تحيي إسبانيا مناسبتين هذا الشهر: عيدها الوطني الذي يخلّد اكتشاف الرحّالة كريستوف كولومبوس للجزر الكاريبيّة في 12 تشرين الأول عام 1492 واستتبعها باكتشاف أميركا أو «العالم الجديد»، ثمّ تسلّمها رئاسة مجلس الأمن الدّولي لهذا الشهر بعد انتخابها عضوا غير دائم على مدى عامين، وهي ستعود لترؤس المجلس مرة ثانية في كانون الأول عام 2016.
جمعت السفيرة الإسبانية ميلاغروس هرناندو في قصر شهاب (الحدث) يوم السبت نحو 1400 مدعو بينهم 900 إسباني يعيشون في لبنان. تمنح هرناندو أهمية خاصة للناحية الثقافية، مشيدة باللبنانيين الذين يعيش 13 مليون منهم في أميركا اللاتينية والذين ينكبّون في لبنان على تعلم اللغة الإسبانية، وقد خرّجت الجامعة اللبنانية هذه السنة الدفعة الأولى من المجازين بالإسبانية وهي الجامعة الأولى التي تدخل هذه اللغة مناهجها.
تفرد هرناندو حيّزا واسعا للحديث عن أجنددة إسبانيا في مجلس الأمن الدولي، وهي تتوزّع على 3 مواضيع رئيسيّة: المرأة والسلام والأمن، ومحاربة الإرهاب من وجهة نظر الضحايا، وثمّة جلسة دعت اليها إسبانيا مع الأردن ونيوزيلندا وقد وجه خلالها رئيس الوزراء الإسباني مانويل راخوي دعوة لرؤساء حكومات الدول ومن بينهم الرئيس تمام سلام، وستخصّص جلسة للأوضاع في الشرق الأوسط في 24 الجاري بهدف الدفع بعملية السلام المجمّدة بين إسرائيل والفلسطينيين.
ويوم غد في 13 الجاري ثمّة جلسة مخصصة للأزمات الإنسانية الطارئة، لا سيّما في سوريا واليمن، وقصد وفد إسباني دمشق منذ قرابة الأسبوع لتقديم وثائق والحصول على أخرى في هذا الموضوع من المنظمات الدولية العاملة هناك ومن السلطات السورية.
وهل ثمة اتصالات بين حكومة مدريد والنظام السوري؟ تنفي السفيرة هرناندو ذلك مشيرة الى أن إسبانيا «تطبّق قرار رؤساء الحكومة الأوروبيين الصادر عام 2012 والذي يحظّر أية اتصالات سياسية مع النظام السوري، وبالتالي تكتفي مدريد بالإبقاء على السفارة مفتوحة جزئياً في دمشق وعلى وجود قائم بالأعمال يتنقل بين دمشق وبيروت في حين انتقلت المعاملات القنصلية كلها الى لبنان»، وتخلص الى القول أنّ الاتصالات مع النظام «إداريّة فحسب».
مرحلة انتقاليّة مع النظام السوري
في سوريا ترى اسبانيا أنه آن الأوان لإيجاد حلول سياسيّة لهذه الدراما السورية الممتدة والتي لها تداعيات إنسانية جمّة.
وأخيرا لفتت مواقف مسؤولين إسبان بينهم رئيس الحكومة مانويل راخوي الذي قال إنه يجب التحالف مع القيادة السورية من أجل محاربة «داعش»، وأضاف راخوي: ثمّة ضرورة للتعامل مع الرئيس بشار الأسد كحليف أساسي بالدرجة الأولى والتنسيق المشترك معه في مواجهة التنظيمات الإرهابية المسلحّة والقضاء على تنظيم داعش»، مشيرا الى أنّ «العدو الأوّل والمشترك هو تنظيم «داعش الإرهابي».
من جهته، أعلن وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل غارسيا أن «للرئيس السوري بشار الأسد كلمته في عملية التفاوض حول الحلّ السوري». فكيف تطوّر الموقف الإسباني تجاه الأزمة السورية؟
تقول السفيرة هيرناندو: «اعتقدت إسبانيا منذ البداية أن الحلّ السياسي يكون بالتواصل والحوار مع المعارضة السورية، لكن بعد امتداد الحرب صرنا نعتقد بضرورة المرور بمرحلة انتقالية مع النظام السوري، وتتقاسم هذا الموقف بلدان أروروبية أخرى منها ألمانيا والبرتغال وبريطانيا وسواها، إذ تعتبر هذه الدّول أنّه يجب التفكير في حلّ انتقالي، وأن ثمّة ضرورة للكلام مع الأسد الذي يمكن البتّ بمصيره في وقت لاحق».
يرتكز التفكير الإسباني حيال الأزمة السورية على أمرين: حلّ سياسي والعودة الى ذهنيّة مؤتمر جنيف (1) الذي ينصّ على مرحلة انتقالية وحكومة مقبولة من معظم السوريين وهذا ما يوجب الحديث مع الأسد فيكون جزءا من الحلّ، أما بتّ مصيره فمتروك الى مرحلة لاحقة».
أسئلة حول التدخّل الروسي
يطرح الإسبان علامات استفهام حول التدخّل الروسي الحالي في سوريّا، تقول هرناندو: «لم يخف الرّوس يوما بأنّهم حلفاء للأسد وهم يبذلون الجهود لمساعدة نظامه، ويصبّ تدخلهم في خانة مساعدة الحليف. والسؤال الذي يطرح هو عن التوقيت الحالي للتدخّل، وبرأيي أنّ الوضع صار أشدّ تعقيداً في سوريا بالنسبة الى النظام وذلك بعد استنزاف يدوم منذ 4 أعوام، بحيث تعرّض الجيش السوري للإنهاك. يقول الروس في المنتديات الدولية إنهم يحاربون الإرهاب، لكنهم يضربون أيضا المعارضين المعتدلين، وقد سمعوا كلاما بهذا المعنى في بروكسل وفي كل العواصم المعنية، فجميعنا ضدّ الإرهاب لكن أين الحل السياسي وكيف نصل إليه؟». تتابع هرناندو: «يجب أن ينضمّ الى النّظام أشخاص ليسوا من ضمنه ولديهم خطوط أخرى للمستقبل السوري ويحملون أفكارا جديدة».
وعن تأثير الخلاف السعودي الإيراني على المنطقة قالت هيرناندو: «أعتقد أنّ على الدولتين أن تختارا التعايش السّلمي، إنه واجب يترتب على إيران والسعودية معاً من أجل استقرار الشرق الأوسط، ليست المرّة الأولى التي يتعايش فيها لاعبان متناقضان تاريخياً، لكن يمكن إيجاد وضع من التعايش السّلمي كما حدث بين الولايات المتّحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي بعد الحرب الباردة، فالمواجهة لا تؤدّي إلا الى العنف. وأنا متفائلة بإمكانيّة حصول هذا التعايش، إذ ثمة مؤشرات إيجابية في هذا الخصوص».
60 جهادياً إسبانياً في سوريا
بلغت أزمة النازحين السوريين إسبانيا التي تستقبل حاليا 3 آلاف نازح وتعتزم الحكومة استقبال 30 ألفاً آخرين من النازحين الموجودين على الأراضي الأوروبية. تكافح إسبانيا من جهة ثانية ظاهرة الجهاديين الذين ينتقلون للقتال في سوريا ويبلغ عددهم، بحسب هيرناندو، 60 مقاتلا إسبانيا فحسب، وتعيد السفيرة الإسبانية سبب هذا العدد الضئيل الى أنّ «المسلمين الإسبان لا ينتمون الى منظمات راديكالية من جهة، والى قلّة عدد الجالية المسلمة التي لا يتجاوز عددها المليون».
وتدعو السفيرة الإسبانية الى انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان وإكمال عمل المؤسسات، تقول: «إنّ لذلك رمزية كبرى. لا ينبغي أن يعطي لبنان انطباعاً بأنه غير قادر على إكمال نظامه الخاص، ثمة شلل حكومي ومؤسساتي بدأ ينخر بعمق في المؤسسات وبات المجتمع اللبناني بأسره معلّقاً على الاشتباك السياسي القائم، من هنا أهمية المبادرة الحوارية التي قام بها رئيس المجلس النيابي نبيه برّي وهي ممتازة لأنها فتحت أبوابا كانت مغلقة وشرّعتها على الكلام والحوار».
تتابع إسبانيا عملها في عداد قوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان ولها 700 عنصر بين مرجعيون والناقورة وهي ملتزمة بمهمتها «في إعادة بناء السلام» التي سقط لها فيها 10 شهداء منذ 2006. وتتعاون إسبانيا مع الجيش اللبناني وخصوصا في مجال التدريب، وهي على علاقات جيدة أيضا مع «حزب الله». وتقول هرناندو «إن إسبانيا منفتحة على كلّ الأحزاب السياسية في لبنان، ونحن نقبل حزب الله كجزء من المجتمع اللبناني وهو قوي في جنوب لبنان حيث ننسق مع البلديات في المنطقة، لكننا نلتزم قرار الاتحاد الأوروبي بحظر التعاطي مع الجناح العسكري لـحزب الله». وعن رأيها بقتال «حزب الله» في سوريا قالت هرناندو: «نحن نرى بأن إعلان بعبدا كان مهمّا جدّا، وكان ينبغي احترامه وليس لي أن أنتقد أيّ حزب لبناني».