نفت مصادر مصرفية رفيعة المستوى الشائعات التي سرت في اليومين الماضيين عن طلب متزايد على الدولار وعن اضطرار مصرف لبنان إلى التدخل في سوق القطع للمحافظة على التوازن وضمان الاستقرار النقدي. وقالت «ان الطلب الظرفي من وقت لآخر على العملة الخضراء، إن صحّت جدلاً هذه الأنباء، لا يمكنه أن يؤثر سلباً في قيمة الليرة المرتبطة بمؤشر الدولار الأميركي منذ بداية تسعينات القرن الماضي بقرار سياسي ومالي ونقدي على أعلى المستويات«.
واوضحت المصادر اياها انه لا يمكن اعتبار تراجع احتياط الموجودات الأجنبية لدى مصرف لبنان خلال النصف الثاني من أيلول المنصرم بمقدار 427,98 مليون دولار «مؤشراً مثيراً للقلق، لأن قيمة الاحتياط لا تزال مرتفعة جداً وبلغت 38,25 مليار دولار، قابلتها زيادة في قيمة احتياط الذهب تخطت 173 مليون دولار لتسجل 10,36 مليارات دولار، في ما يُعزى، بطبيعة الحال، إلى ارتفاع سعر أونصة الذهب في البورصات العالمية خلال الفترة نفسها«.
إشارة طمأنة تأتي من رصد الخط البياني لتقلبات احتياط العملات الصعبة خلال سنة كاملة، حيث يتبين أنه انحسر 0,46 في المئة فقط حتى آخر أيلول، بينما انخفضت محفظة احتياط الذهب 6,9 في المئة، ليتراجع بذلك الاحتياط الإجمالي من العملات والذهب 940 مليون دولار إلى 48,61 مليار دولار، نزولاً من 49,55 مليار دولار في نهاية أيلول من العام الماضي.
واللافت أن هذه الإحتياطات تعادل أكثر من 70 في المئة من الدين العام المجمل، وتتجاوز 81,6 في المئة من الدين العام الصافي، كما تغطي أكثر من 129 شهراً من خدمة الدين الحكومي.
هذه المعطيات لطالما كانت سنداً لتصريحات مختلف المسؤولين والخبراء النقديين والماليين، وفي طليعتهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامه، الذي يؤكد دوماً استقرار الليرة وأهمية الدفاع عنها، علماً أن تداولها يجري بأسعار تقل من مستويات التدخل التي يحددها مصرف لبنان، معتبراً أن استقرار سعر صرف الليرة يرتكز على المستوى المرتفع الذي سجلته احتياطات «المركزي« من جهة، وعلى إطلاق مبادرات تحفيزية لتشجيع الثقة من جهة اُخرى.
في هذا السياق، من المفيد الإشارة إلى أن الطلب على الليرة كان متقدماً الأسبوع الماضي، بحسب التقرير الأسبوعي الصادر «بنك لبنان والمهجر للأعمال» (بلوم إنفست)، أي بخلاف الحديث عن طلب على الدولار بداية الأسبوع الجاري، حيث لا عوامل سلبية تدفع إلى التخلي على العملة الوطنية لصالح الدولار، الذي انخفض هامش سعر صرفه بين المصارف من 1509-1513 ليرة وبسعر وسطي بلغ 1511 ليرة، إلى 1508-1512 ليرة وبسعر وسطي بلغ 1510 ليرات.
استراتيجية مصرف لبنان بهذا الخصوص تندرج ضمن سياسة متحفظة، ربطها سلامه سابقاً بالظروف الإقليمية الخارجة على إرادة لبنان، وكذلك بأوضاع المالية العامة، شارحاً أن هذه السياسة تقوم على أقانيم ثلاثة هي استقرار سعر الصرف والمحافظة على الوضع الائتماني والمساهمة في تحفيز الاقتصاد.
وبالرغم من أن النظرة الإيجابية للوضع النقدي المتّسم بقدرات تمويلية ذاتية كافية في المدى المنظور، تجعل الليرة في حصن حصين استناداً إلى المعطيات المالية والنقدية الراهنة، إلا أن مباعث القلق ليست في علم الغيب، بل مصدرها واضح وكامن في استمرار تدهور الأوضاع السياسية والأمنية، وهي التي دفعت سلامه في اجتماعه الأخير مع مجلس إدارة جمعية المصارف إلى دعوة المسؤولين لإدراك هذا التهديد وانعكاسه على التصنيف الائتماني السيادة وبالتالي على المصارف المكشوفة محفظة تسليفاتها بنسبة عالية جداً على الديون الحكومية، وما قد يترتب عن ذلك طبعاً من ارتفاع تكاليف تمويل احتياجات الخزينة مستقبلاً.