ذكر تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” أنَّ الريال البرازيلي يُعتبر واحداً من العملات الأكثر هبوطاً في الاقتصادات الكبرى حول العالم.
وأشار إلى أنَّ السائح الوافد إلى ريو دي جانيرو، وفي حوزته 6.6 آلاف دولار أميركي في كانون الثاني الماضي كان بإمكانه حجز جناح في فندق “كوباكابانا بالاس” الفاخر لمدة أسبوع، في حين أنَّ المبلغ عينه يمكنه حجز الجناح عينه الآن لمدّة 8 ليالٍ.
عوامل داخلية وخارجية
لا يُعتبر تراجع قيمة العملة مُقتصراً على البرازيل فحسب، إذ إنَّ هناك انخفاضاً في عدد من العملات العالمية بسبب عوامل مختلفة، منها تباطؤ النمو في الصين، انخفاض أسعار السلع الأساسية والقرار المرتقب للولايات المتحدة برفع معدّل الفائدة، ما يهدِّد بتدفقات نقدية خارجة من الأسواق الناشئة.
وبالإضافة إلى العوامل السابق ذكرها، فإنَّ البرازيل تعاني أزمات محلية تسبَّبت في انخفاض قيمة عملتها المحلية منذ بداية السّنة الجارية.
وبدأت السّنة الجارية بتحدٍّ كبير لرئيسة البرازيل ديلما روسيف، مع التوقعات بانكماش اقتصاد البلاد، إذ إنَّ الحكومة البرازيلية قامت بالإسراف في الإنفاق خلال السنوات الثلاث الماضية، في حين كانت الأسواق حذرة في شأن اتجاه البلاد لمواجهة صعوبات في شأن خدمة ديونها.
ورغم هذه المشكلات، كان هناك قدر من الثقة في قدرة وزير المال جواكيم ليفي على كبح جماح الإنفاق، مع الدعم الحاصل عليه من رئيسة البلاد.
الأزمات تتصاعد
أوضح التقرير أنَّ الأزمة الاقتصادية في البرازيل اتجهت نحو مزيد من التصاعد في النصف الثاني من السّنة الجارية.
وفي تموز الماضي، اعترف ليفي بأنَّه رغم جهوده الكبيرة، لن تكون الحكومة قادرة على الوفاء بمستهدف الإنفاق خلال السّنة الجارية، مع حاجة البلاد إليه حتى تتمكن من سداد ديونها المتراكمة. وأرسلت الحكومة البرازيلية في آب الماضي الموازنة الجديدة المقترحة إلى البرلمان، بعجز متوقع في السّنة المقبلة، ما مثل قراراً مثيراً للجدل في البلاد.
واعتبر فريق الخبراء الاقتصاديين التابع للرئيسة البرازيلية أنَّ هذا الاقتراح يمثل رسالة قوية للبرلمان بأنَّه في حال لم يساعد المشرعون الرئيسة على خفض الإنفاق، فإنَّ الاقتصاد البرازيلي سيعاني بدرجة أكبر.
وأشار التقرير إلى أنَّه بدلاً من نجاح “الرسالة” الحكومية، فإنَّ الأسواق المالية تفاعلت مع هذه الموازنة المقترحة، إذ خفضت وكالة “ستاندرد آند بورز” التصنيف الائتماني لاقتصاد البرازيل في أيلول الماضي إلى “درجة غير استثمارية” أو ما يطلق عليه “خردة”.
وقالت الوكالة إنَّ الموازنة المقترحة عن سنة 2016 تشير إلى شكوك حول قدرة الحكومة ورغبتها في التزام السياسات التصحيحية التي أعلنتها “روسيف” في وقت سابق.
وتسبَّب خفض التصنيف الائتماني للبرازيل في تسريع التدهور في قيمة العملة المحلية، مع وجود قواعد لدى عدد من صناديق الاستثمار الدولية بمنع الاستثمار في البلدان ذات التصيف الاستثماري “غير المرغوب به”.
ووصل الريال البرازيلي في 22 أيلول الماضي إلى أدنى مستوياته على الإطلاق، في حين انخفض مؤشر البورصة الرئيسي في البلاد 20% تقريباً منذ أيار.
التضخم الجامح
ترى الصحافية ومؤلفة أكثر الكتب مبيعاً حول تاريخ العملة البرازيلية ميريام ليتاو، أنَّ الريال يُعتبر أكبر من مجرد عملة، إذ إنَّه يمثل أهمية تاريخية كبرى للشعب البرازيلي.
وأطلق الريال البرازيلي للمرة الأولى في العام 1994، ليضع حدّاً للتضخم الجامح في البرازيل، والذي تسبَّب لعقود في تآكل لاقتصاد البلاد.
وتمكَّن الريال البرازيلي بنجاح من التغلب على التضخم الجامح من خلال المحافظة على قيمته “المبالغ فيها” في مقابل الدولار الأميركي لبضع سنوات، ما ساهم، مع خفض الرسوم الجمركية، في إدخال مزيد من السلع المستوردة إلى السوق البرازيلية، ما أجبر المنتجين المحليين على منع الأسعار من الارتفاع.
ومع دخول العملة المحلية في تحديات صعبة في الفترة بين عامي 1999 حتى 2003، فإنَّ السلطات تمكّنت من استعادة مصداقية العملة مع سياسات تهدف إلى إبقاء التضخم عند مستويات منخفضة.
الخاسرون والرابحون
يعتقد التقرير أنَّ المشكلة تتمثل في الأضرار الجانبية التي تسبَّبت فيها التقلبات الشديدة، إذ لا أحد يعلم إلى متى يستمر الانخفاض في قيمة العملة، وما إذا كان الريال سيقترب من قيمته السابقة.
وأضافت ميريام أنَّ هذا التقلب يُعتبر مُقلقاً بالنسبة إلى رجال الأعمال، إذ إنَّه يرفع من قيمة بعض الديون، كما أنَّه يخلق حالاً من عدم اليقين، ويؤثر على قرارات الاستثمار.
وعلى الجانب الآخر، تفيد بعض المؤسسات من هذه التقلبات، إذ تقوم بعض الشركات باستيراد كل ما يمكنها من البرازيل في الوقت الحالي.
كما أنَّ إحدى شركات تصنيع السيارات العالمية أشارت أخيراً إلى أنَّ إنتاج السيارات في البرازيل أصبح أقل تكلفة مقارنة بالصين، بسبب تقلبات أسعار الصرف.
وأوضحت شركة “سكانيا” السويدية لصناعة الشاحنات أنَّ مبيعاتها في البرازيل تراجعت بسبب الأزمة الاقتصادية في البلاد، إلا أنَّها رفعت مبيعات مصنعها في البرازيل إلى دول أميركا الجنوبية الأخرى.
هل تنتهي الأزمة؟
أخيراً، يرى تقرير “بي بي سي” أنَّ مصير البرازيل وعملتها يعتمد على كيفية تطور الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلاد.
ومن غير الواضح ما إذا كانت رئيسة البرازيل ستتمكن من اكتساب الدعم السياسي للإصلاحات المطلوبة، كما أنَّه في حال نجاحها في ذلك، فلا تزال التساؤلات حول مدى نجاح خطتها الإصلاحية موجودة، بالإضافة إلى ترقب تطورات الأحداث في الصين والولايات المتحدة.
ونجح الريال البرازيلي في استعادة جزء من خسائره خلال الأيام الماضية، مع التكهنات في شأن احتمال تأجيل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لقراره المنتظر برفع معدّل الفائدة إلى السّنة المقبلة.
إلا أنَّ التقلبات في قيمة الريال البرازيلي لا تزال تمثل تحدّياً صعباً بالنسبة إلى المستثمرين والسياح الوافدين إلى البلاد.