باسكال صوما
«مشاريع المراسيم التطبيقية ومصالح لبنان الأساسية» هو عنوان الجلسة الثانية من ندوة «السفير» والجامعة اللبنانية: «نفطنا لنا»، غير أن هذه الجلسة بدت بنقاشاتها المحتدمة استمراراً للجلسة الأولى حول وجوب تأسيس الشركة الوطنية للنفط وتطوير الأطر القانونية والمراسيم التطبيقية لإدارة القطاع.
تحدّث في الجلسة الثانية بداية الخبير النفطي الدكتور نقولا سركيس، الذي تناول سلسلة انحرافات وانزلاقات في المراسيم التطبيقية للنفط، سائلاً: «ما هو النظام المقترح تطبيقه لاستثمار البترول؟». ثم أجاب: «لا أحد من المسؤولين يملك إجابة واضحة، وذلك عائدٌ للتعارض الصريح بين النصوص التشريعية (قانون 2010 البترولي) وبين المراسيم التطبيقية التي وُضعت في ما بعد، والتي تتضمن آلية وشروطاً للتنفيذ».
وتطرّق سركيس إلى مسألة المقارنة بين النموذج النروجي في إدارة قطاع البترول والنموذج اللبناني «المرتقب»، نافياً أي تشابه بين «النموذجين».
وشدد على أهمية توزيع دائرة مشاركة الدولة في الإنتاج ضمن المفهوم المسمّى «تقاسم الإنتاج»، وقال: «أشعر بالخجل لدى سؤالي عن مشاركة الدولة اللبنانية أو عدمها في إنتاج النفط»، مطالباً «بتأسيس الشركة الوطنية للنفط أسوةً بكل دول العالم، إضافةً إلى ضرورة إعداد دراسة عامة تتضمن رؤية عميقة لمستقبل القطاع تشمل بشكلٍ أساسي الشركة الوطنية للنفط وتوفير الشفافية والمصداقية».
«بترول لبنان إلى أين؟» هكذا بدأ الخبير النفطي الدكتور ربيع ياغي مداخلته، وقال: «خلال عقد مضى ولتاريخه، ثبت وبالوجه الشرعي القصور وانعدام الرؤيا لدى السلطة التنفيذية لمقاربة القطاع البترولي بأسلوب علمي تقني شفاف، بل أظهرت هذه السلطة مكراً وفشلاً في إدارة هذا القطاع».
وأضاف: «البترول في لبنان براً أو بحراً ليس إقطاعية أو إرثاً لأحد بل هو ثروة ونعمة يتشارك اللبنانيون جميعاً في ملكيتها»، مشيراً إلى «وجود شركات محلية مشبوهة ووهمية تم تأهيلها وتصنيفها بغفلة من الزمن ودخلت بكل وقاحة على خط المناقصات كأصحاب حقوق».
وسأل ياغي: «كيف نحصن القطاع البترولي من شرور الفساد والأيادي السوداء وكيف نحمي هذا الأمل من جهالة أدعياء أبوَّته ومنتحلي الوصاية عليه؟»، مقدّماً عدة اقتراحات في هذا الصدد: «تعديل قانون الموارد البحرية الموضوع في العام 2010 باستبدال كلمة وزير بالوزارة لنزع الأحادية والشخصنة، وتعديله ليشمل الموارد البرية أيضاً، فصل القطاع البترولي عن وزارة الطاقة وإنشاء وزارة خاصة للبترول تضم أهل المعرفة بالقطاع، تأسيس الشركة الوطنية المستقلة للبترول، تنظيف مراسيم التأهيل للشركات العالمية من «زيوان» الشركات الوهمية، اعتماد مبدأ الكفاءة والاختصاص في المرافق البترولية، وضع استراتيجية دفاعية لحماية الموارد البترولية براً وبحراً، إعادة التفاوض مع قبرص وفصل مرحلة الاستكشاف والتنقيب عن مرحلة التطوير والإنتاج».
أول طالبي الكلام كان عضو «هيئة ادارة قطاع البترول» المهندس وسام الذهبي، معتبراً أن «الشركات لن تقبل بفصل عقود الإنتاج عن عقود الاستكشاف، وهذا الأمر غير منطقي، فالشركة التي تستكشف من حقها ان تنتج أيضاً». وأشار الى شروط ومواصفات صعبة جداً مطلوبة من الشركات، «فمثلاً هناك كفالة مصرفية تضعها الشركات بقيمة الاموال التي تستثمر فيها قبل البدء بأي شيء».
وأوضح الذهبي أن النظام الموضوع «هو لتقاسم الإنتاج بين الشركات والدولة وليس لتقاسم الأرباح، وبالتالي تستطيع الدولة أن تتقاضى حقّها بطريقة عينية أي تستلم كمية معينة من النفط وتبيعها مباشرة، أو تتقاضى ثمنها من الشركات».
وتعليقاً على موضوع الشركة الوطنية للبترول، قال الذهبي: «نحن لسنا ضدّ ذلك، لكنّ التوقيت الآن غير مناسب». ليأتيه الجواب سريعاً من ياغي بجملة: «الشركات foul ارتكب ولنعترف بذلك».
ويكمل الذهبي: «لا تجلدونا، هناك أمور متوقفة لأن المجلس النيابي لا يجتمع وهذا ليس ذنبنا!» مضيفاً: «لقد تمّ اختيار أهم شركات العالم من أجل البتـرول اللبناني بشروط صعبة جداً».
وتدخّل رئيس «هيئة البترول» المحامي كابي دعبول، ليوضح موضوع الشركات، وقال: «هناك مرسوم يسمح لمجموعة شركات أن تتقدم بطلب تأهيل مشترك وتتقدّم بطلب مع بعضها، وقد حرصت الهيئة على التأكد من وجود الشركات الصغيرة التي تقدمت بطلبات الى جانب شركات كبيرة ومعروفة لديها مؤهلات كافية، وطلبنا من هذه الشركات تأسيس شركة مساهمة للأنشطة البترولية، بحيث يكون للشركة المؤهلات ذاتها، 51 في المئة من اسهم الرأسمال و51 في المئة من أسهم التصويت فيها».
ويعود دعبول إلى موضوع النموذج النروجي ليؤكد أن القانون اللبناني «ليس منسوخاً عن القانون النروجي، كل ما في الأمر أنّ النروج أعطت الدولة اللبنانية منحة للتأهيل والتدريب من قبل خبراء نروجيين».
ومع احتدام النقاش، تدخل ياغي مرطِّباً الأجواء وخاطب أعضاء هيئة البترول قائلاً: «أنتم لستم في دائرة الاتهام، بل أنتم جزء من القرار في موضوع القطاع النفطي الذي يحتاج الى عملٍ جماعي لإنجاحه».
في هذا السياق، برز رأي قانوني للخبير علي برو شدد فيه على «ضرورة الفهم العميق لفلسفة القانون، وبالتالي الفصل بين دور الدولة كمنظّم للقطاع ودورها كمنتج، وذلك للحدّ من الفساد والرشى والهدر».
أما عضو «هيئة البترول» الدكتور ناصر حطيط، فقد طلب في ختام الجلسة الثانية، «توخي المزيد من الدقة لدى إعطاء الأرقام والأمثلة».