تتواصل المواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي في أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة، للأسبوع الثاني على التوالي. وتحاول إسرائيل بقبضتها الأمنية وأدواتها الاستخبارية السيطرة على أعمال العنف وإحباط حدوث انتفاضة فلسطينية ثالثة. وتشكل “وحدة المستعربين” إحدى أهم أدواتها.
وقد برز استخدام قوات الاحتلال عناصر “المستعربين” في شكل واضح في مواجهة التظاهرات الفلسطينية الأخيرة، وهم يرتدون اللباس الفلسطيني ويتسللون ملثمين إلى تجمعات الشبان الفلسطينيين أثناء مواجهتهم القوات الإسرائيلية، ويقومون باستدراجهم والمساهمة في اعتقالهم وتسليمهم إلى سلطات الاحتلال، وقتلهم في بعض الأحيان.
ويقوم عناصر هذه الوحدة بالتجوّل في المناطق الفلسطينية، ويتخفون بلباس مواطنين فلسطينيين، ويتم اختيارهم تبعاً للمهمة واحتياجاتها. وقامت هذه الوحدة بعمليات اغتيال عدة لعدد من القيادات والناشطين الفلسطينين، إضافة إلى عمليات تتبع وتقصي معلومات حول الشبان المشاركين في الاحتجاجات ضد الاحتلال الإسرئيلي.
تاريخياً، يعود إنشاء وحدة “المستعربين”، إلى الخمسينات من القرن الماضي بعد إنشاء دولة إسرائيل في العام 1948، وكانت تتبع “جهاز الأمن الداخلي” الإسرائيلي (شاباك).
ومهمة أفراد هذه الوحدة هي الاندماج مع اللاجئين الفلسطينيين داخل الدولة العبرية وفي مخيمات اللجوء في الدول العربية.
وتولى قيادة هذه الوحدة التي تم حلها أواخر العام 1959، شموئيل موريا، الذي ولد في العراق باسم “سامي معلم”.
ويقول موريا في مقابلة أجرتها صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية معه في العام 1998، إنه “توجب على المستعرب في ذلك الوقت أن يعيش كالعربي تماماً، لا أن يتنكر بزي عربي فقط، وأن يقيم بيتاً وأسرة ويولد له أطفال”.
وأشار إلى أن فكرة تشكيل وحدة “المستعربين” نشأت لدى “جهاز الاستخبارات الإسرائيلية” (موساد) الذي استغل موجات اللاجئين الفلسطينيين خلال حرب العام 1948 من أجل زرع العملاء اليهود في الدول العربية وجاراتها إبان الحرب وبعدها.
وحصل هؤلاء العملاء على هويات عربية أخذت من اللاجئين، ومن خلال هذه الهويات المستعارة، عمل العديد منهم مثل إيلي كوهين في دمشق الذي أعدم في العام 1965، وباروخ مزراحي الذي زرع في اليمن واعتقل ونقل إلى مصر حيث أطلق سراحه، موضحاً أن هؤلاء تخصصوا في إرسال التقارير عن الإعداد للحرب أو أي خطوات غير عادية أخرى في الدول التي عاشوا فيها.
وقرر جهاز “شاباك” استخدام الأسلوب ذاته في أوساط العرب داخل الدولة العبرية الذين كانوا يخضعون في ذلك الوقت إلى حكم عسكري مشدد.
وجند موريا المرشحين من الشبان اليهود من مواليد الدول العربية وذوي الدراسة الثانوية. واعتبر تشكيل هذه الوحدة أحد الأسرار الكبيرة في الأوساط الاستخبارية الإسرائيلية. وقال موريا، إن “المشكلة التي واجهت اليهود المستعربين إضفاء اللكنة الفلسطينية عليهم، ولذلك ركزوا على تعلم الدراسة الدينية”.
وأكد موريا أن وحدة “المستعربين” حُلت بعد تراكم المشاكل الاجتماعية التي نجمت منها، إذ “اضطر” هؤلاء إلى الزواج من عربيات مسلمات نتيجة لتعرضهم للضغوط في المحيط العربي الذي عاشوا فيه.
وأوضح إنه “عندما قررنا حل الوحدة وإخراج المستعربين من الميدان، ظهرت متاهات محيرة وصعبة: ما العمل مع الزوجات والأبناء؟ هل نخرجهم معهم؟”. وأضاف: “من أحمد العربي عليك فجأة أن تعود لتصبح يوسي اليهودي وعليك أن تحدث زوجتك بالحقيقة، حقيقة أنك لست الوطني العربي الذي أحبته وإنما يهودي”.
وأشار موريا إلى أن “الأسر تمزقت وتفرقت، وهوية الأولاد باتت مشكلة، خصوصا ًعندما يصل الابن إلى سن الخدمة في الجيش ويتوجب عليه أن يقرر إن كان سيتجند أم لا. فهو يعرف أن أمه عربية وأباه يهودي، ويسأل نفسه إلى أين عليه أن يوجه بندقيته”.