منذ ثلاث سنوات من عمر الحرب، تعاني الغوطة الشرقية من القصف المتواصل عليها من قبل قوات النظام، حيث دمرت بناها التحتية كلها، وتضررت المزروعات وانعدمت المحروقات وعمت حالات الموت جوعاً. وكانت الكارثة الأكبر في انعدام الكهرباء التي تشغل المستشفيات والمراكز الطبية التي تغص بالجرحى. وقد شهدت المستشفيات وفاة بعض الجرحى رغم إصاباتهم الطفيفة، ورغم مناشدات الأطباء والأهالي للمنظمات والجمعيات الإنسانية بما فيها الأمم المتحدة لفتح معبر إنساني إلا أن كل تلك المناشدات باءت بالفشل، فاضطر الأهالي إلى الاعتماد على أنفسهم في إيجاد وسائل بديلة، وبخاصة عن الكهرباء.
ولأن الحاجة ام الاختراع، قام أبناء الغوطة بعدد من التجارب لإنتاج طاقة تخفف عنهم ضغط الحرب. البداية بحسب أسامة أبو زيد، كانت بإستعمال “عنافات الهواء”، وتُعتبر هذه التجربة ناجحة، لولا الشح الشديد في بعض قطع الصيانة. لكن برغم نجاح التجربة كخطوة أولى، الا ان المردود الانتاجي كان ضئيلاً ولم يتعدَّ القدرة على إنارة منزل. ويشير أبو زيد الى ان بعض المنازل مازالت تعتمد على هذه التجربة لتوليد الكهرباء
الحاجة المتزايدة فرضت تطوير القدرات وابتكار محاولات جديدة. فكانت الطاقة المائية هي الحل الثاني، حيث ثُبّتت “عنفات مائية” على مجرى النهر، تستفيد من حركة المياه لتدور. وقدمت التجربة الثانية قدرة انتاجية أكبر من الأولى، إذ تم تأمين الكهرباء لعدد اكبر من المنازل وتمكن المواطنون من استعمال عدد من الآلات، معتمدين على حجم الطاقة الأكبر.
التجربة الثالثة كانت “حفرة الغاز الطبيعي”، ويصفها أبو زيد بأنها أنجح من الوسيلتين السابقتين، وتمتاز بمردود مرتفع نسبياً، حيث أنها تعتمد على مبدأ تخمير الفضلات الحيوية واستخلاص غاز البوتان الطبيعي لتشغيل المولد الكهربائي. وتكون الحفرة كبيرة نوعاً ما حيث تبلغ 3.7 متر، والجيد لناحية الكلفة انها تُدفع لمرة واحدة في البداية. وتعتمد آلية العمل على وجود حفرة مناسبة، ثم عامل التخمر الذي يحتاج إلى حرارة عالية، وخزان مياه يعتمد على الطاقة الشمسية بدائرة مغلقة، ويتم تمرير المياه بواسطته إلى الحفرة، ليسرع عملية التخمر. مردود الحفرة ممتاز جداً، وهي مستدامة ولا تحتاج إلى تبديل إلا إذا حدث ضرر بغلافها، وقادرة على أن تعمل ستة أشهر متواصلة، بحسب معدل الاستهلاك اليومي، وعموماً، نستطيع سحب 3000 وات/ساعة لمدة 5 ساعات متواصلة، غير ان كلفتها العالية التي تتراوح بين 3000 الى 5000 دولار، جعلت المواطنين يعدلون عن استعمالها.
التجربة الرابعة والأخيرة هي تجربة الطاقة الشمسية وهي أنجح الوسائل وأوسعها، فهي من أهم مصادر الطاقة البديلة وأثبتها، وكانت دراستها قد تمت في أواخر 2014، والأمر السيء أن أسعار الألواح المتوافرة، كانت خيالية نظراً لأن المنطقة كانت محاصرة، ويمكننا القول أن هناك مافيات تتحكم في الأسعار.
وقد استعان المستشفى الميداني بهذه التجربة، تم تركيب الألواح على قواعد متحركة وتوزيعها على أماكن متعددة على الأسطح وهو الأمر الضروري من الناحية الأمنية، حتى لا يتم استهدافها دفعة واحدة، وتم تشغيل غرفة العناية المركزة بشكل كامل وبكلفة 10آلاف دولار، بعد وصل الألواح الشمسية إلى منظومة بطاريات لتخزين الطاقة خلال فترة النهار واستعمالها عند غياب الشمس بطريقة تبديل أوتوماتيكية، كذلك تم تحريك قواعد الألواح للحاق بأشعة الشمس بابتكار آلية أتوماتيكية أيضاً للاستفادة من أكبر قدر ممكن من أشعة الشمس. ويلفت أبو زيد النظر الى انه تم إعداد خطة لاعتماد أجهزة عناية تعمل باستطاعات منخفضة، إما بتعديلها أو بشرائها من جديد، وتم تعديل معظم التجهيزات لتعمل على جهد 24 فولت لتخفيف الطاقة المهدورة من رفع التيار الى 220 فولت، وهو مايوفر 30-35% من الطاقة. ويذكر ان المستشفى كان يعتمد على المازوت، حيث كان من الضروري تأمين الكهرباء 24/24 وهو أمر في غاية الصعوبة، وإن تم فهو مكلف جداً. ويلفت أبو زيد الى ان قدرة التشغيل في ذلك الظرف كان 7 أسرّة، وذلك يستهلك 4000 لتر من المازوت، أي ما يعادل 25 ألف دولار بالشهر الواحد.
وعن أهمية هذه المشاريع يقول خالد شعبان، مدير منظمة “رؤية” التي أشرفت على العديد من مشاريع دعم الاتصالات والطاقة في سوريا، أن أهداف وفوائد المشروع تتلخص في ثلاثة اهداف أهمها الهدف المادي، فبسبب الحصار والأوضاع الاقتصادية تم رفع سعر المازوت حتى وصل في إحدى المرات إلى 10 دولار لليتر الواحد، بينما كانت استهلاكات بعض المنظمات في شهر واحد 50 ألف دولار، وتمكن هذا الحل من خفض نسبة التكلفة وتوفير ما بين 25-75% بحسب الحالات، فنحن مثلا، لا نستطيع تشغيل مستشفى كامل على الطاقة الشمسية بشكل دائم لأن ذلك من شأنه أن يلفت نظر القوات النظامية لاستهدافه. كما يتم الاستفادة مما يوفر في تأمين حاجات أخرى ،كالأدوات الطبية مثلاً.
أما الهدف الثاني للمشروع فهو هدف بيئي، فالمولدات التي كانت تستخدم بعدما قطع النظام الكهرباء عن الغوطة كلها قديمة ولم يتم استخدام أي مولد جديد، وهذه المولدات تحمل كمية كبيرة من الانبعاثات الضارة، أو كانوا يستخرجون المازوت من البلاستيك المحروق مما يؤدي إلى انبعاثات ضارة كبيرة أيضاً، وتمكنت هذه التقنية من الحفاظ على البيئة بقدر المستطاع.
الهدف الأخير هو هدف سياسي، حيث إن مداخل الغوطة تسيطر عليها بشكل أساسي سلطات عسكرية، تقوم بأخذ ضرائب أو أتاوات عند إدخال أي شيء للغوطة ومنها الوقود، أو تكون هذه المصادر قد اشترت وقوداً وقامت ببيعه بأسعار مرتفعة جداً للمدنيين، لكن بهذه العملية تم تحييد المدنيين عن استحكام السلطات العسكرية لهم.
يتحايل ابناء الغوطة على الاوضاع الاقتصادية والامنية لتأمين أقل قدر من متطلبات الحياة، بأبسط الوسائل. أما تمويل المشاريع، فيقول ابو زيد ان الاعتماد هو على التبرعات المجموعة بشكل أساسي من المشاركين في حملة “كأنّي أكلت”، والذي كان مشروع الطاقة الشمسية من ضمن مراحل عملها.