عندما وافق مجلس الوزراء على عناوين وتوجهات خطة معالجة وضع النفايات، في القرار رقم 1 تاريخ 9/9/2015، كان لافتاً أن يُدَسّ البند الثاني في القرار الذي ينص على «استكمال دراسة استخدام مكب برج حمّود في المرحلة المقبلة في إطار خطة تأهيلية بما يخدم إنماء المنطقة (…)».
وفيما غابت الآلية الواضحة لتنفيذ معظم ما ورد في القرار المذكر، حضرت «مخططات» تأهيل مكب برج حمّود بـ»قوة»، عبر «ملحق 2» يشرح الآلية المقترحة، وينص على إمكانية «الاستفادة من هذا المشروع لإطلاق دينامية للبدء بمشروع لينور»، وهو المشروع الذي سقط منذ سنوات طويلة نظراً إلى مخاطره البيئية والعمرانية والمخاوف من أن يؤدي استحداث عقارات إلى زيادة شهية أصحاب النفوذ للسطو على المزيد من الأملاك العامة واستثمارها لمنافع خاصة وشخصية.
يجري التسويق لعملية تأهيل مكبّ برج حمود على أنها ستكون على غرار تأهيل مكب صيدا، إلا أن هذه المقاربة مرفوضة من قبل بلدية برج حمّود وأهالي المنطقة الذين أعلنوا رفضهم استقبال النفايات بحجة إعادة تأهيل المكب، واصفين هذه الخطوة بـ»الابتزازية».
يقول نائب رئيس بلدية برج حمّود جورج كريكوريان، إن المقاربة بين تأهيل مكب صيدا ومكب برج حمّود لا تصلح، انطلاقاً من أنّ الأخير «مُقفل منذ 17 عاماً، والنفايات المغطاة بطبقات من الأتربة السميكة كانت كفيلة بالقضاء على الرائحة، لافتاً إلى أنّ الرائحة المنبعثة من المنطقة مصدرها الكثير من الموبقات المحيطة بالمكان، فضلاً عن أنّ الأثر البيئي المترتب عنه أقل بكثير عمّا كان عليه مكبّ صيدا المفتوح في الهواء الطلق».
يُحيل الأمين العام لحزب الطاشناق النائب هاغوب بقرادونيان موقف الحزب من المشروع إلى موقف البلدية، وبالتالي إلى كريكوريان، الذي عبّر صراحة عن مخاوف البلدية وقلقها من القرار الوزاري، ملمحاً إلى عدم وجود ثقة مع السلطة استناداً إلى الكثير من التجارب المشابهة، لافتاً إلى أنّ ما يُثار حول السعي إلى تنفيذ مشروع «لينور» ليس مطمئناً.
ينطلق كريكوريان من هذه الخلاصة ليشير إلى أن عملية الفرز التي ينص عليها القرار الوزاري لهذه النفايات «المتحللة أصلاً» لا تبدو منطقية. وبحسب قرار مجلس الوزراء، يجري خلال الأشهر الستة الأولى من المرحلة الانتقالية العمل على إنشاء حاجز بحري لحماية المنطقة المجاورة للعمل، ويبدأ فرز جبل النفايات واستحداث خلية لطمر المواد المفروزة من الجبل، بالإضافة إلى البدء بردم المساحة المائية المستحدثة بالمواد المناسبة المستخرجة من الجبل. بعد الأشهر الستة الأولى تبدأ الخلية الصحية المستحدثة باستيعاب قسم من النفايات المنتجة من منطقة برج حمود وجوارها، وذلك كمساهمة في الحل خلال هذه المرحلة (..) وإن استقبال النفايات من خارج جبل النفايات محصور بمدة زمنية لا تتعدى 12 شهراً وبكمية لا تتعدى 350 ألف طن.
يرى كريكوريان أنّ النفايات الجديدة التي سنستقبلها هي التي ستؤثر في الصحة العامة، لا النفايات المتحللة منذ زمن. وتطالب بلدية برج حمّود بـ»توحيد المعايير مع مطمر الناعمة»، على حدّ تعبير كريكوريان، الذي يقول: «قبل نقل النفايات إلى مطمر الناعمة، كانت تمر هذه النفايات إلى معامل الفرز في الكرنتينا، إضافة إلى مستودع النفايات الكبيرة، فضلاً عن تخميرها في معمل برج حمود، وما يرافق هذه العمليات من تلوّث وانبعاث غازات سامّة»، ليخلص إلى أنّ أهالي برج حمّود أدّوا قسطهم و»عانوا بقدر ما عانى أهالي الناعمة من التلوّث والروائح». ويشرح أنه قبل 18 عاماً، (قبل فتح مطمر الناعمة) «عانينا بدورنا لمدة 20 سنة من هذا المكب الذي كان يستقبل نفايات بيروت وجزء كبير من نفايات جبل لبنان». وبالتالي يغدو توحيد المعايير يتمثّل، وفق «معادلة» أهالي برج حمّود، برفض إعادة فتح المكب بحجة تأهيله أسوة بمطمر الناعمة، «فقد سبق أن دفعنا الثمن».
تقول مصادر في اللجنة الفنية المكلفة وضع الخطة، إن طول السنسول المنوية إقامته هو مضاعف للسنسول المقام في صيدا ويبلغ نحو 2100 متر، ويبلغ متوسط عمق المياه 10 أمتار، «وبالتالي المساحة المستحدثة من الردم تُقدّر بنحو مليون و50 ألف متر مربع». هذا الأمر يشير إلى أن المدة المخصصة (6 أشهر) لإنشاء السنسول البحري وفرز جبل النفايات واستحداث خلية صحية لاستيعاب المواد المفروزة من الجبل، بالإضافة إلى البدء بردم المساحة المائية المستحدثة، «ستكون مضاعفة، كذلك الكلفة»، على حدّ تعبير المصادر التي تشير إلى «استحالة إنجاز المشروع في هذه الفترة».
من جهته، يقول كريكوريان إن المعطيات تشير إلى أن كمية النفايات التي سيستقبلها المكب تفوق الـ350 ألف طن، «انطلاقاً من أنّ المساحة التي سيردم بها البحر تستلزم كميات أكبر من النفايات». والواقع، هذا الأمر سيتطلب استحداث المزيد من الكسارات، وبالتالي المزيد من التشوهات البيئية للجبال لتأمين حجارة الردم.
وبحسب التداول الشفهي الذي جرى خلال اللجنة، ستقسم المساحة المستحدثة (المليون و50 ألف متر مربع) وفق الآتي: 210 آلاف متر لإنشاء حديقة و80 ألف متر لإنشاء الخلية الصحية، فيما الباقي يخصص للاستثمار، وهو ما يرد في قرار مجلس الوزراء تحت عنوان: «تحسين مقاربة استخدام الأراضي في الواجهة البحرية لمنطقة برج حمّود، ما يُسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية».
يقول أحد المطلعين على الملف إن من بين أسباب توقف مشروع «لينور» سابقاً الذي يمتد من برج حمود إلى ضبية، كان «تردد الكثير من المستثمرين نتيجة الكلفة العالية للردم، نظراً إلى مستوى المياه المرتفع، فيما يقدّم قرار مجلس الوزراء، حالياً، خدمة للمستثمرين الجدد، إذ تمهّد الطريق أمامهم عبر تحميل الكلفة على الدولة اللبنانية».
منذ سنة تقريباً، كان وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم يطالب بإدراج مشروع لينورعلى جدول أعمال مجلس الوزراء بأسرع وقت، وذلك في إطار تطوير الواجهة البحرية للضاحية الشمالية لمدينة بيروت الممتدة من نهر بيروت حتى المارينا الضبية. وعام 2012، ناقشت لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه مشروع لينور، وحينها أعلن النائب محمد قبّاني أن المشروع يقوم على ردم نحو مليونين ومئتي وثمانين ألف متر مربع، يتملك المستثمر 832 ألف متر مربع منها بهدف «توفير مساحات ومرافق جديدة للاستثمار في قطاعات السكن والسياحة والتجارة والمرافئ السياحية».