب: “بالطبع تم كشف هويات هؤلاء، وهم لم يخرجوا بجوازات مزورة انما بوقوعات مزورة او رسوم شمسية تعود لغير أصحاب الأسماء التي خرجوا بها، ونحن ننسق مع السلطات في الدول المعنية حول هذا الموضوع. وقد أوقف الأمن العام كل الذين اضطلعوا بهذه العمليات وما يشبهها”.
ورداً على سؤال بشأن البيان الذي صدر عن الأمن العام وتحدث عن اختراق “داعشي” للحراك المدني بهدف إحداث فتنة في البلاد، وعن حقيقة هذا الأمر وخصوصاً في ضوء اعتبار البعض انّ تلك المعلومات كان الهدف منها ملاقاة محاولات “شيطنة” هذا الحراك الذي أربك الأطراف السياسية في لبنان؟ أجاب ابراهيم: “كل بيان يصدر عن المديرية العامة للأمن العام وفيه إعلان عن توقيفات لمرتكبين، يكون نتيجة إحالة هؤلاء على القضاء المختص. وان توقيف هؤلاء “الداعشيين” الذين اخترقوا الحراك بهدف إحداث فتن داخله هو لحماية هذا الحراك، ونحن ليست لنا أي أجندة سياسية نسخر الأمن تحقيقا لها. وأنا لا أفهم كيف ان إلقاء القبض على هؤلاء هو لـ”شيطنة” الحراك، بينما المنطق يقول إن القبض عليهم هو تنظيف لصفوف الحراك وحماية له من محاولات اختراقه والبناء عليه من قبل هؤلاء المتطرفين تحقيقا لأهدافهم الفتنوية”.
وأضاف: “على بعض من اعتبر ان الهدف من تلك المعلومات شيطنة الحراك ان يفكر قليلا بالموضوع وبطريقة واقعية ليرى ان استنتاجه خاطئ، اللهم إلا اذا كان يريد من ذلك أهدافا غير تلك المعلنة من قبله ويريد استدراج الدم في الشارع تحقيقا لأهدافه”.
وعن المحاكمات السياسية والإعلامية التي جرت للحراك المطلبي انطلاقا من الكلام عن أدوار لسفارات ودول كبيرة وصغيرة، وعن السيرة الذاتية لبعض رموزه ومساهماتهم في ثورات عربية، قال: “نحن مع الحراك ما دام يعمل تحت سقف القانون، لا بل أكثر من ذلك ان واجبنا هو حماية هذا الحراك من أي محاولة لاستغلاله بغية شيطنته لتبرير التصدي له وقمعه. ان لبنان بلد ديموقراطي، وحرية التظاهر والتعبير حقان يصونهما الدستور اللبناني. إنما هناك فارق بين سلمية التعبير، واستعمال العنف والتعدي على الأملاك العامة والخاصة كأسلوب للتعبير مرفوض بكل تفاصيله، وواجب الدولة التصدي له عندما يتخذ هذا الشكل التخريبي”.
وأضاف ابراهيم: “نحن لا نتهم أحدا بالوقوف وراء هذا الحراك، لا انطلاقا مما يقومون به ولا من السيرة الذاتية لرموزه. واجبنا المراقبة والمتابعة واتخاذ الاجراءات وفقا للقوانين، وهذا ما نقوم به، ولن نتردد او نتوانى عن القيام بواجبنا عندما نرى أن أي تحرك قد يخرج عن القوانين والأنظمة المرعية الإجراء”.
إلى ذلك، قال إنّ “كل ما يمس أمن الكويت يمس أمن لبنان والعكس صحيح”، معتبراً أنّ “عملية استهداف مسجد الإمام الصادق في الكويت كانت ترمي إلى زرع الفتنة الأهلية وزعزعة الاستقرار في محاولة لجعل الكويت دولة فاشلة او متشابهة مع ما يحصل في دول الجوار”.
وعن مواظبة الكويت على حض رعاياها على مغادرة لبنان وعدم السفر إليه، قال ابراهيم: “سأعمل خلال الزيارة على تبديد المخاوف من خلال الاضاءة على الوضع الأمني في لبنان وتظهير الجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية اللبنانية للحفاظ على الأمن، علماً انّ التقويم العملاني يحسم بأن الوضع الأمني في لبنان جيد قياسا على ما يجري في دول المنطقة من دون استثناء”.
وعن الدخول الروسي العسكري المباشر على الملف السوري وتأثيره على لبنان، ختم ابراهيم: “لا شك في ان الدخول الروسي المباشر على خط الأزمة السورية سيكون له تأثير كبير على رسم معالم المنطقة وليس على سوريا فحسب، ولبنان جزء من هذه المنطقة التي أصبحت كلها قضية واحدة مترابطة ولم تعد ملفات متعددة نظراً الى حجم الحرب الواقعة علينا من كل الاتجاهات والتي تلبس اليوم لبوس الإرهاب”.