IMLebanon

مكاتب تعليم القيادة.. حاجة أم “تنفيعة”؟

drivingschooltest
مارسيل محمد

تُعتبر عملية الحصول على رخصة قيادة، من المسائل المثيرة للسخرية في لبنان. فالحصول على الرخصة، المسماة “دفتر سواقة” باللهجة العامية، لا يتطلب أكثر من دفع حوالي 350 ألف ليرة، تضاف إليها 50 ألف ليرة هي في الواقع حصة مكتب تعليم القيادة، الذي بات ممراً إلزامياً للحصول على الرخصة.

المكتب نقطة انطلاق مهمة للحصول على رخصة قيادة، لكن ليس في لبنان، نظراً لغياب القانون عموماً، وغياب خطة لتنظيم الحصول على رخصة قيادة خصوصاً. فالذهاب الى أي مركز معتمد يُظهر حجم التحايل على القانون القاصر أصلاً عن تأمين خدمة الحصول على رخصة بطريقة صحيحة، تُمكّن السائق من حمل رخصة قانونية بعد اجتياز الفحوصات اللازمة بنجاح.
امتحان القيادة في لبنان يحتاج لبضع دقائق، يجتازها من لديه خبرة في القيادة بكل سهولة، ليبقى أمامه سؤال شفهي حول 4 او 5 إشارات سير، يستطيع حفظها قبل الامتحان، عبر ورقة إرشادية موجودة في المركز. اما من لا يملك خبرة مسبقة، فما عليه الا الوثوق بمكتب التعليم الآتي عبره الى الامتحان، فالمكتب في هذه الحالة هو ضمانة النجاح، كيف لا، وثمن النجاح مدفوع سلفاً؟

عدد الناجحين والراسبين لكل مكتب يُحدد في جلسات جانبية بين اصحاب المكاتب والمسؤولين عن الامتحانات داخل كل مركز. وفي الغالب، فإن واحداً من بين 4 او 5 يرسب، اولاً للحفاظ على “سمعة” الامتحان، حتى لا تُثار الشبهات في حال نجاح الجميع، وثانياً، لتأمين مردود إضافي، حيث يدفع الراسب حوالي 150 الف ليرة لإعادة الامتحان، ناهيك عن مبلغ 50 ألف ليرة ثمن “تعليم”، لفترة لا تتجاوز 15 دقيقة، قبل الخضوع للإمتحان.

ما يتقاضاه المكتب من “مبلغ بسيط”، هو “حق، يساعد على دفع مصاريف المكتب والسيارات والرخص وغيرها”، على حد تعبير صاحب أحد مكاتب القيادة في بيروت، عمر أبو الخدود. فالمكتب “يدفع ضرائب سنوية ويفحص سياراته ويدفع تكاليف الميكانيك للحصول على ترخيص عمل، وعندما يتقدّم المواطن للحصول على رخصة قيادة، يقوم المكتب بتدريبه على السيارة ثم يساعده لتقديم أوراقه إلى اللجنة المختصة بإمتحانات القيادة”.

إمتحان القيادة في لبنان لا يراعي بأي شكل من الأشكال قدرة السائق الفعلية على القيادة، إن على الطرقات السريعة، او بين السيارات، كما طريقة ركن السيارة… وكل ما يتعلق بقواعد القيادة. كما ان تجديد الرخصة لا يلزم السائق بإجراء فحوصات طبية تُثبت أهليته للقيادة، أما المراقبة الدورية وملاحظة عدد مخالفات السير والحوادث، فهي أمرٌ لا تعرفه هيئة إدارة السير. وبذلك، فإن الحصول على رخصة القيادة أمر غير قابل للطعن فيه والتراجع عنه.

في المقابل، فإن الحصول على رخصة قيادة في ألمانيا على سبيل المثال، يتطلب المرور بدوامة طويلة، لا تنتهي مفاعيلها بمجرد الحصول على الرخصة. وبحسب غنى صليبي، وهي لبنانية تعيش في ألمانيا، فإن “الحصول على رخصة يبدأ بالتسجيل عند مكتب قيادة، مقابل نحو 180 ألف ليرة، وهذا المكتب يكون متعاقدا مع وزارة الداخلية، ويقوم بتدريس الأفراد وإعطائهم معلومات عن الطرقات وكل قوانين القيادة. ومن الضروري أن يحضر الفرد 14 ساعة لدراسة القيادة، ثمّ يقوم المواطن بإجراء فحص طبي للعيون وفحص إسعافات أولية مقابل نحو 60 ألف ليرة، ثمّ يدفع حوالي 75 ألف كي يرسل مكتب القيادة طلب الحصول على الرخصة إلى وزارة الداخلية”، مضيفةً لـ “المدن أنه “لا يمكن لأي شخص أن يُقدم طلب رخصة دون المكتب لأنه مُجبر على حضور التمارين والمحاضرات التي يؤمنها المكتب، والمطلوبة من وزارة الداخلية تحديداً”. وبعد الحصول على رخصة، تستمر الدولة بمراقبة طريقة قيادة المواطن. فعدد المخالفات المرورية والحوادث وما الى ذلك، تعرّضه الى سحب الرخصة.

والجدير ذكره أنّ قانون السير في لبنان محط خلاف اليوم، حيث تنتقده مكاتب السوق، وتطالب بوقف تنفيذه، لأنه “وبعد التجربة لم تقل نسبة الحوادث السنوية في لبنان بسبب الطرقات غير المطابقة لمعايير السلامة”، وفق ما قاله مصدر في نقابة مكاتب السوق. وفي الاطار نفسه، اعتبر النائب السابق حسن يعقوب خلال مشاركته الخميس الماضي بمؤتمر صحافي عقدته النقابة في بيروت، ان “قانون السير الجديد، عبارة عن دراسة مسروقة عن الانترنت وُضعت من قبل لجنة الأشغال والنقل”، مشيراً الى ان “الدولة اخذت هذه الدراسة التي يمكن تطبيقها في أكثر المدن تطوراً في العالم، من حيث الطرقات والخدمات التي يجب أن تقدم للمواطن، وفرضت على المواطن اللبناني رسوما قاسية دون تقديم أي خدمة بالمقابل، من تعبيد للطرق وازالة العوائق الاسمنتية ووضع علامات واشارات تحدد السرعة وغيرها”، وبرأيه، فإن الهدف من هذا القانون هو “جمع الاموال من المواطنين”.

لكن مشكلات الطرق لا يجب ان تحجب النظر عن تواطؤ المكاتب مع المستفيدين في إدارة هيئة السير. وتمرير الصفقات والرشى بشكل علني وفاضح، دفع المواطنين الى التساؤل حول امكانية التقدم بشكل فردي للحصول على رخصة. الا ان يعقوب يرى أن وجود مكتب يقوم بـ”دور الوسيط”، هو “تنظيم للمهنة وتسهيل لخدمة المواطن، وموجود في كل البلدان المتقدمة. ولا يستطيع الفرد أن يتقدّم إلى امتحان رخصة القيادة إلا عن طريق مكتب لأنه ووفقاً للقانون الصادر عن وزارة الداخلية يجب على الطلب المُقدّم أن يكون مختوماً من مكتب قيادة السيارات”. ومن جهة أخرى فإن السيارة التي يُجرى بواسطتها امتحان القيادة “من الضروري أن تكون مُسجلة باسم المتقدم للإمتحان ومرخصة، بالتالي معظم المُقدمين يحتاجون لسيارة من مكتب قيادة”. الا ان التبريرات استندت الى ما هو معمول به، دون التطرق الى عدالة ما يجري، والى نتائج تغيير الواقع، لجهة تسهيل امور المواطنين، وكف يد المستفيدين على حساب المواطن والدولة.

في المقابل، لا ينفي أحد الخبراء في الأكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المرورية (فضّل عدم الكشف عن اسمه)، ان هناك خللاً في عملية الحصول على رخصة القيادة، واهم نقاط الخلل، هو غياب تنظيم دورات تعليم القيادة وشروطها، خصوصا لأصحاب المكاتب. وكشف الخبير في حديث لـ “المدن” ان معظم اللبنانيين، ومن بينهم مدرّبون، “غير جديرين بقيادة السيارات وفقاً لقانون السلامة العالمية، إذ أنه في الدول المتقدمة من الضروري أن يخضع السائق لـ 45 ساعة من التعليم النظري و10 ساعات من التدريب العملي”. وعن التقدم فردياً للحصول على رخصة، يقول الخبير انه “لا يوجد ما يُلزم المواطن اللبناني بحسب القانون الصادر عن وزارة الداخلية بأن يُقدم للحصول على رخصة قيادة من خلال مكتب، بل يمكنه فقط أن يستأجر سيارة من مكتب، وإجراء الإمتحان بنفسه”. اما مبلغ الـ 50 ألف ليرة، فهو “يدفع للمكتب ليضمن نجاح الممتحَن، عبر علاقاته باللجنة الفاحصة”.