أعلن وزير البيئة محمد المشنوق أنه “سعى جاهدا عندما كان يحمل ملف معالجة النفايات الى ايجاد مطامر للنفايات ضمن حل لامركزي يعطي أدوارا للبلديات وللمواطنين”، وفيما انتقد “عدم تمييز المواطن بين المطمر الصحي والمكبات العشوائية”، قال: “صدمت فعلا بالتسويف والتأجيل مدى 5 اسابيع وبعجز القوى السياسية عن ترجمة ما تقوله على ارض الواقع”، وأكد “أن جودة البيئة لا تكون بمحاسبة الناس الساعين الى تحقيق هذه الجودة بل بمحاسبة القوى السياسية التي تعطل هذا الهدف”.
كلام وزير البيئة أطلقه في المؤتمر التربوي الثاني الذي عقد قبل ظهر اليوم في الاونيسكو، وقال: “أود الاجابة عن سؤال يدور في أذهانكم وهو ما بال وزير البيئة يتحدث عن جودة التعليم بينما جودة البيئة بعيدة جدا عما نريده في لبنان وهذا سؤال مشروع وحقيقي وهو سؤال لكل مواطن ومن يتعامى عنه يتعامى عن دوره كمواطن في الحفاظ على البيئة في لبنان ولدي جواب: ببساطة نحن عملنا من اجل نظافة لبنان وبيئته وسعينا الى معالجة ازمة النفايات في بيروت وجبل لبنان وكل لبنان وكان لنا موقف ورأي واضح وكانت لنا سلسلة اعمال توجت بموافقات في مجلس الوزراء ولكنها، مع الأسف، اصطدمت في ما اصطدمت بالقوى السياسية في لبنان التي لم توفر الغطاء الضروري لايجاد المطامر”.
واضاف: “لقد جربت عندما كنت أحمل هذا الملف من ضمن اللجنة الوزارية التي يترأسها دولة الرئيس تمام سلام أن أتعامل مع هذا الموضوع وزرت كل القوى السياسية ووجدت من الجميع موافقة لحل مشكلة المطامر ضمن حل لامركزي وتعطي أدوارا للبلديات وللمواطنين، ولكنني صدمت فعلا مدى خمسة اسابيع من عملية التسويف والتأجيل والتهرب ووجدنا كل القوى السياسية عاجزة ولا تستطيع أن تحقق ما تقوله على ارض الواقع.اليوم زميلي الوزير أكرم شهيب يقوم بالمحاولة وهو للاسبوع الثالث ولا تزال القضية قضية المطامر، ولا يميز المواطن بين المطمر الصحي وبين المكبات العشوائية التي بلغ عددها 760 مكبا في كل لبنان وربما ارتفع عددها اليوم الى الالف.
نعم جودة البيئة من جودة المواطن في فهمه للبيئة ، وجودة البيئة لا تكون بمحاسبة الناس الساعين لتحقيق هذه الجودة ولكن تكون بمحاسبة القوى السياسية التي تعطل هذا الهدف”.
وتابع: “اليوم أتحدث من موقع تربوي لي فيه بعض رؤى ونظريات وخبرة طويلة وشغف يرتبط ببناء الانسان تربويا، كل انسان وكل الانسان. ولعلي ألامس مباشرة موضوعنا عن جودة التعليم وهي ضرورة وحاجة.
كان والدي عبدالله المشنوق، رحمه الله، يقول إنه نجح تربويا واجتماعيا أكثر من نجاحه إعلاميا وسياسيا، وأنا أعتقد أن هذا الكلام ليس ضمن معايير الجودة أو النجاح الحقيقي فقد كان ناجحا في كل هذه القطاعات، ولكنه يرتبط بمعيار الشغف بالعملية التعلمية وبناء الانسان بكل جدية ومسؤولية.
لقد كان يردد دائما: “أؤمن بالتعليم عبر اللعب ولا أقبل اللعب بالتعليم”.
اليوم يقولون: قل لي أي نظام تربوي لديك أقل لك من أنت، واليوم يقولون لن نكتفي بجودة التعليم بل نريد الجودة الشاملة، وهي في شموليتها تضم كل ما يتعلق بالمتعلم والمعلم والادارة المدرسية والاجواء المحيطة بالمدرسة والتداخل مع المجتمع وحاجات سوق العمل والواجبات المواطنية من أوسع ابوابها”.
وقال: “أهلا وسهلا بكم في عالم بناء المواطن،
أهلا وسهلا بكم الى السباق المحموم بين المؤسسات التربوية على شهادات الامتياز وعلى الطلاب،
أهلا وسهلا بكم في مصانع العلم والتعلم،
أهلا وسهلا بكم في مواجهة الذي كاد أن يكون رسولا، هو المعلم الذي يشكل الركيزة الاولى في التربية.
وشكرا لنقابة المعلمين في لبنان على عقد هذا المؤتمر الثاني للتربية بحثا عن جودة التعلم في القطاع الخاص، والدور الريادي للمعلم في تطوير معايير الجودة في ظروف تتراجع فيها كل المعايير، في وطن مشتت القدرات يعيش هاجس اللحظة، ويغرق في طائفيته ومذهبيته وفي التجاذب السياسي محليا وإقليميا ودوليا.
إنها لا شك معركة بقاء ومعركة رفض التسويات على حساب الوطن والمواطن”.
واضاف: “من الواضح أن الابحاث التربوية في العالم العربي تؤكد أن جودة التعلم لا تزال دون مستوى مناطق أخرى في العالم، ولا سيما لجهة اكتساب المعرفة والمهارات التحليلية والابداعية والبحثية.
وإذا كانت وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان تعترف بثغرات كثيرة في قطاع التعليم الرسمي، وإذا كانت المؤسسات التربوية الخاصة تعترف هي أيضا بثغرات في مستويات الهيئات التعليمية والادارية وعدم تطوير الانظمة المدرسية بموازاة متطلبات التطوير الوطني، فإن هذين الموقفين يؤكدان ضرورة إعادة تقويم نوعية التعلم وجودة الخدمات التربوية والادارية كي تتلاءم مع المعايير المعتمدة عالميا وفق حاجات المجتمعات وقيمها ومفاهيمها، وهذه عملية صعبة لأنها تستند الى متغيرات تحكمها الظروف المحلية لكل بلد.
ولعل من أبرز ما يحيط بظروف لبنان التربوية اليوم هو التأرجح السياسي حول سلم الرتب والرواتب الذي يشمل المعلمين وهذا يضع الهيئات التعلمية تحت هاجس عدم القدرة على التخطيط للمستقبل وتطوير القدرات والشعور بالأمان”.
وتابع: “نعود الى معايير الجودة في العملية التربوية.
يروى عن جورج برنارد شو أنه تقدم من أحد النبلاء يطلب منه قبول استقالته من مهمة تعليم ابنه الفتى الصغير، وتوقف النبيل متسائلا بصوت عال: هل هو البدل الذي تتقاضاه أم أن الغذاء الذي تقدمه العائلة في فترة الاستراحة ليس بالمستوى المطلوب، وكان رد جورج برنارد شو: الموضوع ليس هنا. إنني أحاول أن أنزل الى مستوى إبنك لأشده صعودا الى مستواي بكل ما أعرفه من مهارات نقل المعرفة، ولكنه يقاومني بشدة ويشدني الى مستواه، واستقالتي لأنني أشعر بأنه بات قريبا من الانتصار.
طرفة فعلا، ولكنها تلامس مخاوف العاملين في الاطار التربوي من تراجع الخطط والمهمات التربوية والوسائل التعلمية عن الواقع الراهن، وغياب الدافع المستمر والقوي للارتقاء بها”.
وقال: “تاريخ التربية في لبنان يعود الى القرن السابع عشر، وقد شهد تطورات متتالية تداخلت فيها البعثات التبشيرية بالإرادة المحلية الساعية لتعزيز التعليم خارج إطار المدارس المرتبطة بنظام التعليم التركي.
وقد اتخذت المدارس الخاصة منحى طائفيا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وترسخت مجموعات مرتبطة بالمؤسسات الدينية، فتحولت في ما بعد الى قيادة المؤسسات التربوية من منطلقات مختلفة وأهداف مختلفة وإنتهى بها الوضع في خمسينات القرن العشرين الى تراجع تدريجي، والانضواء تحت أنظمة الدولة اللبنانية على رغم محافظتها على بعض الخصوصية الطائفية وبعض الخيارات في المناهج التربوية”.
واضاف: “اليوم نجد أن التعليم الرسمي يضم زهاء 30 في المئة من تلامذة لبنان الذي تجاوز عددهم المليون، السبعون في المئة مسجلون في القطاع الخاص وفي القطاع الخاص المجاني، وإذا أردنا التفصيل، فيمكننا القول إن معظم اللبنانيين يدفعون ثمن التعليم مرتين: مرة لتمويل التعليم الرسمي المجاني، ومرة أخرى لتمويل أقساط أولادهم في المدارس الخاصة، علما أن المدارس الخاصة لا تفيد من المساعدات الحكومية بإستثناء المدارس الخاصة شبه المجانية ضمن عقد تربوي خاص يحتاج اليوم حتما الى إعادة تقويم، ولا سيما أن جودة التعليم لا تتحقق بسبب عجز المدارس المجانية الخاصة عن تحصيل مساعدات الدولة سنويا، ناهيك بالدور الذي تقوم به هذه المؤسسات في سد العجز في ميزانياتها، والاتكال على دعم المجتمع الاهلي الذي يوفر لها ما يمكنها من الاستمرار فقط، وليس التطور المرتجى نحو الجودة التربوية”.
وتابع: “حديث الجودة في التربية لا يمكن تجزئته بين قطاع خاص وقطاع عام، فهناك تداخل أساسي تفرضه المناهج التربوية الرسمية على جميع المدارس في لبنان، وقد جربت مؤسسات تربوية تعزيز المناهج بإضافات من مناهج التربية الدولية وخصوصا الاوروبية والاميركية منها. إلا إن هذه الاضافات لم تخترق بمستوياتها ولم تستطع أن تغير في مخرجات التعليم ونتائج الامتحانات الرسمية، لأن نظام التربية في لبنان ما زال محصورا وأسيرا في قواعد تجري محاولة تطويرها في مركز الابحاث التربوي وفي كواليس وزارة التربية والتعليم العالي”.
وقال: “إن مؤشرات الجودة عادة ترتبط بمعايير ومقاييس لها شروط، بعضها دولي والآخر محلي، وهي تنطلق من أنظمة الادارة المدرسية والانظمة التربوية، وتطوير القدرات الذاتية للهيئات التعليمية، ويشمل جودة المباني المدرسية والتجهيزات والبيئة التعليمية وموازنات التطوير وجودة نتائج المدارس في التحصيل السنوي وفي الشهادات الرسمية وحتى في نسبة قبول الخريجين في الجامعات.
إن هذا المفهوم للجودة يؤكد حاجة العملية التربوية الى تطوير كل العناصر المرتبطة بها وبات ضروريا أن يحصل ذلك ضمن مهل متسارعة حرصا على البقاء ضمن المنافسة والحفاظ على الصورة المميزة للمؤسسات التربوية.
أورد هنا مثلا قد يبدو طريفا، ولكنه ينطلق من حالة فريدة يتميز بها لبنان. إن التعليم باللغة الأم في مواد العلوم والرياضيات أثر مباشرة على صورة المؤسسات التربوية وإضطرت المدارس الى الانتقال من التعليم باللغة العربية في هذه المواد الى اللغات الاجنبية، وأصبح الجمهور يقيس جودة التعليم بربط مواد العلوم والرياضيات باللغة الإنكليزية أو الفرنسية.
وقال: “لقد كانت لتجربة المقاصد التي قامت منذ عام 1986 ولما يزيد عن 14 عاما بتجربة تعليم العلوم والرياضيات باللغة العربية. ورغم أن هذه التجربة أثبتت نجاح اللغة الام في التميز بهذه المواد، فإن المقاصد اضطرت، مع الأسف، الى مجاراة المدارس الاخرى بعدما لمست تراجع أعداد الطلاب المنتسبين اليها بحجة أن اللغة العربية لا تساعد الطلاب في المرحلة المستقبلية والتعليم الجامعي.
يقال الجمهور “عايز كده”، هذا صحيح ولكن مع الاسف أكثر من 80 في المئة من دول العالم تعلم العلوم والرياضيات باللغة الام، ويجري التغيير التدريجي مع اضافات خاصة في المراحل المتقدمة، وكل ذلك يجري تحت عنوان اللغة الأم تساعد الطلاب على فهم مواد العلوم والرياضيات.
واضاف: “الجودة وحدها لم تعد تكفي اليوم، فالجمهور يريد الجودة الشاملة التي باتت أحد الركائز الأساسية على الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتربوية والتكنولوجية بصورة خاصة.
ونظرا الى أن التلامذة هم صانعو المستقبل، فقد أصبحت الجودة الشاملة على الصعيد التربوي الاساس في خطط التطوير المدرسي.
هذه الجودة ترتبط بعمليتي التعلم والتعليم، وكذلك بالإدارة من أجل ربط التعليم بحاجات المجتمع وإحداث تغيير تربوي ينمي قدرات المتعلمين، ويحدث تفاعلا إيجابيا بين المتعلم وبيئته.
الحديث الشريف يقول: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه”، ومن هنا تصبح الجودة رحلة مستمرة وليست محطة وصول، ومن هنا تبرز ثقافة الجودة التي تتناول كل عناصر العمليات التربوية ضمن معايير قابلة للقياس، ومع التنسيق الكامل بينها وضمن عملية تقييم مستمرة تتولاها وحدات تربوية ضمن المدرسة، وعملية تقييم خارجي (AUDIT) للتأكد من نجاح المدرسة وجودتها”.
وتابع: “نحن في مؤتمر تربوي دعت اليه نقابة المعلمين في المدارس الخاصة، ولذلك سأركز على أن الجودة ترتبط بالقيادة التربوية الناجحة التي تقوم بها الهيئة التعليمية، وهي ترتبط كذلك بعمليات تطوير وتدريب وإستثمار للموارد البشرية التربوية.
إن هذه الجودة الشاملة تحتاج اليوم الى مبادرة تقوم بها المؤسسات التربوية ونقابة المعلمين بحيث يجري وضع خطة شاملة لتطوير قدرات المعلمين في مواد اختصاصهم في وسائل التعلم التفاعلي وتقنياته وفي تعزيز دور الهيئات التعليمية باقتراح التطوير الضروري لتحقيق الجودة بمساندة من قيادة الادارة المدرسية وبالتعاون مع الاهل والمجتمع المحلي”.
وقال: “لقد اشتهر معلمون في القرن الماضي، وكانت شهرتهم أكبر من شهرة مدارسهم، ولعل في ذلك عبرة بأن الناس تدرك صورة الجودة من خلال المربين الملتزمين رسالتهم والعاملين على تطوير قدراتهم، وعلى التواصل مع زملائهم، بما يحقق تطور كل أعضاء الهيئات التعليمية.
إن جودة التعليم لا تقتصر على مبنى جميل، ومختبر كامل التجهيز، ومناهج مرهقة بطموحات واضعيها، إن هذه الجودة لها معايير ألخصها بابتكار ثقافة مدرسية واضحة ومترابطة، وإختيار منهاج تربوي شامل وملائم وإعتماد طرائق تدريس تفاعلي يلبي حاجات التلاميذ رغم اختلاف مستوياتهم، وتطوير مهني مستمر، وتعلم مستدام مبني على المفهوم الشمولي البناء وتوفير أبنية وبيئة مدرسية تستوعب التطوير المستمر، وتعزيز العلاقة بين المدرسة وشركاء التربية، والقيام بعمليات التقويم المستمر لعناصر الجودة التربوية ومدى تطبيقها وخطط تطويرها واستدامتها”.
واضاف: “نحن نحتاج الى عقود جديدة تحدد أدوار الاطراف في العملية التربوية، وتساعد على نسج علاقة صحية يشعر فيها المعلم الذي كاد أن يكون رسولا، بأن الوطن يحتضنه مربيا لأجيال المستقبل، ولكنه يفرض عليه معايير الجودة ضمن إجراءات واضحة المعايير والمقاييس”.
وختم: “عندما كنت أتابع خريطة الطريق لاستراتيجية التنمية المستدامة، توقفت طويلا عند طريقة فهم المواطن لهذا الموضوع الذي سيرتبط به لبنان طويلا.
ووصلت في النهاية الى نتيجة واحدة وهي أن المواطنية هي الطريق، وان الانسان المواطن هو الهدف والوسيلة، وان قيمة لبنان المستقبلية تكون في ما يحققه من تطور وان كل ذلك يحتاج في أولوياته الى نظام تربوي بجودة ممتازة إذا أردنا أن يعود لبنان علامة فارقة في المنطقة والعالم”.