Site icon IMLebanon

انقلاب الزمن على لبنان: اقتصاد سنغفورة مثالاً

Lebanon-Economy
مروان اسكندر

المقارنة بين لبنان وسنغافورة تبين مدى تدهور أوضاع بلدنا، وقد رأينا من المناسب اختيار مقاطع من خطاب رئيس وزراء سنغافورة أمام مجلس النواب بعد انتخابات حرة حاز حزبه فيها نسبة 69٫9 في المئة من أصوات الناخبين و83 مقعداً من أصل 89 مقعداً، والحزب اسمه Peoples’ Action Party اي حزب عمل المواطنين وقد حاز غالبية الأصوات منذ استقلال سنغافورة عن ماليزيا عام 1965.
وقبل ذلك لا بد من اعطاء صورة عن هذه الجزيرة التي تبلغ مساحتها 719 كيلومتراً مربعاً أي ما نسبته سبعة في المئة من مساحة لبنان، ويسكنها 5٫5 ملايين نسمة منهم نسبة 38 في المئة من المواطنين، ومعدل الدخل الفردي في سنغافورة اكثر من 56 الف دولار في السنة إذ يبلغ الدخل القومي 308 مليارات دولار أي خمسة اضعاف الدخل القومي في لبنان.
عام 1966 ارسل لي كوان يو Lee Kwan Yu، الزعيم الذي قاد سنغافورة اعتماداً على حزبه منذ عام 1965 والى حين وفاته عام 2014، وفداً الى لبنان لدراسة اسباب نجاح لبنان اقتصادياً وتقوي عملته المحلية بعد الانفصال النقدي عن سوريا والسياسات الضريبية العامة المتبعة كما هيكلية الادارة الحكومية. ومثال سنغافورة في النجاح على مختلف الصعد دفع أمير دبي الشيخ محمد بن راشد الى تبني ممارسات سنغافورة التنظيمية والمالية والادارية وان يكن هنالك تفاوت في التمثيل السياسي. وكان لي كوان يو يحتفظ بجميع كتب جبران خليل جبران ويؤكد اعجابه بلبنان لجميع زواره من اللبنانيين.
لماذا تجاوزت سنغافورة لبنان بالمقاييس المشار اليها خلال 50 سنة؟.
الجواب يظهر من مقاييس اعتماد الكفاية لدى أجهزة الدولة والاختصاص في نشاطات باتت ذات اهمية اقتصادية عالمية.
المبادئ الرئيسية المتبعة في سنغافورة هي الكفاية للوظيفة، تعدد الانتماءات الدينية والفكرية واعتماد نظام مدني غير ديني. واشتهرت سنغافورة بدقة معاملاتها وسرعتها، واعتماد الحلول العملية وتكريس التطورات التقنية، والابتعاد عن الرشوة والمحسوبية، ولذا حققت معدلات نمو سريعة، وصارت على صغر رقعتها وضآلة عدد سكانها تعتبر أحد أهم خمسة مراكز مالية في العالم، وصار لديها صندوق سيادي تفوق موجوداته الـ200 مليار دولار.
وتتمثّل نشاطات سنغافورة في أنها أصبحت مركزاً عالمياً للتجارة، والنقل، والخدمات المالية، واستناداً إلى تصنيفات البنك الدولي تعتبر منذ تسع سنوات “أسهل مركز لانجاز الاعمال في العالم”. ولدى سنغافورة ثاني مرفأ للمستوعبات على صعيد الحركة عالمياً، كما تصنف شركتها للطيران أفضل الشركات الرئيسية في جنوب آسيا من حيث الادارة والخدمات. ولا غرابة في ان استطلاع غالوب Gallop Poll عن مدى ارتياح السكان الى الحكم وتسيير شؤونه والنمو، أظهر ان 84 في المئة من السكان يعتبرون ظروف حياتهم المادية والاجتماعية والصحية والسكنية جيدة جداً. ومعلوم ان 90 في المئة من أهل البلد يملكون منازلهم.
نعود بعد هذا العرض السريع الى خطاب رئيس وزراء سنغافورة، ابن الرئيس الذي ارسل وفداً الى لبنان قبل 50 سنة لاستطلاع اسباب نجاح بلدنا في حينه.
يقول رئيس وزراء سنغافورة Lee Hsien Loong مخاطباً اعضاء حزبه في مجلس النواب استناداً الى مبادئ الحكمة: جرت العادة بعد كل عملية انتخاب ان يوجه رئيس الوزراء رسالة الى نوابه، وقد تختلف الرسالة احياناً لكن المبادئ التي يتم التذكير بها في كل رسالة هي النزاهة، الصدقية، والترفع عن الانتفاع، ويجب ان نحافظ على هذه المبادئ ما دمنا نتولى المسؤولية.
وبعد اشارته الى مدى ثقة الناخبين الذين وفروا لحزبه 83 مقعداً من 89، يقول: “الشعب تبنى انجازاتنا في الحقبة المنقضية، ووفر لنا وكالة لتنمية سنغافورة الى ما بعد سنوات. وعلينا ان نحقق ما التزمناه في برنامجنا الانتخابي. ولا يجوز ان نخون الثقة التي حظينا بها شعبياً”.
ويضيف: “كونوا متواضعين في الانتصار، وتذكروا دائماً اننا في خدمة الشعب ولسنا زعماءه. لا تخطئوا في اعتبار نتائج الانتخابات اقراراً بنجاحنا، وان في امكاننا ان نتراخى. هنالك الكثير من العمل علينا تحقيقه لمعالجة قضايا تهم المواطنين وعلينا استكشاف وسائل جديدة واضافية لتحسين مستويات معيشة الشعب. اسمعوا جيداً مطالب المقترعين، ساعدوهم على تخطي المصاعب والحاجات الملحة، وانقلوا المخاوف والتطلعات الى الحكومة”.
حيث ان الخطاب يتألف من 37 فقرة، لخصت الفقرات الأربع الأولى أعلاه وادرج فقرتين بترجمتهما الكاملة لاهميتها لنوابنا اللبنانيين اذا ارادوا الاطلاع على انجازات الغير.
“يفترض حضور جميع اعضاء مجلس النواب الجلسات التي تعقد. في حال حاجة عضو الى الغياب عليه ان يبلغ الوزير المسؤول عن شؤون المجلس الاسباب والحصول على موافقته. والامر نفسه يسري في حال حاجة عضو حاضر الى الانسحاب لسبب طارئ.
“في حال السفر أو الغياب عن جلسات المجلس لأي سبب، يجب على العضو ابلاغ رئيس مجلس النواب الاسباب وذلك كتابة، وترسل نسخ من الطلب الى رئيس المجلس وعضو مجلس الوزراء المكلف شؤون مجلس النواب، وفي حال السفر على النائب ابلاغ عضو مجلس الوزراء المكلف شؤون مجلس النواب العنوان أو العناوين في الخارج التي تسمح بالاتصال بالنائب”.
حضرة المسؤولين اللبنانيين
بالتأكيد لستم مسؤولين عن انهيار الاوضاع في لبنان كلياً، وعليكم بالتأكيد مسؤولية جزئية، فعسى ان تجدوا في مثال سنغافورة ما يبعث على تنشيط المجلس، وتفعيل مجلس الوزراء، ليس فقط لمعالجة مشاكل طارئة مزعجة ومخجلة بل للنظر الى الاهم: الكهرباء، الماء، البيئة، تفعيل المؤسسات وتفعيل الموارد المالية المتاحة والمعقمة، ومحاولة اعادة نفس الحياة الى البيئة التي تحضن جميع اللبنانيين والزوار لبلدنا المسكين.