كتب شارل جبور في صحيفة “الجمهورية”:
خبران وردا في صحيفة زميلة في عدد السبت الماضي يؤشّران بوضوح إلى المعطلين لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وإلى الأسباب التي تدفع العماد ميشال عون إلى التمسّك بترشيحه، فضلاً عن أنّ الخبرين يسيئان إلى الصورة التي حاول عون تقديمها عن نفسه ودوره.الخبر الأوّل كشفَ أنّ العماد عون «صار أقربَ من أيّ وقت مضى إلى النظام السوري حتى في عزّ أزمته، والدليل أنّ الرئيس السوري بشّار الأسد يتولّى شخصياً الاتصالَ به قبل أيام قليلة ويبلِغه أنّ سوريا تدعم خياراته «لكنّ المطلوب منك الصمود فقط حتى نهاية هذه السَنة، وعندها تكون أمور المنطقة وسوريا ولبنان قد بدأت بالتبلور». وهذا الخبر الذي لم يتمّ نفيُه كان وردَ في صحيفة أخرى منذ أسبوعين.
الخبر الثاني كشفَ أيضاً أنّ دعوة الأسد لعون من أجل «الصمود والانتظار» سمعَها الأخير «أكثر من مرّة في الآونة الأخيرة من حليفه الأوّل «حزب الله» الذي بالنسبة إليه ما كان مستحيلاً قبل سنة ونيّف صار ممكناً الآن، وهو الأمر الذي عبّرَت عنه مواقف السيّد حسن نصرالله بالقول: «نحن على عتبة مسار سوري جديد».
وانطلاقاً من الخبرين المذكورين لا حاجة لاستكشاف هوية الجهة المسرّبة، لأنّ مصدر التسريب ليس بالتأكيد «التيار الوطني الحر»، لأن لا مصلحة له بتظهير علاقته مع الرئيس السوري، ولا أنّه يراهن على التطوّرات السورية لقلب الطاولة الداخلية، وبالتالي من يقف خلف هذا التسريب لا يريد الإتيان بعون رئيساً، ليس فقط من زاوية تسليطه الضوءَ على تواصله مع الرئيس السوري وزيادة تصلّب 14 آذار ضدّه، إنّما مِن خلال الإشارة إلى رهانه على انتصار محور الممانعة في سوريا، وانعكاس هذا الانتصار بطبيعة الحال على لبنان، وذلك على قاعدة أن يَحكُم المنتصر ويُحكَم المهزوم، وليس على قاعدة الشراكة في الحكم والمسؤولية.
فالعماد عون يمكنه القول إنّه يشكر كلّ من يَدعم وصوله إلى رئاسة الجمهورية، وإنّه غير معنيّ بالجهات التي تدعمه أو ترفض دعمَه، ولكن ما ينطبق على «حزب الله» لا ينسحب على النظام السوري، فضلاً عن أنّه كمرشّحٍ طرف لا يستطيع أن يلوم الطرفَ الآخر الرافض لانتخابه، خصوصاً أنّ مواقفه أثبتت بأنّ وسطيته كانت استثناءً، فيما القاعدة هي تحالفُه الراسخ مع محور الممانعة إلى حدّ تشجيعه من قبَل الرئيس السوري على التمسّك بترشيحه.
فالفرصة الرئاسية لعون كانت نتيجة التموضع الذي قام به، فيما هذه الفرصة بالذات معدومة لدى النائب سليمان فرنجية نتيجة مجاهرته بعلاقته مع النظام السوري، وإدراكه أنّ وصوله يتوقّف على انتصار المحور الذي ينتمي إليه، الأمر الذي لا يخفيه فرنجية، بينما عون حاولَ تظهيرَ صورة مختلفة، وبالتالي وضعُه اليوم لا يختلف عن وضع رئيس «المردة»، أي يتوقّف انتخابُهما على انتصار المحور الذي ينتميان إليه.
ولكنّ هذا الانتصار وهمٌ، لأنّ الشيعي لا يستطيع أن ينتصر على السنّي في المنطقة، والعكس صحيح، وبالتالي الأمور ستذهب في نهاية المطاف نحو تسوية سعودية-إيرانية واستطراداً سنّية-شيعية، وبالتالي خطأ العماد عون أنّه دخل على خط الرهان على انتصار خط على آخر، فيما كان من الأولى أن يبقى على مسافة واحدة من الطرَفين، خصوصاً أنّه لم يكن في الأساس مع هذا الخط.
فواهمٌ كلّ مَن يعتبر أنّ ميزان القوى سيَسمح لفريقي 8 و 14 آذار بإيصال مرشّحيهما، مع فارق أنّ قوى 14 آذار وتحديداً مرشّحها الرئيسي الدكتور سمير جعجع يدرك أنّ طهران لا تسمح بوصوله، وما تمسّكه بترشيحه سوى لتأكيد حقّ فريقه بإنعاش خيار الدولة، والوصول إلى الرئيس الوسطي الذي يَعلم أنّ انتخابه جاء نتيجة التقاطع على شخصه، الأمر الذي يَجعله على مسافة واحدة من الطرفين، فضلاً عن أنّ 14 آذار لم تقاطع أيّ جلسة انتخاب، وأعلنَت مراراً وتكراراً التزامها بنتيجة تصويت البرلمان.
وإذا كان من حقّ أيّ سياسي أو مرشّح الرهان على التطورات التي تفتح طريق السلطة أمامه، ولكن لا يحق له توسّل العنف أو تعطيل المؤسسات لسبب أوحد هو أنّ توازناتها لا تسمح بتحقيق أهدافه السلطوية، بل عليه التسليم بتوازنات اللحظة السياسية، لأنّه خلاف ذلك يدخل البلد في فوضى دستورية قد تستجلب فوضى أمنية، فضلاً عن أنّ كلّ الحجج التي عزاها عون لتعطيل النصاب والتي ترتبط بضرورة إيصال المرشح التمثيلي، سقطت مع كلام الأسد و«حزب الله»، حيث أظهرا أنّ السبب الرئيس للتعطيل هو الرهان على التطوّرات الخارجية.
وإنْ دلَّ كلام الأسد و«حزب الله» على شيء، فعلى أنّ ما دأبَ جعجع على تكراره أخيراً في محلّه، وهو أنّ المعطّل الأساسي للانتخابات هو محور الممانعة الذي تشكّل دعواته لعون من أجل «الصمود والانتظار» أكبرَ دليل على مخاوفه من أن يتراجع عن ترشيحه ويَدخل في تسوية تحت عنوان السلّة المتكاملة فيفقده ورقة تفاوض أساسية، ولا مبرّر لحثّه على الصمود سوى أنّ هذا المحور لا يريد أن يظهر أمام المجتمع الدولي بأنّه المعطّل الفعلي للانتخابات الرئاسية في لبنان، بل أن يستمر بعملية التلطّي وراء العماد عون، فيما هو يريد حقيقةً حرقَ عون، وإبقاءَ الرئاسة في لبنان معلّقة بغية ربطِها مع الرئاسة السوريّة.
وفي الوقت الذي أكد فيه عون في كلمته بمناسبة 13 تشرين أمس أنّ الوقت يعمل لمصلحته، خلافاً لما يروِّج أخصامه، فإنّ خطابه كان خالياً من أيّ مضمون سياسي يتّصل بموقفه من الحكومة والحوار، الأمر الذي يمكن وضعُه في خانتين: إنتظارُه تسوية ربعِ الساعة الأخير قبل الذهاب إلى خطوات مواجهة عملية، أو الاستجابة لنصيحة «حزب الله» الذي لا يستطيع مجاراته بالتصعيد غير المحسوب في ظلّ حِرصه على الحوار والحكومة.
ويُفترض أن يكون انفراط التسوية أو حتى نجاحها في ربع الساعة الأخير مناسبةً للعماد عون من أجل أن يعيد حساباته وأولوياته للحدّ من خسائره السياسية والعودة إلى سياسة تسجيل النقاط، فيما أيّ رهان على الدور الروسي في سوريا لقلب الطاولة في لبنان هو وهمٌ وانتحار، ليس فقط لأنّ موسكو لن تربح في سوريا، بل لأنّ حسابات موسكو تختلف عن حسابات طهران، ولن تعادي العالم لتحقيق رغبات إيران، بل ستأخذ في الاعتبار مصالح كلّ اللاعبين وفي طليعتهم السعودية، على غرار أخذِها في الاعتبار المصلحة الإسرائيلية.