الاقتصاد العالمي يبدو أنه في مفترق طرق. من جهة يبدو من المرجح أن عام 2016 سيشهد تدهورا يدفعه من وضعه الذي هو دون المتوسط الآن نحو وضع يتسم بالبؤس. ومن جهة أخرى هناك تحرك مستمر نحو التطبيع عقب أزمة 2008/2009 المالية، والوصول إلى اقتصاد عالمي أكثر توازنا واستدامة. لكن ليس هناك من هو متأكد من المسار الذي سيتبعه العالم، ولا ما إذا كانت السياسة الاقتصادية قوية بما فيه الكفاية للتأثير على النتيجة.
وما من شك في أن أنظار العالم تتركز بشكل كبير على المخاطر والتحديات. وقد ارتفعت المخاوف بشكل حاد في الصيف بعد تخفيض الصين قيمة عملتها، ما سلط الضوء على مخاوف من أن الآفاق الاقتصادية للصين تتدهور بسرعة، وأن حالات الركود آخذة في التفاقم في النجوم السابقة الأخرى للاقتصاد العالمي، مثل البرازيل وروسيا، بينما عانت أسواق الأسهم العالمية لتوها من أسوأ ربع منذ عام 2011.
جنبا إلى جنب مع الأسواق المالية الضعيفة، تراجع رأس المال نحو الملاذات في العالم المتقدم، وتراجعت أسعار السلع ولا يزال نمو التجارة العالمية متعثرا. الصين التي كانت منذ وقت ليس ببعيد المحرك الموثوق للاقتصاد العالمي، تعتبر الآن أكبر نقاط ضعفه ـ تمثل 16 في المائة من الإنتاج العالمي ونحو 30 في المائة من النمو المتوقع. ووفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: “الخطر الرئيسي على النمو العالمي هو تباطؤ أكبر من المتوقع في الصين”.
ولأن بعض المصارف الاستثمارية، مثل سيتي بانك، تتوقع حدوث ركود عالمي في عام 2016، فإن المسؤولين حرصاء على ألا يمسك بهم وهم نائمون، كما حدث معهم في فترة ما قبل الأزمة عام 2008.
وتقول كريستين لاجارد، رئيسة صندوق النقد الدولي، إن هناك حاجة ماسة إلى السياسات لمعالجة المشاكل بين الاقتصادات الرائدة في العالم في وقت “صعب ومعقد”، على اعتبار أن “المخاطر السلبية للتوقعات قد زادت، ولا سيما بالنسبة لاقتصادات الأسواق الناشئة”.
آندي هالدين، كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، يحذر من أن الاضطرابات في الصين هي علامات على “أنه يمكننا الآن الدخول في المراحل الأولى من الجزء الثالث من ثلاثية الأزمة العالمية ، وأزمة الأسواق الناشئة في عام 2015 وما بعده”.
سيناريو الأزمة الثالثة – عقب أزمة اقتصادي الولايات المتحدة وبريطانيا في 2008/2009 وأزمة منطقة اليورو في 2011/2012 – قد ينبع من المخاطر الناجمة عن ارتفاع الديون الصينية منذ عام 2008. الديون غير المالية الخاصة وصلت إلى 160 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة في عام 2007 ونحو 200 في المائة في المملكة المتحدة قبل أن تعمل الأسر والشركات على شد الأحزمة على البطون. وقد تجاوزت الصين بالفعل هذه المستويات، وفقا للبيانات الصادرة عن بنك التسويات الدولية.
ومع تباطؤ النمو، ربما بسرعة أكبر من ما تظهره الإحصاءات الصينية الرسمية، القدرة على خدمة ودعم هذا الدين تصبح موضع شك. وحالات الإعسار والخسائر الضخمة يمكن أن تتبع ذلك، ما يثير حلقة مفرغة من حالات الضعف والإفلاس في القطاع المالي، والضغط على الائتمان وعلى الآفاق الاقتصادية الضعيفة. وبقية العالم لن تكون قادرة على تجاهل مثل هذه الأزمة، نظرا لحجم الصين وروابطها التجارية واتصالاتها المالية مع البلدان الأخرى.
رسائل بكين المتباينة ومحاولاتها الفاشلة لمنع انفجار فقاعة سوق الأسهم لديها خلال الصيف لا توحي بالثقة بأنها مؤهلة بشكل فريد لتجنب وقوع كارثة.
لكن رغم كل هذه المخاوف الحقيقية والمقنعة، لا يجري صدم العالم بعد بعاصفة اقتصادية أخرى. على الرغم من أن الإحصاءات الاقتصادية الصينية المتنازع عليها تظهر أن النمو لا يزال بمعدل سنوي 7 في المائة، هناك إعادة التوازن التي لا يمكن إنكارها، الجارية في الصين لنقل النمو من الإنشاءات والاستثمار في الآلات الثقيلة نحو الاستهلاك والخدمات.
وفي كثير من اقتصادات العالم الكبيرة الأخرى، الصورة والبيانات الاقتصادية لا تزال بعيدة عن كونها كارثية. فالاقتصاد الأمريكي الذي لا يزال أهم اقتصاد في العالم، يفكر في رفع أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ عشر سنوات. وهذا يعكس نضج الانتعاش الاقتصادي ونجاحه في توليد نمو العمالة. فقد انخفض معدل البطالة إلى مستويات طبيعية لم يسبق لها مثيل. وأوضحت جانيت ييلين، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي، أن قرار عدم رفع أسعار الفائدة في أيلول (سبتمبر) الماضي علامة على زيادة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي. وأوضحت كذلك أنها ترى آفاقا جيدة عندما تنظر إلى الولايات المتحدة، وهو ما يراه أيضا زملاؤها في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة التي تحدد أسعار الفائدة.
وقالت ييلين في أيلول (سبتمبر): “معظم المشاركين في لجنة السوق المفتوحة، بمن فيهم شخصي، يتوقعون حاليا تحقيق هذه الشروط القصوى لفرص العمل واستقرار التضخم ومن المرجح أن يستتبع ذلك زيادة أولية في سعر الفائدة على ودائع المصارف لدى الاحتياطي الفيدرالي في وقت لاحق هذا العام، تلي ذلك خطوات تدريجية من التشديد”.
في أوروبا كثير من المؤشرات الاقتصادية تبدو أكثر إيجابية مما كانت عليه في أي وقت منذ بدء الأزمة في منطقة اليورو عام 2011. فقد أظهرت اليونان هذا العام أنها لم تعد لديها القدرة على عرقلة ما تبقى من منطقة العملة الموحدة، وفي الوقت نفسه يتمتع المستهلكون بزيادة نادرة في صافي الدخل في أعقاب انخفاض أسعار السلع الأساسية في جميع أنحاء العالم.
وتبقى السياسة النقدية والمالية على أهبة الاستعداد للرد على أبطأ توقعات للنمو العالمي، مع مزيد من التحفيز النقدي على الأرجح في الأشهر المقبلة. الصين، باعتبارها المستورد الكبير للنفط والمعادن، تكسب من الانخفاض في أسعار السلع الأساسية، وكذلك الهند – الاقتصاد الكبير الأسرع نموا في العالم. وكثير من الاقتصادات المصدرة للسلع الأساسية، التي تتم إدارتها بصورة جيدة، استفاد من انخفاض قيمة العملة، ما يعوض الضرر المحلي من انخفاض الأسعار دون زيادة التضخم بشكل ملحوظ.
جوليان جيسوب، من محللي “كابيتال إيكونوميكس”، يعتقد أن رد فعل السوق المتمثل في الشعور بصدمة من أحداث الصيف حتى الآن، كان مفاجئا ومفرطا فوق الحد: “النتيجة هي أنه بدلا من أن يكون الاضطراب الراهن تهديدا جديدا، نحن نعتقد أن آراء المحللين تلعب لعبة اللحاق بالركب مع الاتجاهات الموجودة منذ عدة سنوات”.
إذا كان هذا صحيحا، بدلا من أن يدخل العالم المرحلة الثالثة من الأزمة المالية العالمية، فإن الوضع أقرب إلى كونه استمرارا للنمو العالمي تقريبا بمعدل يبلغ المستوى المتوسط للسنوات الـ 30 الماضية، مع أداء بعض البلدان بمستوى أفضل من غيرها: الوضع الطبيعي بدلا من الأوقات غير العادية.
أما بالنسبة للصين، إذا ما تبين أن هذا الرأي العملي صحيح، فإن السلطات سترتكب أخطاء لكن أيضا ستحقق تقدما من حيث إعادة التوازن إلى الاقتصاد بالانتقال من الاستثمار إلى الاستهلاك.
العالم في عام 2016 لن يحتاج إلى اتخاذ مسار متطرف، كما يقول إريك نيلسن، كبير الاقتصاديين في يونيكريديت – رغم أن هناك كثيرا من الخيارات المتاحة.
ويقول: “نحن الاقتصاديين نحب أن نتوقع مسارات سلسة، في حين أن ملكات الدراما اللاتي يحببن اختطاف العناوين يحببن أن يتوقعن انهيارا وشيكا. التوقع المأمون ربما يقع بين الطرفين: متعثر، لكنه مدار بصورة معقولة”.