كتب أسعد حيدر في صحيفة “المستقبل”:
«صواريخ قزوين»، ليست مجرد ألعاب نارية عابرة للقارات تحية «للقيصر» فلاديمير بوتين. انها اعلان بالنار، لاقتحام منطقة الشرق الاوسط، التي أُخرج منها الاتحاد السوفياتي سابقاً وروسيا سواء بقرارات عربية أو بالخديعة الغربية. «القيصر»، درس «خطوته» على رقعة الشطرنج السورية، بعناية وعمق، وهو يعرف جيداً «الخطوة» التالية التي يجب ان يقوم بها. على الأقل هذا ما يؤكده «البوتينيون» الجدد نقلاً عن مصادر روسية مطلعة.
«القيصر» تفاهم مع الجنرال قاسم سليماني خلال زياراته لموسكو خصوصاً الأخيرتين منها. ابلغ الجنرال «القيصر» ان النظام في سوريا على حافة الهاوية، وان الرئيس بشار الاسد انتهى. كل العمليات العسكرية ان لم تفشل فإنها لم تحقق شيئاً. الجيش السوري يكاد يصبح في خبر كان، وهو على ابواب الانهيار الكامل. دخول روسيا اصبح ضرورة وحاجة وليس للمساندة.
درس «القيصر» الوضع، وقرر الانتقال الى الفضاء السوري، على ان تتولى إيران حشد قوات مطلوبة حسب الجنرالات الروس لدعم الطيران، سواء من «الحرس الثوري» او القوة الرديفة له «حزب الله»، كما تؤمن تكاليف الحرب الجوية التي ستستمر أربعة الى خمسة أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة حسب تقدير روسي.
«القيصر» درس رقعة «الشطرنج» السورية بعناية داخلياً وخارجياً. الرئيس باراك اوباما لن يتخلى وهو على ابواب نهاية ولايته الثانية عن لعب دور «الحَكَمْ« الذي يسجل الاهداف والفاولات فقط. اوروبا ممزقة ومعظمها تؤيده، ما عدا فرنسا التي لا يمكنها ان تفعل وحدها شيئاً. العرب منشغلون بـ»دوائر النار» عندهم. وإسرائيل مضمونة لانها لا تريد سقوط الأسد حتى تضمن بديلاً مثله او أحسن منه، و»القيصر» يمكنه الاعتماد على «اللوبي» الروسي حيث عدد الاسرائيليين من اصل روسي حوالى المليون. سوريا ليست «البوابة« الى الشرق الاوسط فقط. انها «الجسر» للخروج من صيغة «القوة الاحادية» التي حكمت العالم منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. الدليل الاول، ان واشنطن واوروبا، قبلوا «هضم» القيصر لما قضمه من اوكرانيا. نجاح هذه العملية تتضمن «درساً» لا يمكن لباقي الدول التي كانت ضمن الاتحاد السوفياتي او تدور في فلكه الا ان تأخذه في حساباتها. ايضاً، بهذه العمليات الجوية والصاروخية تكون روسيا قد استعرضت اسلحتها للبيع. ما يؤكد ذلك ان «القيصر» اشار في حديثه عن القصف الصاروخي الى «الاستعداد العالي لمؤسسات التصنيع العسكري”.
الحركة التالية والمكملة لـ”صواريخ قزوين” استكمال الإعداد للمرحلة الانتقالية في سوريا والتي تتضمن حسب المصادر الروسية نفسها:
[ انتخاب برلمان جديد تحت مراقبة دولية واسعة. (ماذا عن النازحين واللاجئين)
[ حكومة يرأسها معارض معتدل من حجم ونوع هيثم المناع المقيم حالياً في جنيف.
[ بشار الاسد يكون الرئيس الذي يملك ولا يحكم حتى انتخاب رئيس جديد من الطائفة العلوية كضمانة ضرورية وملحة لسلامتهم.
استمرار الحرب سيكون لإضعاف كل القوى التي لا تقبل بالحل. اما مسألة «داعش» وتجنب كسر عمودها الفقري، فيعود الى ضرورة ادائها دور «الغول» الذي ينتج ضمان استمرار الآخرين تأييد «القيصر» في خططه، علماً ان قرار الحرب ضد «داعش» يكون مستقبلاً بمشاركة غربية مباشرة على الارض.
حسابات «القيصر»، تبدو وكأنه لا يأخذ ماذا يمكن للآخرين ان يفعلوه، وكيف سيحركون «بيادقهم». لا يكفي لتحقيق الانتصار ان تكون خطة الهجوم قوية. المهم ان تكون «مفاتيح» خطة الخصم مكشوفة. لذلك ماذا لو تسلمت المعارضة المسلحة ما يكفي او يؤثر من صواريخ «ستينغر» او «سام-7» المضادة للطائرات لتكرر مجزرة الهليكوبتر في افغانستان؟ ماذا عن تآلف وتضامن وتحرك المكون السني العربي والاسلامي الذي ينتج عداء لا ينتهي لروسيا؟ وماذا لو فشل الهجوم البري بأن لا يتم المحافظة على «الجسور» التي يمكن وضع اليد عليها. مهما حاول «القيصر» التبرؤ من «الهزيمة» وإلصاقها بالجنرال الإيراني» ، فإن الخسارة واقعة. الكلام عن فترة عشرة أشهر يعني ان «القيصر» يريد ترك مساحة من الوقت أمام المتنافسين على الرئاسة الاميركية حتى لا يتباريان في الموقف منه. رغم ذلك تبقى القرارات معلقة على «هوية« الرئيس الاميركي القادم. من الصعب جداً ان يكون الرئيس الاميركي المنتخب نسخة مكررة عن اوباما وسياسته. عندئذ لا يمكن «للقيصر» الا ان يعيد حساباته ووجهة حركته.
ماذا عن إيران التي تقف على مفترق طرق قد تكون نتيجته مليئة بالمفاجآت والمتغيرات ومن ذلك ان «مال» إيران للإيرانيين وليس «لغزة وسوريا ولبنان»؟
مسؤول كبير يرى ان الحل في سوريا سيوضع على «السكة» في مطلع العام 2016 لكن المشكلة تبقى في طول «السكة» وماذا ينتظر «القطار» من عوائق وألغام ومفاجآت، خصوصاً انه لا يمكن ضبط حركة العامل الانساني السوري المحقون بالغضب والمشحون بالحقد.